Close ad

وزيرة الإعلام اللبناني لـ « الأهرام»: الحكومة تسير «بين الألغام» .. لكننا على الطريق الصحيح

3-6-2020 | 17:43
وزيرة الإعلام اللبناني لـ « الأهرام الحكومة تسير «بين الألغام  لكننا على الطريق الصحيحالدكتورة منال عبد الصمد وزيرة الإعلام اللبناني
حاورها - محمد القزاز

وزيرة الإعلام اللبناني لـ « الأهرام»: الحكومة تسير «بين الألغام» .. لكننا على الطريق الصحيح .. وتحدي كورونا أعاق الإصلاح

موضوعات مقترحة

تواجه صناعة الإعلام فى العالم أجمع، عقبات وأزمات سواء من جهة التطوير أو التمويل، وتبرز هذه العقبات بشكل واضح فى عالمنا العربي، وبشكل أكثر وضوحا فى لبنان الغارق فى أزمات اقتصادية بلا حلول منذ سنوات عديدة، وفقدانه ما يقارب الـ50 إلى 60% من دخله الإعلانى منذ 2011، فضلا عن زيادة فى وسائل الإعلام وتقاسمها القيمة نفسها، وباتت أزمة الإعلام من أزمة لبنان نفسه، وخلال السنوات الماضية، تساقطت ورقات الإعلام فى لبنان ورقة ورقة، فتم إغلاق صحف شهيرة مثل السفير والأنوار والمستقبل والحياة، فضلا عن إذاعات عدة، ناهيك عن معاناة القنوات الفضائية، وأصبح الموجود من وسائل الإعلام سواء المكتوبة والمرئية والمسموعة، يكافح من أجل البقاء.

وبرغم أن القطاع الإعلامى اللبنانى يعتبر الأكثر حرية فى منطقة الشرق الأوسط، إذ يتعرض للحد الأدنى من القيود على أنشطة البث والنشر، فإن هذا الإعلام ليس مستقلا بشكل كامل، بل يكون غالبا مواليا لطرف سياسى معين، أو مؤيدا لخط سياسى ما، وجاءت الانتفاضة فى 17 أكتوبر الماضى لتزيد من وتيرة الوضع المالى لجميع المؤسسات الإعلامية والصحف اللبنانية.

لكن هل من أفق للحل؟ وهل من طريق للخروج من أزمات الإعلام فى بلد هو الأقدم فى تاريخ المهنة؟ الحكومة اللبنانية التى تشكلت فى يناير الماضي، ربما تكون عازمة على الإصلاح الاقتصادى والمالي، لذا، فقد اختارت لحمل حقيبة الإعلام، دكتورة منال عبدالصمد، لربما تضع نهاية للوضع المأساوى للإعلام اللبنانى رغم كونها حاصلة على شهادة فى المالية من الجامعة الأمريكية فى بيروت، وحصلت على الدكتوراة فى القانون المالى من السوربون كما كانت قبل توليها الوزارة تشغل منصب رئيس دائرة التشريع والسياسات الضريبية فى وزارة المالية، وعملت أستاذة محاضرة فى جامعة القديس يوسف، والجامعة الأمريكية فى بيروت، عن كل ما يجرى فى لبنان من أزمات اقتصادية وإعلامية ورؤيتها كوزيرة لحل أزمات الإعلام كان لـ«الأهرام» هذا الحوار معها.

الأهرام: بداية، لماذا قبلتِ الوزارة فى هذا التوقيت الحرج؟

لأن الأمر شكّل تحدّيا فى ظل الظروف التى كان يمر بها لبنان ولا يزال التحدى هو إنقاذ البلد والمساعدة فى حل مشاكله عبر تسخير علمى وخبراتى لإحداث تغيير إيجابى بقدر المستطاع وبكل موضوعية ووطنية بعيداً عن المصالح الشخصية والمحاصصات السياسية والطائفية. وطالما لدى الرغبة والإرادة والصبر لتغيير الوضع سأظل أحاول جهدى لمساعدة وطنى لبنان.

الأهرام: ثانيا، ما يشغل العالم الآن سؤال: هل سيخرج لبنان من مأزقه الاقتصادى والسياسى الحالي؟ متى؟ وكيف؟

أتمنى أن يخرج لبنان من الظروف الصعبة التى فرضتها عليه ثلاث أزمات مالية واقتصادية-اجتماعية وصحيّة أيضاً. لكننا يجب أن نكون واقعيين لنقول إنه لا يوجد حل سحري. الحل ممكن، لكن الوضع يحتاج لوقت للمعالجة، ولا أستطيع أن أحدد لكَ موعداً لأننى لا أعلم بالغيب. خذ عندك مثالا، لم يكن أحد يتوقع أزمة وباء كورونا المستجد، التى أضافت ضغوطاً اقتصادية ومالية ومعيشية على الجميع. كل الدول وليس لبنان فقط. تخيّل مئات الملايين من العاطلين عن العمل حول العالم، وتخيّل شركات عملاقة تُشهر إفلاسها وتوقف حركتى التجارة والملاحة عالميا، ولبنان ليس بمنأى عن كل ما يحدث لأن العالم مترابط. الحل ممكن عبر إصلاحات تطال القطاعين الاقتصادى والمالي، وقد قدّمنا ورقة إنقاذ إصلاحية عملنا عليها شهرين دون توقف. وما نحتاجه اليوم هو توافق الإرادات لتحقيق الأهداف الموضوعة. فى الحكومة نعمل تحت مظلة المصلحة الوطنية. وأعتقد أن إرادة إحداث التغيير هى ما سيساعد فى تنفيذ بنود الخطة الإنقاذية.

الأهرام: هل من مشروع للحكومة؟

مشروع الحكومة هو مشروع وطنى جامع، لكن كما تعلم لبنان بلد الحريات، وفيه تعدد أحزاب وتيارات فضلا عن المجتمع المدنى والمحلى الناشط، والناس تعبر عن رأيها ووجعها بكل حرية. لذا من الضرورى التوافق إلى حد ما والتعاون والانطلاق من حسن النوايا المسبق لدى مختلف الأطراف للوصول إلى ما يرضى الجميع، لأن يدا واحدة لا تصفق.

الأهرام: يعيش لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ فترة طويلة، متى يطمئن الناس أن خطة الحكومة بدأت تؤتى أكلها، ومن ثمّ يتنفسون الصعداء؟

يستغرق وضع أى خطة إنقاذية عدة أشهر ونحن عملنا عليها ليل نهار كما أسلفت، دون توقف لنقدّمها بأقل وقت ممكن، واستطاعت الحكومة وضعها خلال شهرين. وحالياً نحن فى طور مفاوضات مع صندوق النقد الدولى وتطبيق إصلاحات داخلية لمعالجة الوضع.

المشكلة أن البعض يتوقع من الحكومة أن تحل مشاكل متراكمة منذ 30 سنة لليوم بسرعة البرق وهذا أمرغير واقعي. على الشعب أن يعى أيضاً الظروف المعاكسة منذ تسلم الحكومة الجديدة زمام الأمور، كتفشى وباء كورونا المستجد، وهو ما جعل الحلول أبطأ، ووضع أمامنا تحديات غير منظورة. لكننا على الطريق الصحيح وهذا يتطلب تضافر جهود الجميع، وتوافق الإرادات.

الأهرام: عاد الحراك مرة أخرى، تحت شعار «ثورة الجياع»، كيف تنظرين إلى الحراك ومطالبه؟

كمسئولة فى الدولة لدى موقعان أحدهما ــ وهو الأساس ــ أننى مواطنة وجزء لا يتجزأ من الشعب. أتفهّم تململ الناس، فأنا منهم، وعائلتى تعيش هنا وزوجى وأولادى يعملون هنا، وما يجرى على الجميع يجرى علينا أيضاً. والموقع الثانى داخل السلطة وأراه مكمّلاً لموقعى كمواطنة مستقلة، فلأننى جزء من الشعب أستطيع إيصال صوته داخل الحكومة عبر القرارات والمقترحات والإضاءة على جوانب عديدة.

وما يُطالب به الشعب بالمجمل هى أمور محقة ولدينا إصرار أكبر على أن نحققها، فموقف الحكومة واضح فى هذا المجال. هناك مشكلة ثقة بين الشعب تُجاه من فى السلطة بشكل عام، وقد نما هذا الشعور على مدار ثلاثة عقود. استرجاع هذه الثقة يحتاج وقتا، ونحن نعمل على ذلك أيضاً عبر الأفعال لا الأقوال. من الصعب إرجاع الثقة فى وقت قصير، خاصة أننا اصطدمنا بعدة عقبات منذ تولينا الحكومة ونحن نمشى «بين الألغام» حالياً.

دور المواطنين مهم في عملية الإصلاح لكن ليس بالتخريب والتعدي على الآخرين

الأهرام: لكن المتظاهرين يطالبون بأن يظل الحراك مستمرا، وأن يبقى لبنان منتفضا دائما، ما رؤيتك حيال ذلك؟

يجب أن أوضح مسألة مهمة أيضاً وهى طريقة التعبير عن المطالب. فتخريب الأملاك العامة والخاصة وعرقلة الناس عبر قطع الطرقات لا تُسهم بإيصال المطالب بطريقة صحيحة. يمكننا التعامل بطريقة راقية لنستمع إلى المطالب ونحاول تحقيقها، وهذا ما أعمل عليه فى الحكومة، حيث أدرت عدة لقاءات بين ممثلين من الشعب وخبراء اقتصاديين وماليين قبيل إطلاق خطة الإصلاح الاقتصادي، بحيث تم تعديل العديد من بنودها بناء للمقترحات على طاولة الحوار على مدى عدة جلسات. ولهذا دوما أقول إن الشعب يمكن أن يلعب دوراً مهماً فى عملية الإصلاح وأن يكون جزءاً من الحل. أما التخريب والتضارب والتعدى على حريات الآخرين فهو لا يُساعد فى إيصال المطالب كما قلت.

الأهرام: بدأ لبنان التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ودائما ما يتبع ذلك إصلاحات اقتصادية قد تكون قاسية، فهل يتحمل الشارع الغاضب هذه الإصلاحات وما دور الوزارة فى ذلك؟

التفاوض بين الجهات المعنية سرى بهدف الابتعاد عن أى تأثير خارجي، وإبقاء المداولات بعيدا عن المهاترات. وكما فى أى إصلاح اقتصادي، فإنه سيكون عاما، لكن توجه الحكومة منذ البداية هو العمل قدر المستطاع على حماية الفئات الضعيفة فى المجتمع، كما أعلنّا مؤخراً عن توفير حزم دعم مالية وعينية للفئات المحتاجة من الشعب. الإصلاحات الاقتصادية ضرورية لوضع البلد على المسار الصحيح ولا يمكن أن ننهض بلبنان طالما هناك عرقلة للمسيرة الإصلاحية.

أما دور وزارة الإعلام فى هذه الفترة فهو محورى للغاية.. فهى «همزة» الوصل بين الحكومة والشعب لناحية نقل القرارات الحكومية وشرحها، بالإضافة لعقد اللقاءات التشاورية مع ممثلى هيئات المجتمع والنقابات للوقوف على مطالبهم وإيصال آرائهم للحكومة للاسترشاد بها ضمن الإصلاحات. كما أن الوزارة تتعاون مع وسائل الإعلام والهيئات والمنظمات وندعمها فى موضوعات مكافحة الشائعات التى تُثير البلبلة.

أمّا على الصعيد الإداري، فنحن فى وزارة الإعلام أوّل من بدأ تطبيق الإصلاحات عبر ترشيد الإنفاق والعمل على الاستفادة من ممتلكات الوزارة لتحقيق مردود أعلى. وقد وضعنا خطة تُعيد هيكلة الوزارة بشكل يُحقق أكبر قدر من الإصلاح فيها.

الأهرام: ما رؤيتك لتطوير الإعلام فى لبنان خاصة أن هناك من يصفه بأنه مهمة شاقة قد تبدو شبه مستحيلة، وهل هناك آليات تستندون إليها؟

قطاع الإعلام يتطور بسرعة حول العالم خاصة مع ظهور الإعلام الرقمى من مواقع الكترونية ومنصات رقمية ووسائل تواصل اجتماعى، حيث بات من السهل نقل الخبر والمحتوى للجمهور دون عناء أو تكاليف باهظة. لكن يجب الفصل بين موضوعى قطاع الإعلام الخاص الذى بات لزاماً عليه التطور باستمرار لمواكبة المنافسة الإقليمية والعالمية، وبين قطاع الإعلام العام الذى يعتمد عادة على تمويل من الحكومات، لأنه لكى يخدم علّة وجوده فعليه أيضاً أن يواكب التطور الحاصل، وإلا فسيفقد القدرة على جذب اهتمام الجمهور.

كوزيرة إعلام لا أؤمن بالتدخل السياسى فى القطاع الإعلامي، فدورنا هنا هو مجرد إدارى وتنظيمى للقطاع نقترح مشروعات قوانين تدعم الحريات الإعلامية أو تدعم القطاع الإعلامى عبر حزمة إعفاءات مالية أو غيرها من الإجراءات التى تتعلق بالتراخيص والرسوم. فى كل خطوة نأخذها نحن نسترشد بالقوانين الموجودة، إضافة للاستماع للزملاء العاملين فى القطاع الإعلامي. كما نقارن بين أحدث ما وصل إليه الإعلام حول العالم بما يمكن أن يحققه فى لبنان. وبالتالى لدينا عدة وسائل تُساعدنا فى مهمتنا وأهمها طبعاً فريق عمل الوزارة من موظفين وخبراء وأكاديميين، وهم لم يستريحوا منذ ثلاثة أشهر لليوم فى سبيل تحديث الإجراءات والمساعدة فى وضع الخطط والسهر على تنفيذها.

ولا شك أن القوانين الحالية باتت قديمة وبحاجة لتعديلات، خاصة مع ظهور المنصات الرقمية كالمدونات التى يرعاها صحفيون وينشرون عبرها الأخبار المتنوعة. مثل هذه المواقع والمنصات لا تلحظها القوانين الحالية ونحن بصدد عقد عدة لقاءات مع ممثلين من «الجسم الإعلامي» بجميع فروعه المرئية والمسموعة والمكتوبة والرقمية من أجل الوقوف على آرائهم لناحية المشاكل التى يواجهها القطاع والقوانين الناظمة وتعديلاتها إضافة لنقاش الحلول التى يمكن للوزارة أن تُساعد هذا القطاع من خلالها.

الأهرام: تقوم وزارة الإعلام بالعمل على خلق حوار بين الحكومة والاختصاصيين من مختلف القطاعات، ما الهدف وما وجه الاستفادة من هذه الحوارات؟

هذه ليست أول لقاءات نعقدها، فقد سبقها لقاءات مع الخبراء الماليين والاقتصاديين والنقابات التى تمثل كافة أطياف الفئات العاملة فى المجتمع اللبناني. هدفنا هو نقل صوت الشعب ورأيه إلى الحكومة لكى نستطيع التوصل لقرارات مبنية على تفاعل وحوار حقيقى بين الشعب والحكومة، وليس فقط إصدار قرارات بشكل هرمى من الحكومة للآخرين. دورنا فى وزارة الإعلام محورى لتأمين هذه اللقاءات التشاركية وإدارة الحوار والنقاش فيها، وإدراج نتائجها.

خطة لإلغاء «الإعلام» وإنشاء وزارة دولة لشئون التواصل

الأهرام: فى مصر، ألغيت وزارة الإعلام، ثم عادت من جديد، كيف تنظرين إلى هذا القرار، ثم كيف تنظرين أيضا إلى ما طالب به وزراء إعلام لبنانيون سابقون بإلغاء وزارة الإعلام؟

لا يمكن لأحد أن يُنكر الدور الرائد لمصر فى قطاع الإعلام، ما جعلها محط أنظار واستقطاب إعلاميين من مختلف دول العالم، وهنا لابد من الإضاءة على الدور اللبنانى فى هذا المجال حيث أسس اللبنانيان بشارة وسليم تقلا صحيفة الأهرام فى 27 ديسمبر ــ كانون الأول سنة 1875. وبالتأكيد أنه لولا وجود حاجة لوزارة الإعلام، لما ارتأت القيادة فى مصر أن تُعيدها. بالنهاية كل دولة تختار وتقرر ما هو الأفضل لقطاعاتها وللمؤسسات العاملة على أراضيها.

إنّ إلغاء الوزارة لا يعنى أنه لا حاجة لها، وبخاصة مع وجود قطاع إعلام عام يوصل صورة الدولة ومقرراتها للمقيمين وللعالم. نحن ممن يؤمن بإعادة النظر فى دور قطاع الإعلام العام وعدم وضعه تحت وصاية سياسية إسوة بالقطاع الخاص، ونبحث بين أفضل المقترحات لإيجاد صيغة جديدة ومتطورة له، كما أننا نعيد النظر فى المؤسسة السياسية التى تخدم هذا التطور.

الأهرام: ماذا عن مقترح بوجود هيئة ناظمة لا تتدخل فى العمل الإعلامى لكنها تنظمه بما يتواءم مع مفهوم الحريات الإعلامية؟

الخطة المقترحة تتضمن إلغاء وزارة الإعلام واستبدالها بهيئة ناظمة تعمل على وضع الأطر التنظيمية للقطاع الإعلامى وتمنع التدخل السياسى فى هذا القطاع. وسيكون لهذه الهيئة الناظمة الدور الأوحد فى كل ما يتعلق بالإعلام فى القطاعين الخاص والعام، تنظيمياً وإجرائياً بحسب قانون الإعلام، وتموّل قطاع الإعلام العام دون التدخل فى عمله. وستتمتع هذه الهيئة باستقلال مالى وإدارى وبالاستقلالية بعيداً عن التدخلات السياسية والطائفية.

والجديد أيضاً أننا اقترحنا أن تكون هذه الهيئة الناظمة مكوّنة من عدة أعضاء منتخبين من الجسم الإعلامى وتكون رئاستها بالتناوب بين الأعضاء، مما يسمح بأكبر قدر من الشفافية وانعدام المحاصصة. بالتالي، وبحسب خطة الوزارة، فإن الإعلاميين هم من سينظمون القطاع الإعلامى عند إلغاء وزارة الإعلام.

تصورنا لإلغاء الوزارة يتماشى مع ما ورد فى قانون موازنة العام 2020 والتى وافقت عليها الحكومة الحالية، لناحية إلغاء الوزارة، وهو يقدم طرحاً جديداً بالنسبة لهذا الأمر بناء لأفضل التجارب الدولية وبطريقة تضمن استمرار الحريات الإعلامية فى لبنان ودور الوطن الريادى إقليميا وعالميا كمنبر لهذه الحريات ونحن قد بدأنا العمل على وضع الخطة التى سنرتكز عليها فى تنفيذ إعادة الهيكلة والإلغاء هذه.

الأهرام: المطالبون بإلغاء الوزارة يذهبون إلى أن دور وزيرها لا يتعدى تلاوة مقررات مجلس الوزراء؟ فما نظرتكم لهذا الاقتراح؟ وماذا عن المقترح البرلمانى بأن تصبح «وزارة الإعلام والتواصل والحوار»؟

سيتبع إلغاء الوزارة أيضاً إنشاء موقع لمكتب وزير دولة لشئون التواصل، يكون هو «همزة» الوصل بين الحكومات والوزارات وبين الشعب. فالبعض يعتقد بأن دور وزير الإعلام هو مجرّد تلاوة مقررات الحكومة وهذا غير صحيح. فوزير الإعلام (ولاحقاً وزير الدولة لشئون التواصل) عادة ما يقوم بشرح مقررات الحكومة والإجابة عن تساؤلات الإعلام والشعب حول مجمل القضايا، ولهذا ترون فى كل مرة أتلو فيها مقررات الحكومة يستتبع ذلك نحو ربع ساعة من النقاش والحوار مع الزملاء الإعلاميين فى جلسة أسئلة وأجوبة.

وتتضمن الخطة التى عرضناها على مجلس الوزراء فى مايو الماضى مهام وزير الدولة لشئون الإعلام ومنها المساهمة فى توحيد الخطاب الرسمى للحكومة أمام الرأى العام، ويكون الناطق الرسمى باسم الحكومة بتكليف من رئيسها. وهو يضع وينفذ سياسة عامة للحوار والتواصل تنتهجها الحكومة بهدف تثبيت الثقة وترسيخ قيم الوطنية والمصلحة العامة والدمج وإلغاء التمييز. كما سيكون «همزة» الوصل بين الوزارات لتنفيذ أجندة الحكومة ومساعدة الوزارات فيما يتعلق بالتواصل مع الشعب. وهو السلطة الإدارية للتواصل بين الحكومة والهيئة الناظمة للإعلام.

