Close ad

أيام مع نجيب محفوظ (18)

10-6-2020 | 14:26

سألني الأستاذ نجيب محفوظ بعد عودتي من استكهولم عن رأيي فيما جرى، وعما كتبت في مجلة "المصور" كتغطية للرحلة، وقلت له إن قراره بعدم السفر جعله "الحاضر الغائب"، وأن الاهتمام به من الصحف والإعلام كان هائلاً، وسألني عن الكلمة وتأثيرها وأداء الأستاذ محمد سلماوي فقلت له: إن الكلمة كانت شديدة التأثير، وأن الأستاذ سلماوي كان تمثيله لك مشرفًا، وعن أم كلثوم وفاطمة، حكيت له أنهما كانتا موجودتان بكل المناسبات ومحاطتان بالاهتمام والتقدير.

لكنني سألت نجيب محفوظ أو قلت له على سبيل المزاح بأنه "سي السيد"، وأنه فرض تقاليده الشرقية المحافظة على ابنتيه، من خلال ما لاحظته من تحفظ شديد في استكهولم، فنفى الأمر تماما وقال لي، إنه أدخلهما الجامعة الأمريكية بالقاهرة ووافق على سفرهما في رحلة مع الجامعة إلى المجر، كما وافق على قضائهما إجازة صيفية في دول أوروبية من خلال شركات سياحية، واشترى لهما سيارة، وهما تعملان حاليا، ولهما مطلق الحرية في الصداقة والخروج وحياتهما الكاملة التي تهتم بها أمهما كأفضل ما يكون، كما أنني دائم الحوار معهما، ولا أتردد في الرد على أي استفسار لهما كأي أب، وأنا معهما لست نجيب محفوظ الكاتب والأديب، فكيف أكون "سي السيد" في "الثلاثية".

عقب تسليم الجوائز للفائزين بنوبل في ذلك العام، توجه الجميع إلى العشاء في القاعة الزرقاء بمجلس المدينة.. وقبل العشاء استقبل الملك وزوجته كل فائز على حدة، لكنه عندما استقبل الفائز بجائزة الأدب استقبل "كتيبة"، ابنتا نجيب محفوظ والسفير المصري وزوجته والأستاذ سلماوي وزوجته، وحكى لي سلماوي أن الملك سأله عما إذا كان يعمل كاتبًا مثل محفوظ، وقال له إن "الكاتب" أعظم مهنة في الوجود، ولو عندي ملكة الكتابة كنت تركت العرش وتفرغت للكتابة، وقال له إنه يهوى الطبخ، ولكن المسألة لا تساوي ترك العرش والاشتغال بالطبخ، فقلت لأبقى ملكًا، أما الملكة فقد تحدثت مع ابنتي نجيب محفوظ وسألتهما عن الزي الذي ترتديانه، وردت أم كلثوم بأن أحدهما من تراث الصعيد والثاني لأهل سيناء.

وأقيم حفل فني قدمت فيه أغنية للموسيقار عبدالرحمن الخطيب على إيقاع "آه يا زين العابدين":

يا نجيب يا محفوظ..

يا عربي يا مصري أصيل..

آه يا وردة شاربة من مياه النيل..

وأبدى الحضور إعجابهم بها وهي المرة الأولى فى تاريخ جائزة نوبل التي تستبدل فيها كلمة شكر الفائز بأغنية، وذلك تقديراً لنجيب محفوظ.

وفي اليوم الثاني، والذي وافق يوم الأحد، توجهت الكاتبة السويدية غونيللا لوندغرين إلى مقر إقامة أم كلثوم وفاطمة وسلمتهما آراء مكتوبة من تلاميذ ضاحية رينكبي في ستوكهولم من الناطقين باللغة العربية حول نجيب محفوظ، ولوندغرين صاحبة فكرة بدأ تطبيقها لأول مرة سنة 1988 واستمرت حتى الآن، كتقليد سنوي، وهي جمع "ملزمة" بآراء التلاميذ حول الكاتب الفائز بنوبل كل عام وتسليمها له عندما يزور ضاحيتهم.

ولم نعرف ونحن هناك أي شيء عن هذا الأمر، والذي كشف عنه بعد سنوات المثقف العراقي الكبير المقيم في ستوكهولم طالب عبد الأمير، وعلمت بها من تقرير له في الإذاعة السويدية في ديسمبر 2011.

كما صدر ونحن هناك طابع بريد يحمل صورة نجيب محفوظ وأذاع التليفزيون السويدي برنامج وثائقي عن حياته والأماكن التي عاش فيها وطريقة تنظيم يومه وإبداعاته ولقاءات الأصدقاء.

وعشية العودة إلى القاهرة، يوم الإثنين، حضرنا احتفالا كبيرا للجمعية المصرية في السويد في قاعة نوبل الصغيرة (قاعة جرونوالد grunwald) وهي تقع خلف القاعة الرئيسية التي يسلم فيها ملك السويد الجوائز.

وتعرفنا على نماذج مشرفة من المصريين في ذلك البلد، من دارسين ورجال أعمال وعاملين في مهن مرموقة.. كما كان الدكتور عطية عامر في الحفل، وكان حينذاك على المعاش، وبعده تولت رئاسة قسم اللغة العربية بالجامعة الدكتورة شيشتين إكسيل مترجمة محفوظ.

ومن الأسرار التي عرفناها بعد ذلك أن الأديب السكندري سعيد سالم كان في بعثة باستكهولم قبل نوبل بثمان سنوات، والتقى إكسيل وزوجها، وكانت تترجم "زقاق المدق"، وسألته عن بعض الكلمات التي تجد صعوبة بها.. وبعث سالم لصديقه نجيب محفوظ بخطاب يطالبه بمراسلة إكسيل، وأبلغه بأن زوج إكسيل الصحفي قال له سرا خطيرا، وهو أنك سوف تحصل على جائزة نوبل في الأدب خلال عامين على الأكثر.

ويترأس الجمعية الفنان عبدالرحمن الخطيب، وكان أمين الصندوق الدكتور إبراهيم جودة، وسكرتير الجمعية الدكتور حمدي حسن، والتقينا هناك بالأستاذ حسني سليمان الذي يعمل في المكتبة الوطنية باستكهولم، بعدها عاد إلى القاهرة وأسس دار شرقيات.

ولا أتذكر إن كان حضر طبيب العظام المصري الدكتور الحسيني أحمد، والذي لجأنا إليه بعد إصابة زميلنا مصور "الأهرام" محمد لطفي في ساقه بعد تعثره في الثلج، وربطها برباط ضاغط، أما العازف ناجي الحبشي، فقد رأيناه للمرة الثالثة، وصافحناه وتعرفنا إليه أكثر في احتفال الجمعية التي أولمت لنا عشاء طيبًا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: