فى أثناء حملته الانتخابية 2016، قال المرشح ترامب: لن نستمع بعد الآن لأغنية العولمة الكاذبة. العالم، بالنسبة له، عالة على أمريكا، يأخذ منها ولا يعطيها شيئا. بعد 4 سنوات، حقق ترامب الرئيس هدفه. توقفت العولمة أو كادت، وتلاشى التعاون الدولى وفقدت الدول الثقة بالعمل المشترك.
كورونا مثال على ما وصلنا إليه. طالب العلماء البشر بالتباعد الاجتماعى لمنع انتقال العدوي، فإذا بالساسة يطبقون تباعدا سياسيا نتج عنه شلل كامل بالمنظومة الدولية. مجلس الأمن لم يناقش الوباء سوى فى أبريل، أى بعد 3 أشهر من تفشيه. الأعضاء الدائمون انقسموا لمعسكرين: أمريكا وبريطانيا وفرنسا ضد روسيا والصين. الأمم المتحدة عانت سكتة قلبية، وبالتبعية المنظمات الإقليمية الأخري.
فقد العالم، كما يقول جون إيكنبرى أستاذ الشئون الدولية بجامعة برنستون، الثقة بالعمل الجماعي، كما لم يحدث منذ الثلاثينيات فى ذروة ازدهار النازية والفاشية. النظام الدولي، الذى تأسس قبل 75 عاما، ينهار، والفراغ يحل محله. بدلا من التعاون والحلول الوسط، أصبح التنافس والرغبة بالهيمنة واكتساب مناطق نفوذ وتصاعد النعرات القومية، هو البديل.
من يقود العالم؟ أمريكا اختفت وأغلق ترامب أبوابها. وبدلا من أن تقود، راحت تترنح مع خسائرها الهائلة وعجزها عن مواجهة كورونا. الصين، شغلت نفسها، بحملات دعائية لتبييض صورتها بعد أن نالتها الاتهامات بالتسبب فى الفيروس. الاتحاد الأوروبى يعانى التشرذم وعدم القدرة على الكلام بصوت واحد. وروسيا، عضلاتها أكبر من مخها. قوتها الناعمة لا تؤهلها للزعامة.
فى ظل هذا الفراغ، تستغل ذئاب شاردة الموقف لمصلحتها، فتتدخل تركيا بسوريا ثم ليبيا، وتتعنت إثيوبيا فى قضية سد النهضة وترفض ما تم الاتفاق عليه برعاية أمريكية. إنه زمن اللصوص الصغار الذين يحاولون سرقة كرمة العنب مستغلين غياب الحراس.
فترات اللايقين تلك قليلة فى التاريخ. دائما ما ينتصر العقل الجمعى للبشر. انتهى الزمن الذى كان فرد واحد يستطيع توجيه البشرية وتأسيس نظام غير عقلانى أو رشيد. ترامب ليس سوى جملة عابرة، حتى لو استمر 4 سنوات أخري. الفراغ ليس قدرا وترامب أيضا.
نقلا عن صحيفة الأهرام