الأهرام: كوزارة كيف تنظرون إلى الوضع الإعلامى فى لبنان، أقفلت «السفير» و«الحياة» و«الأنوار» و«المستقبل» و«الديلى ستار» فضلا عن إذاعات أيضا؟

فى حوارنا الدائم مع المؤسسات الإعلامية تبيّن لنا معاناة العديد منها من مشاكل مالية، وقد تفاقمت هذه المشاكل مع الأزمات التى عصفت وتعصف بلبنان. كما أن اشتداد المنافسة عالمياً فى القطاع الإعلامي، خاصة من المنصات الرقمية قد أسهم فى تراجع موارد هذه المؤسسات لدرجة أن بعضها لم يستطع المنافسة فأقفل، فيما طوّر آخرون من شكل عملهم الإعلامى ليواكبوا تطورات القطاع والعصر الرقمي.

كوزيرة إعلام، بادرت منذ فترة لاقتراح إعفاء المحطات الإعلامية من جزء مهم من الرسوم التى تفرضها الدولة، وقد طرحت هذا الأمر على مجلس الوزراء آنذاك ونحن نتابع الموضوع من أجل الوصول لصيغة تُسهم فى تخفيف هذه الأعباء المالية عن كاهل المحطات الإعلامية.

الأهرام: أحد النواب قدم اقتراحا بقانون لإعفاء المحطات الإعلامية والمؤسسات الإعلامية من الضرائب والرسوم، ما رؤيتك لهذا المقترح؟

فيما يتعلق بالضرائب، فهذا شأن قانونى بحت، حيث هناك مبدأ دستورى وهو مساواة الجميع لناحية العبء الضريبي، وبالتالى لا يمكن إعفاء مؤسسات أو قطاع معيّن من ضريبة ما دون إعفاء بقية المؤسسات والقطاعات فى الدولة. كما أن الضريبة عامة وتعديلها يحتاج لقوانين من مجلس النواب.

وكما قلت، نحن سنبدأ سلسلة لقاءات ونقاشات مع ممثلى جميع المؤسسات الإعلامية فى الدولة هذا اليوم للوقوف على آرائهم والمشاكل التى يعانون منها، وسنرى كيف يمكننا كوزارة أن نعمل معهم لحل هذه المشاكل أو جزء منها ودون التدخل فى العمل الإعلامي.

لا حل سحريًا لأزمات لبنان .. وكيف نحل مشكلات 30 عامًا بسرعة البرق؟

الأهرام: هل توصلتم كوزارة وكمعنيين إلى طرق للتغلب على المشكلات المالية ووضع الخطط الكفيلة لكبح الانهيار المتسارع؟

فيما يختص بوزارة الإعلام، عملنا منذ أول يوم لتولينا هذه الحقيبة على ترشيد النفقات وتطوير نشاطات الوزارة لتحقيق مردود أعلى سواء من استغلال الأرشيف الغنى الذى لديها، أو عبر إعطاء مقترحات لتأجير أستديوهات إنتاج وغيرها من الاستثمارات.

تخفيض الرسوم وسيلة لتخفيف المشكلات المالية للمؤسسات الإعلامية

الأهرام: سيادة الوزيرة، لقد أتيت من وزارة المالية، ولك باع أكاديمى فى الحقل الاقتصادي، فهل من رؤية لخروج الإعلام من كبوته؟

صحيح، أنا أعمل فى القطاع العام منذ العام 1997 خاصة فى الشق المالي. أستطيع القول إن الأزمة المالية قد أصابت الجميع ومنها القطاع الإعلامي.هذه الأزمة أثّرت بشكل كبير على إيرادات المؤسسات الإعلامية فى القطاع الخاص. كما أثّرت على إيرادات الدولة التى تموّل قطاع الإعلام العام أيضا، ولهذا تأثر الجميع بها.

