Close ad

أيام مع نجيب محفوظ (16)

27-5-2020 | 00:11

بخلاف بيان الأكاديمية السويدية في 13 أكتوبر 1988، والذي أعلن قرار فوز الأستاذ نجيب محفوظ بالجائزة وحيثياته، فإن مؤسسة نوبل أصدرت عشية تسليم الجائزة، ونحن هناك، بيانات أخرى عن كل الفائزين، زملاء محفوظ تلك السنة..

وفيما يخص كاتبنا الكبير قالت المؤسسة إنه أمد الأدب بثراء واسع خلال فترة عطائه، وإنه يدعى "زولا" العالم العربي، وأنه أنتج 56 كتابًا التقطت السينما معظمها، أما أعماله فقد ترجمت إلى 11 لغة، ووصفه البيان بأنه يعد من أعظم كتاب الرواية والقصة القصيرة في العالم.

وكنا نتلمس هناك أية معلومات عمن وراء ترشيح محفوظ للجائزة ولا نلقى جوابا شافيا، وقال سكرتير الأكاديمية السويدية ستوري ألين إن مسألة ترشيح الفائزين، ولماذا تم اختيارهم أو رفضهم، تبقى لمدة خمسين عاما قبل السماح بالنشر.

ولم تكن سائدة في ذلك الوقت إلا الأفكار والتكهنات التي ربما انفتحت فيما بعد في كتابات رصينة ومؤلفات كاشفة.. وكلنا نعرف قيمة نجيب محفوظ وكلنا كان غاضبا من أنها لم تمنح لكاتب عربي طوال تاريخها، ولكننا كنا نريد أن نعرف ما الذي حدث؟.

ولم نعرف ونحن هناك بسبب تقاليد الجائزة، لكن.. بعد فوزه بثماني سنوات، قال نجيب محفوظ (إبريل 1996) وهو يتقلد في بيته بالعجوزة "وسام العلوم والفنون الفرنسي من درجة قائد" بيد السفير الفرنسي في مصر باتريك لوكلي: "إن الثقافة الفرنسية أثرت في تكويني ولن أنسى الدور الذي قام به الفرنسيون في ترشيحي لجائزة نوبل"..

وكما ذكرت سابقًا فإن الشاعر والناقد عيد عبدالحليم كشف في كتابه المهم الصادر عن الدار المصرية اللبنانية سنة 2006 عن "خطاب" ترشيح أرسله في فبراير 1988 إلى الأكاديمية السويدية المستشرق أ. شيفتيل رئيس قسم الدراسات العربية بجامعة ليدز البريطانية.

ويري كثير من مصريين وعرب ما وصفوه بالاعتبارات والأبعاد السياسية للجائزة، وما إن حصل نجيب محفوظ عليها، أراد البعض أن يصدر للمشهد فكرة أن السلام مع إسرائيل وتأييد الأستاذ نجيب محفوظ لكامب ديفيد من أسباب حصوله على الجائزة.
ولم تكن جدارة محفوظ واعتراف الأدباء والنقاد المصريين والعرب بأنه عميد الرواية العربية خافية علي أحد، لكن يبدو أن المفاجأة في حصول كاتب عربي عليها كانت سببا في تفسيرات مؤلمة وجالدة للذات أكثر مما هي غير منصفة.

وقال الشاعر الفلسطيني سميح القاسم لمجلة "الوسط" (فبراير 2001) إن محفوظ فاز بجائزة نوبل للآداب في الثمانينيات بسبب مواقفه المؤيدة لكامب ديفيد.

وسألت الأديب جمال الغيطاني - وهو من تلاميذ محفوظ وصديقه المقرب، ومن معارضي كامب ديفيد طوال حياته - فأعرب عن صدمته في رأي سميح وتذكر ما قاله له محفوظ في "مقهى ريش" بعد نكسة 67 وبالتحديد في أغسطس 67: "إذا كنا لا نستطيع حل الصراع مع إسرائيل بالحرب فلنحله بالسياسة، وظل محفوظ على رأيه، رغم أنه وقع بيان الكتاب في 1972 الذي يطالب السادات بالحرب".

