Close ad

منحة كورونا والدولة القوية (3)

12-7-2020 | 00:46

أظهرت محنة كورونا الحاجة والضرورة لوجود سيطرة الحكومة على معظم القطاعات المرتبطة بالصحة بوجه عام بما يشمل توفير أطقم طبية وأماكن وأسرة ومراكز صحية كافية في كافة المناطق والمحافظات، بل وشركات حكومية لإنتاج الدواء والأجهزة الصحية المختلفة، ولذلك نجحت الصين في السيطرة على المحنة بأقل الخسائر وفي أسرع وقت، ولذلك أيضا اضطر الرئيس الأمريكي ترامب إلى تأميم مؤقت لشركة جنرال موتورز، حينما رفضت إنتاج أربعين ألف جهاز تنفس صناعي شهريا وبأسعار الحكومة، وأجبر الشركة على إنتاج هذه الكمية وبالأسعار الحكومية.

وكذلك كل ما يرتبط بأزمة كورونا من علاج ووقاية وخلافه، وهذا يعني أنه حتى أمريكا الدولة الغنية والقوية لم تستطع مواجهة الأزمة بدون اللجوء إلى قرارات استثنائية وإلى التأميم المؤقت، ولا ننسى تحذيرات هنري كيسنجر ثعلب أمريكا العجوز، حينما شدد على أهمية نجاح أمريكا في مواجهة محنة كورونا من خلال كسب ثقة الشعب في قدرة الدولة على النجاح في مواجهة الأزمة، وإلا سوف يتعرض النظام الرأسمالي بأكمله لأزمة شديدة لا تحمد عواقبها، وخاصة بعد نجاح الصين وكوبا بشكل كبير في اجتياز محنة كورونا والحصول على ثقة شعوبهم مما يؤكد أهمية تعاظم دور الدولة لمواجهة مثل هذه الأزمات.

كما أدت المحنة لتوقف حركات التجارة والطيران في العالم، ما أدى لوقف الاستيراد؛ سواء في مجال الغذاء أو الصناعة أو الدواء ما يعني ضرورة اعتماد كل دولة على نفسها بنسبة كبيرة في كل احتياجاتها الضرورية، ما يعني بوادر بتصدعات أساسية في مفاهيم العولمة وحرية السوق وحرية التجارة، فمثلا تشير التقارير إلى اعتماد شركات الدواء المصرية على دولة الصين فقط في استيراد نحو 40% من الخامات الأولية لتصنيع الدواء بمصر، هذا فضلا عن الدول الأخرى، في حين أن الدولة المصرية كانت تنتج نحو 85% من الدواء قبل سياسات الانفتاح في السبعينيات، وهذه المشكلة تمتد للصناعات الهامة مثل أجهزة التنفس الصناعي وغيرها وإلى المنتجات الزراعية الأساسية وكل ما هو ضروري، وكلنا نتذكر مقولة الرئيس، إنه عند استلام الحكم وجد "شبه دولة" نتيجة تراكم سياسات الخصخصة وتراجع دور الدولة منذ السبعينيات.

وهذه السياسات قد تكون مناسبة لدول أخرى تختلف في خصائصها البيئية عن مصر؛ بمعنى أن جغرافية وتاريخ مصر وعلمائها الكبار مثل جمال حمدان وحسين مؤنس وسليمان حزين وغيرهم يؤكدون بالجغرافيا والتاريخ أن مصر لابد أن تكون دولة مركزية قوية؛ لأنها تتبع حضارة الأنهار عكس حضارات المطر، فالأنهار يعني ضرورة وجود حاكم أو حكومة مركزية قوية لضبط النهر، ثم ضبط الناس، فالنهر يحتاج لحماية جوانبه وتبطينه وإقامة وحماية الترع والقنوات والسدود، وجمع الضرائب لتنفيذ هذه الأعمال، ثم ضبط الناس حتى لا يقوم مزارع بمنع المياه عن جاره، كل ذلك لا تحتاجه مزارع أو بلدان المطر أو غيرها من البيئات الأخرى.

وحضارات مصر منذ فجر التاريخ تقوم من خلال دولة مركزية قوية؛ سواء عند بناء الأهرامات والحضارة المصرية القديمة أو في العصر الحديث، حيث كان نظام محمد علي المسيطر على كافة قطاعات الدولة، وهو نظام أقرب للشيوعية في ملكية الدولة لكافة القطاعات، كما اعتمدت نهضة مصر في عصر ناصر على الدولة بشكل أساسي، كما أن الدول الغنية بمواردها مثل البترول أو الغاز قد تكون قادرة على توفير هذه الخدمات بما تملكه من وفرة في الموارد، ومن هنا يكون من الضروري أن تتوسع الدولة في الخدمات الأساسية.

ولقد أثبتت محنة كورونا عن مغالاة القطاع الخاص في أسعار العلاج والإقامة للمرضى بشكل مبالغ فيه، وأيضا عن نقص في بعض الاحتياجات أو عدم توافرها بأسعار مناسبة لمختلف شرائح المجتمع، فكان هناك نقص في بعض الأدوية أو الفيتامينات المستخدمة أو الاحتياجات الأخرى المرتبطة بالأزمة، ولولا تدخل بعض الجهات الرسمية لتصاعدت الأزمة.

الخلاصة:

الدور الحكومي زادت أهميته في العالم حتى داخل أمريكا الدولة القوية والغنية، واضطرت لاتخاذ قرارت استثنائية وسريعة لمواجهة الأزمة، ويزداد دورالدولة وأهميته مع ارتفاع نسبة الفقر؛ لأن الدولة مسئولة أساسًا عن الفقراء والطبقة الوسطى في التعليم والصحة والعمل والمسكن وخلافه، ومع التغيرات التي شهدتها مصر منذ عام 2011، ثم الإصلاح الاقتصادي، ثم مشكلة كورونا تزايدت نسبة الفقراء، وبالتالي تزايد أهمية دور الدولة القوية لمواجهة هذه الأزمات؛ ومن ثم علينا الدراسة والنقاش المجتمعي للتخطيط العلمي لمواجهة الأزمة بناء على دراسات تجارب الآخرين والماضي والتاريخ من أجل مستقبل أفضل لوطننا الحبيب.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة