تعددت الأسباب والانهيار واحد. عملات دول المنطقة تتنافس على السقوط الأسرع. الليرة اللبنانية والليرة السورية والريال الإيرانى والريال اليمنى تخوض سباق الوصول لخط الهاوية. لم تعد المنطقة تسجل فقط أرقاما قياسية بأعداد قتلى الحروب والمشردين والضحايا، لكن أيضا بمعدلات التضخم وارتفاع الأسعار وتفشى الفقر.
منذ أكتوبر الماضى، فقدت العملة اللبنانية 80% من قيمتها أمام الدولار. لبنان، الذى كان يوما سويسرا الشرق، يتجه لأن يكون فنزويلا أو زيمبابوى المنطقة، مسجلا ثالث أعلى تضخم عالمى بلغ 363%، وتوقعات بأن يصبح ثلت مواطنيه عاطلين نهاية 2020، وأن يكون 84% منهم تحت خط الفقر.
أما سوريا، فالانهيار الاقتصادى لم يعد خبرا، لأن البلد يعانى أسوأ كثيرا من الانهيار.. إنه يتلاشى. ليس غريبا إذن ألا يثير انهيار الليرة أو الارتفاع الجنونى للأسعار أو سقوط سوريين فى براثن الموت جوعا، أى اهتمام. اليمنيون أسوأ حالا بكثير، فقد نسيهم العالم ولم تعد تحرك مشاعره قتل آلاف الأطفال واستخدام أسلحة محرمة وتدمير البلد بالكامل، فهل سيهتم أحد بعملة نقدية هى الأضعف بالعالم؟.
أما إيران، التى ترى نفسها قوة إقليمية، فقد أصبح ريالها عزيز قوم ذل بل ذهب مع الريح، فبعد أن كان الدولار يعادل 32 ألف ريال عام 2015، وصل إلى 207 آلاف مع تراجع اقتصادى ومعاناة معيشية هى الأسوأ منذ 40 عاما.
كل دولة لها ظروفها وأسباب فشلها سواء كانت داخلية أو خارجية، لكن الانطباع العام أن المنطقة تعانى إحباطا وتخبطا وافتقادا للرؤية على مستوى القيادات والنخب لم يحدث منذ 100 عام على الأقل.
وبعد أن كانت الاتهامات بأنه ليس لدى شعوبها ما يقدمونه للعالم، تأكد أنه ليس لديهم أيضا ما يقدمونه لأنفسهم، وأنهم يحصدون نتاج عقود من القمع وسوء الإدارة وتدنى مستويات التعليم والصحة والانشغال بالمغامرات الخارجية منذ حصولهم على الاستقلال.
وبينما، تحاول دول العالم إضفاء مسحة تفاؤل على المستقبل بعد القضاء على كورونا، فإن شعوب منطقتنا، أصبحت تتطير من الحديث عن الغد لأنها شبه متأكدة أن الأسوأ لم يأت بعد.
نقلا عن صحيفة الأهرام