ما بعد النفط، عنوان ليس بالسهل الخوض فيه، لكن من المهم أن يدرك الناس أبعاده، ويستوعبوا ما نمر به من ظروف اقتصادية وبشكل تفصيلي.
لكنّ اللافت أن ما تسبب به كورونا من هبوط في سعر النفط، في ضوء تراجع الطلب عليه والجمود الاقتصادي، ستكون له نتائج أخطر بكثير من تلك التي ستترتب على كورونا.
سيكون هناك عصر ما بعد كورونا، وعصر ما بعد هبوط سعر النفط والغاز، وعاجلا أم آجلا، سيكون هناك دواء يعالج كورونا.. ولكن ماذا عن النتائج التي ستترتب على الهبوط المريع لسعر برميل النفط، وهو هبوط مرشح لأن يستمرّ طويلا؟
وقد خلصت تقارير صندوق النقد الدولي، إلى أن العقود المقبلة، ستشهد نهاية عصر النفط، وأكدوا أن التساؤل لم يعد ما إذا كان ذلك سيحدث أم لا، وإنما متى سيحدث ذلك. علمًا بأن عمر النفط في العالم 50 سنة، بناء على معدلات الإنتاج الحالية والتكنولوجيا السائدة، لكن نضوب النفط لن يكون بنضوب الاحتياطيات، وإنما ربما بالاستغناء عنه لصالح مصادر طاقات أخرى.
وما سوف يحدث للنفط هو ما حدث مع الفحم بحذافيره؛ حيث كانت سلعة مهمة وذات سعر مرتفع ومطلوبة لاستمرار الحياة، وبين عشية وضحاها اختفت وبات لا أحد يستخدمها، بل شاركت دول العالم بتوقيع اتفاقيات لعدم استخراج الفحم لمضاره التي لا تعد ولا تحصى.
وهذه ليست المرة الأولى التي يهبط فيها سعر برميل النفط إلى ما دون الثلاثين دولاراً. ولكنها المرة الأولى التي تستدعي حالة الهبوط إجراءات ترشيد إنفاق في أغلب دول الخليج العربي. علماً بأن القراءات الاقتصادية لأسعار النفط تشير إلى إمكانية هبوطه إلى العشرة دولارات.
وإذا كان كثير من شعب الخليج يشعرون بالقلق على دولة الرفاه التي ولدوا فيها وشبوا عليها، فإن السؤال الإستراتيجي الذي يجب ألا نغفل عنه هو كيف ستعيش أجيال ما بعد النفط في دول المنطقة التي اعتمدت لسنوات على الاقتصاد النفطي وتوابعه وملايين العمالة التي ستفقد وظائفها بعد برامج الترشيد الخليجية.
وفكرة اقتصاد ما بعد النفط كانت مطروحة خليجياً منذ عقود، ولكن لم يتم اتخاذ خطوات جادة سوى خلال الأشهر الأخيرة فقط؛ نتيجة تزايد الضغوطات على الموازنات العامة، وسجلت بعض دول الخليج عجزاً في موازناتها لأول مرة، وبعضها لجأ للاقتراض علاوة على السحب من الاحتياطيات الدولية، وهو ما دفعها إلي تبني برامج تقشفية في موازناتها العامة من خلال خفض الإنفاق وإصلاح منظومة دعم الوقود وتنفيذ سياسات اقتصادية مثل، برامج الخصخصة وتحرير بعض القطاعات وفتحها أمام المستثمرين المحليين والأجانب وفي ظني أن تداعيات ما بعد النفط ستعيد رسم خرائط الجغرافيا والسياسة وستخلق سلوكا وأنماطًا جديدة في المنطقة والعالم ..
وخلال سنوات قليلة لن تجد سيارات أو حافلات أو شاحنات تعمل بالبنزين أو الديزل، تُباع في أي مكان من العالم، فالسوق العالمية بالكامل لوسائط النقل البرية ستتحول إلى الكهرباء، الأمر الذي سيقود إلى انهيار أسعار النفط وهلاك الصناعات النفطية كما نعرفها منذ ما يربو على قرن كامل، وسوف يتحول العالم بشكل جماعي إلى العربات الكهربائية الذاتية القيادة التي ستكون أرخص عشر مرات من السيارات التي تعمل بالبترول، والتي لا تكلف أي نفقات على الوقود.
في عالم ما بعد كورونا وهبوط سعر النفط، لا مفرّ من توقّع انهيارات كبيرة في الشرق الأوسط، لن تستثني أحدًا حتى إسرائيل، وهذا يفسّر اتفاق بنيامين نتنياهو ومنافسه زعيم حزب أزرق وأبيض بيني غانتس، فجأة على تشكيل ما سمي حكومة طوارئ في بلد شهد ثلاث انتخابات نيابية في غضون سنة.
ولن تعد أموال الخليج تحكم الدولة اللبنانية وقد انتهي عصر المال الخليجي في لعب أي دور سياسي بالمنطقة ولكن الكارثة الكبرى في عودة العمالة العربية لبلدانهم وخاصة مصر وفلسطين ولبنان والسودان والمغرب ومعهم العملة الصعبة وزيادة الضغوط بتوفير فرص عمل لهم وهو ما يثير كثيرًا من الضغوط علي الحكومات التي لم نتوقع هذا الحصار الاقتصادي المصاحب لكورونا وانهيار سعر النفط.
وبشكل عام كان العرب قبل النفط وسيستمرون بعده بشرط الاستعداد من الآن لعصر جديد لن تكون الدول الخليجية أبقاراً حلوبة"، ولن يكون بقية العرب وافدين يحتاجون لكفيل يؤمن له السفر والعمل والرزق وسوف يرتاح الخلايجة من التنظير عليهم بمتطلبات العروبة ومسئولياتها!!