قد لا نتدخل فى عمل القطاع الإعلامى الخاص كجهة سياسية، لكننا نعمل على إيجاد نموذج يلبى التطور الإعلامى حول العالم والتركيز على نقاط القوة التى لدى الدولة اللبنانية وتعزيز ذلك إن عبر توفير حوافز لرأس المال الأجنبى للاستثمار فى هذا القطاع فى لبنان خاصة فى صناعة الإعلام والإنتاج الإعلامي، أو عبر محفزات مالية بشكل تخفيض الرسوم.

الأهرام: وماذا عن الاقتراح بإنشاء صندوق وطنى لدعم الصحافة؟

نحن نحبّذ وجود صندوق وطنى لدعم الصحافة، لكن فى الوقت الحالى لا توجد اقتراحات جدّية فى هذا الموضوع، كما أن الخط الأول لاقتراح مثل هذه الخطط أو نقاشها يبدأ من النقابات التى ترعى شئون الإعلاميين والتى انتخبت أعضاءها على هذا الأساس.

الأهرام: الإعلام صناعة تدعمها الحكومات فى دول العالم المتحضر، للإطلالة على العالم، والدفاع عن حقوق الناس، وفضح الفساد ومحاربته، فهل أصبح مطلوبا هذا الدعم وبشدة فى ظل ما يعانيه الإعلام فى منطقتنا؟

دور الإعلام الجاد والموضوعى مهم ومحورى فى الدفاع عن حقوق الناس والمطالبة بها، وفضح الفساد ومحاربته وهو أمر نراه بشكل يومى فى لبنان، حيث يتمتع الإعلام بسلطة قوية فى نقل ما يحدث، وفى ملاحقة قضايا الفساد وفضح من يستفيدون منها. الإعلام فى لبنان يتمتع بهامش واسع من الحريات قد لا نجد بعضها حتى فى الدول المتحضرة.. والإعلامى له كل الحرية فى متابعة القضايا وكتابة موضوعاته دون تدخل سياسى أو ترهيب يتعلق بعمله.

بعض الدول الكبرى تعمل على دعم جزء من صناعة الإعلام لديها من أجل إيصال أفكارها أو وجهة نظر معيّنة عبرها للخارج، وهو نوع من أنواع التواصل غير المباشر لإحداث تأثير مستهدف فى المجتمع المحلى أو الدولي. وقد يعتقد البعض أن دول العالم المتحضر تدعم صناعة الإعلام بشكل مطلق وأن قطاع الإعلام هناك يتمتع بالحرية المطلقة أيضاً، ولكن هذا الأمر غير دقيق. فمن التجارب والأمثلة نجد أن هامش الحريات الإعلامية فى تلك الدول مُقيّد وليس مطلقاً، وأن ما يتم الترويج له عادة عبر الأفلام وغيرها من الوسائل الدعائية لا يتطابق مع أرض الواقع.

لكن الدعم الكلى من الحكومات يكون عادة لوسائل الإعلام فى قطاع الإعلام العام، وهى فى دول العالم المتقدمة وسائل ذات تأثير إعلامى كبير وتستقطب نسبة عالية من المتابعين والمشاهدين وتتمتع بهامش حرية كبير بعيداً عن التأثير السياسى من حكومات دولها، وبالتالى تتمتع بالأفضلية لناحية ملاحقة القضايا التى تهم المستهلك ومنها محاربة الفساد وفضح الصفقات والتركيز على شئون المجتمع دون أن تتخوف من تناقص مواردها المادية، وهذا ما نعمل على الوصول إليه فى قطاع الإعلام العام فى لبنان، حيث استرشدنا بعدة نماذج عالمية عند وضع خطة الوزارة لإعادة هيكلة قطاع الإعلام العام.

ومن جملة التغيير الذى نتطلع لإحداثه فى قطاع الإعلام العام هو إنشاء كيان إعلامى قوى قادر على تقديم أخبار وبرامج محايدة وموثوقة مخصصة للمنفعة العامة ويتم تمويلها من الدولة، بجزء من عملياتها ومن بيع أوقات الإعلان أو تأجير الاستوديوهات أو استثمار الأرشيف.

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: