حافظت دولة كوريا الشمالية علي خصوصيتها في أن تبقى خارج السموات المفتوحة والفضاء الرقمي كحالة استثنائية في هذا العالم مشرع النوافذ والأبواب، ولم تفلح كل المحاولات لاختراق هذه الخصوصية في ظل النظام الصارم والقاسي الذي تلتزم به وتجيد تنفيذه كنا لو كانت تعيش في عالم غير العالم الذي يجمع دول الكرة الأرضية. تمنع نشر المعلومات عنها وانتشارها كما يمتنع رئيسها صاحب الشهرة العالمية والملامح المتميزة عن التصريحات الإعلامية والحوارات إلا في المناسبات العامة فيما لا تتوقف القصص المثيرة عن سلوكياته وقراراته في إدارة الدولة وحتى مع أفراد عائلته.
محرك البحث علي الشبكة الرقمية يظهر اهتماما كبيرا بمتابعة أخبار الزعيم كيم جونج من باب الفضول ومتابعة صدي ما يشاع عن قراراته التي قد لا يصدقها العقل البشري. تاريخ ميلاده غير معروف علي وجه الدقة ولا توجد أي معلومات عن عدد أبنائه أو حتى عمرهم الحقيقي وطبيعة علاقته بشقيقه وكل هذه المعلومات يثار حولها جدل عريض.
في الأيام الماضية انشغل العالم بمتابعة سر اختفاء الزعيم الكوري وزادت التكهنات حول صحته دون بيان رسمي يكشف عن السر، أو حتى يضع حدا لكل هذه التكهنات، ولكن الشيء الرسمي الوحيد هو إعلان الصين عن سفر وقد طبي إلى كوريا الشمالية لمتابعة حالة الرئيس الصحية وهو عنوان بارز عن أن هناك في الأمر شيء.
في المؤتمر الصحفي سئل الرئيس الأمريكي ترامب عن ذلك فقال ليس لدي معلومات ويتمني أن يكون الزعيم الكوري بخير.
يحظى الزعيم الكوري بشعبية كبيرة وله كاريزما خاصة فهو متميز بقصة شعر رأسه ويقال إنها أصبحت عامة في البلاد كما يحافظ على ارتداء الزي المتميز دون رابطة عنق. تسمح كوريا الشمالية باستقبال الحركة السياحية لزيارتها ويسجل الزوار بعد العودة انطباعات عنها تعطي صورة بأن من زار لم يشاهد شيئا.
ووفق شهادات العائدين يتبين أن الزائر يخضع للمتابعة الدقيقة ويحظر عليه التصوير في معظم الأماكن ومن يثبت تجاوزه يخضع للمحاكمة.
هذا الغموض يترك انطباعات متناقضة كما يروي ذلك عدد من الرحالة الذين زاروا هذا البلد فعندما تبحث في الشبكة الرقمية عنها تجد ندرة في المعلومات وبعض روايات غير مدققة عن قرارات غير معقولة اتخذتها القيادة هناك، وكان ضحيتها قادة كبار لمجرد حدوث هفوات صغيرة لا ترقى إلى المساءلة الشفهية.
لا تفاصيل واقعية عن الحياة هناك ولا إشارات رسمية توحي بعكس ما يتداوله البعض حالة من الغموض تعود عليها العالم تختصرها بين الحين والحين إطلالات للزعيم كيم وهو يشاهد عرضا عسكريا أو تجربة إطلاق صاروخ نووي.
عدد قليل زارها وعاد بنفس الألغاز التي اعتقد قبل السفر أنه سيعود وفي جعبته إجابات عنها، المعلومات عن دولة كوريا الشمالية محدودة جدا وهي انطباعات لزائرين تعكس تناقضات كبيرة في المعلومات في ظل وجود تعتيم عام من جانب الدولة وإعلامها، ومع هذا قد لا يحتاج المتابع إلى الكثير من الجهد لكي يكون رأيا شبه مكتمل عن الحياة فيها من خلال المشاهد القليلة التي يبثها الإعلام هناك، ومنها على سبيل المثال موكب الرئيس كيم الذي يفضل استقلال القطار، وظهر عدد كبير من الحراس بالزي الكلاسيكي وهم يهرولون بجانب عربة القطار ومسح طلاء العربة، وهذا المشهد تكرر مع السيارة التي يستقلها وظهرت وهي محاطة بعدد كبير من الحراس والسيارة تتحرك وهم في سباق معها.
تلك الصورة تعكس مدى التقديس الذي يتمتع به الزعيم الكوري الشمالي وسطوته في المجتمع .
قد تظهر الأيام المقبلة جديدًا وقد تكون الأخبار المتناثرة هنا وهناك جزءا من قصة حقيقية لم تكشف تفاصيلها، وقد لا تكشف وتبقى كوريا الشمالية الحالة النموذج للغموض والتعتيم في عالم مفتوح يغرق في شلال المعلومات لكن هناك سد منيع يحجب كل شيء فيها.
نقلا عن صحيفة الأهرام