وقال الكاتب عباس محمود العقاد سنة 1962 في حديث تليفزيوني عقب فوز الكاتب الأمريكي جون شتاينبك، وهو الفوز الذي قابله العقاد باستهجان شديد، قال: "إن في مصر من هم أهم وأفضل من شتاينبك، ومنهم نجيب محفوظ"..

كان العقاد قد حسم جائزة مجمع اللغة العربية لنجيب محفوظ في سنوات الخمسينيات، وقال عنه فيما بعد، وربما أكثر من مرة، إنه يستحق جائزة نوبل، كما قال بذلك طه حسين، وكثيرون من الكتاب المصريين والعرب، كذلك عدد من الدارسين الأجانب.

ونشر كاتب تونسي هو حسن أحمد جغام في كتابه "شذرات من النقد والأدب" أن الأستاذ المصري الدكتور عطية عامر صاحب الدور في الجائزة، إذ تلقى خطابا من الأكاديمية عام 78 ليرشح شخصية عربية، فرشح نجيب محفوظ، قبل الفوز بها بعشر سنوات.

وقال لي الصديق الدكتور حمدي حسن المقيم في السويد والذي تعرفت عليه خلال احتفالات نوبل، إن المرحوم البروفيسور عطية عامر أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية في ستوكهولم أرسل خطابا رسميا بصفته إلى الاكاديمية، وأشار حسن إلى بروفيسور الدكتور محمد بدوي أستاذ اللغة العربية في أكسفورد، وكذلك البروفيسور الإنجليزي روجر آلان مترجم محفوظ، رشحوه لنوبل مرات...

وحكى الدكتور جابر عصفور جوانب مضيئة من حياة الدكتور عامر في مقالين بمجلة "العربي" الكويتية، وأنه هو الذي دعاه للتدريس في السويد بعد قرارات سبتمبر 81 التي اتخذها الرئيس السادات ضد قوى فكرية وسياسية في مصر.

وكتب عصفور أنه عندما ذهب لكي يعمل أستاذا زائرا في جامعة استكهولم: "هناك سعدت بمعرفة أن يوسف إدريس أحد المرشحين لجائزة نوبل"، و"أن القسم الذي أعمل به هو الذي قام بترشيحه".. وبعد عودتي "ربما أكون ارتكبت خطأ غير مقصود بإبلاغ إدريس ذلك". ويبدو أنه "فهم مما نقلته له، وما أكده له الصديق عامر أن الجائزة من نصيبه وحده، ولذلك جاءت استجابته لحصول محفوظ على الجائزة حادة عنيفة"..

لقد ظل الدكتور عامر يرسل سنويًا ولمدة عشر سنوات بخطابات ترشيح محفوظ إلى الأكاديمية، ولكن عملية التزكية معقدة جدا، ويتدخل فيها مؤسسات وأكاديميات وأشخاص بارزون من أنحاء العالم، حتى الوصول إلى القائمة النهائية بالمرشحين الخمسة، ويتم إعادة دراسة ملفاتهم، ثم التصويت النهائي، وإعلان اسم الفائز.

وكانت الثقافة العربية في مصر في النصف الأول من القرن العشرين والتي درجنا على وصفها بعصر التنوير تستحق لفتة من مؤسسة نوبل. وكانت التوقعات أو اليقين القديم ينصب دائما على فوز طه حسين بالجائزة، وتم الكشف عن أنه كان المرشح الأول لها منذ نهاية الأربعينيات وهو ما ذكره عضو الأكاديمية السويدية شل إسبمارك أخيرًا في كتاب.. وقال لي المستشرق الايطالي المعاصر فرانشيسكو جابرييلي في بيته في روما سنة 1985 إن "طه حسين من وجهة نظري كان يستحق الفوز بجائزة نوبل وأنا آسف لأن هذا لم يحدث".. وكان جابرييلي مهتمًا بسؤالي عن يحي حقي، كما سألني عما إذا كان نجيب محفوظ مازال يكتب وكم يبلغ من العمر الآن وعن قصصه الجديدة..

وقبل ست سنوات وفي معرض أبو ظبي للكتاب نقلت الصحف ووكالات الأنباء اعتراف الشاعر السويدي إسبمارك بأن الأختيار في عام 1988 انحصر بين محفوظ وأدونيس فقط، لكن قرار الأغلبية داخل لجنة التحكيم جاء لصالح نجيب محفوظ..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة