Close ad

التنين لايرقص والكاوبوى لن يرحل

3-5-2020 | 11:49

ما زالت النيران مشتعلة في الشرق الأوسط بفعل الحروب، وفيروس كورونا، والأزمات الاقتصادية. ورغم الأصوات المتزايدة التي تطالب الراعي الأمريكي بالرحيل، والدعوات المتصاعدة من الداخل بالعودة الي الديار فإن الكاوبوي لن يرحل. وفي المقابل فأن التنين الصيني لازال علي حذره القديم، ويرفض كل دعاوي الإغواء بالرقص في رمال الشرق الأوسط المتحركة.

ولا يبدو في المشهد سوي الدب الروسي القابل للعودة من جديد إلي مواقع معاركه القديمة، وممنيا النفس بإعادة كتابة التاريخ. وفي اللحظة الراهنة ثمة آمال عريضة بإعادة ترتيب الأوضاع بالشرق الأوسط من جديد، وأن تفسح الولايات المتحدة المجال لآخرين للمساهمة في حل المشاكل الملتهبة في المنطقة، وأن تسهم روسيا وأوروبا والصين واليابان والهند في وضع نظام أمن إقليمي يعمل بمثابة منتدي لحل الخلافات، ويتولي عملية تأمين تدفق النفط، وحرية الملاحة في الممرات المائية، وحرية حركة التجارة العالمية، ومساعدة الأطراف المحلية في عملية بناء الثقة من أجل مزيد من الانفتاح والتعاون الإقليمي بين دول الشرق الأوسط.

>> ثمة توافق مذهل في الآراء حول تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، إلا أن هذا التراجع نسبي، فالأمريكان موجودون عسكرياً في عدد كبير من دول المنطقة ومن حولها في دول ليست بعيدة، إلا أن ماهو مخيف ومقلق أن سياسة أمريكا الآن متضاربة وغامضة وغير واضحة، وتبدو الأصوات القادمة من واشنطن متعددة بل وغير متناغمة سواء ببقاء القوات أو الرحيل من العراق وسوريا، فضلا عن مدي الالتزام بحماية الحلفاء في الخليج، أو عدم وجود مثل هذا الالتزام من الأساس، وهل واشنطن وسيط محايد أم طرف منحاز وبشدة مثلما تحكي مآسي فصول القضية الفلسطينية، ويتفوق علي ذلك كله الفوضى الخلاقة، وتأجيج الصراعات المذهبية والعرقية، وتغليب المحاصصة علي المواطنة، والدولة الوطنية لصالح الدولة الدينية، والتعامل مع الجماعات الدينية، واستخدامها في حروب بالوكالة ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، والدول الوطنية مثل سوريا، وهذا ما يزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.لكن الصين مهتمة باستقرار المنطقة، وتعتمد على دبلوماسية الاقتصاد، ولا تحتكر الحلول،وحريصة على انتهاج دبلوماسية الإنصات لحل مشاكل العالم دون التدخل، وتدعو لتشكيل تحالفات دولية ما بين أوروبا وروسيا والصين للمساهمة في حل مشاكل المنطقة والعالم، وهي تستند لتجربة العلاقات المضطربة في الستينيات في آسيا، والتي تم حلها بحوار جميع الأطراف، وتعاون دول العالم لحل المشكلات فيما بين تلك الدول.

>> وتقدم الصين نفسها بديلا عن الولايات المتحدة، وتؤكد الأدبيات الصينية علي أن الصين لا تريد فرض القوة مثل أمريكا، وأنها تنمي نفسها عن طريق السلام، وليس عن طريق الاستعمار، وقد تناول الرئيس الصيني شي جين بينج خلال قمة العشرين الأخيرة التوتر في منطقة الخليج بقوله إن الوضع فيها حسّاس للغاية، وأن بلاده تقف إلى جانب السلام وترفض الحرب. وتعكس هذه التصريحات رؤية صينية حذرة بشأن التدخل في المنطقة، ولكنها تضطر أحيانا للتدخل، فقد أرسلت ثلاث سفن للمشاركة في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن عام ٢٠٠٨، وأرسلت وحدات جوية وبحرية تابعة لجيش التحرير الشعبي لتحرير 35 الف مواطن صيني في ليبيا عام ٢٠١١، وأسهمت بـ 700 جندي من قوات حفظ السلام في السودان عام 2012. ومن ناحية أخري اختارت بكين من خلال مبادرة الحزام والطريق، أن تبرز كقوة رائدة في الشرق الأوسط عبر مشروعات البنية التحتية، وعمليات الاستحواذ وغيرها من الأعمال في بلدان المنطقة، إذ تشكل المنطقة أهمية اقتصادية خاصة لتلك المبادرة التي تنطوي على إنفاق تريليون دولار في مساعدات البناء والاستثمارات في أكثر من 100 دولة عبر آسيا الوسطى وإفريقيا وأوروبا، وبموجبها أصبحت بكين الشريك التجاري الأكبر للدول العربية وإيران وشريكا رئيسيا لإسرائيل. يجمع المشروع بين الحزام الاقتصادي بطريق الحرير البري، والطريق البحري الذي يربط الصين بأوروبا عبر جنوب شرق آسيا، وآسيا الوسطى والشرق الأوسط،، وهو يغطى 70% من سكان العالم، و75% من احتياطيات الطاقة المعروفة. وعلى الرغم من الأهمية الاقتصادية الضخمة للشرق الأوسط للصين، تظل بعيدة عن التورط العسكري في المنطقة، كما أن توسطها لحل النزاعات ضئيل ومن دون أثر يذكر.

>> وتبدو المواقف الصينية محيرة، ولكنها ليست كذلك فوفقا لرؤية مؤسسها ماو تسي تونج فإن ارتباط الصين بالمنطقة مدفوع بمصالح الأمن القومي، وليس بسبب رغبة أيديولوجية في التدخل في مشاكل المنطقة الضخمة، ومع نمو الوجود الصيني المتصل بالطاقة، أصبح أمن المنطقة ذا أهمية متزايدة، إذ إن الطاقة باتت ركيزة أساسية للأمن القومي الصيني. وفي الوقت نفسه تصف دراسة بعنوان الصين في الشرق الأوسط: التنين الحذر، بكين بأنها تنين حذر جدا يخشى التورط في نزاعات الشرق الأوسط أو التقرب كثيرا من أي بلد في المنطقة. وتقول الدراسة الصادرة عن مؤسسة راند الأمريكية إن الصين رفضت تقديم إستراتيجية مفصلة وعلنية للشرق الأوسط خوفا من إغضاب دولة أو أكثر في المنطقة، بل تسير ضمن نهجها الذي يركز على توسيع نطاق العلاقات الاقتصادية، وتحديدا علاقات التجارة وتحسين النقل. وبالفعل من خلال العودة إلى طرق التجارة البرية القديمة، عزز القادة الصينيون رؤية تنموية اقتصادية مشتركة وفائدة متبادلة .

>> ويبقي أن الآمال عريضة والتوقعات كبيرة، ولكن الواقع معقد وملء بالقيود، خاصة في ظل عدم الرغبة في مواجهة الكاوبوي الذي يرفض الرحيل أو التخلي عن نفوذه، أو مكتسباته، ولم يزل مصرا علي أن يرقص الجميع علي ايقاعاته هو، ووفقا لشروطه المتغيرة. فتري هل هناك قوة أو قوي من داخل المنطقة يمكنها أن تساعد الدب الروسي والتنين الصيني علي كتابة تاريخ آخر وبدء رقصة أخري. علينا أن ننتظر لنري.


نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: