Close ad

الفعل الجمعي والكتلة الحمقاء

25-4-2020 | 16:27

تتمثل إرهاصات الواقع الراهن فى مأزق ثلاثى الأبعاد، الأداء الحكومى المتضافر عن بعد لوضع خطة واضحة تشمل كل المناحى الحياتية من تعليم وصحة ونقل واستثمار وعمل وبناء وخلافه، ثم الفعل الشعبى للجماهير التى لا تمثل كتلة صماء بل هى نسيج من المشاعر والرغبات والدوافع، متمثلة فى أفراد مختلفين فى مستوى إدراكهم وفهمهم، ولكن حينما يحدث توافق بين أغلبيتهم حول مطلب أو مصلحة جماعية، ويدرك كل منهم مصلحته وضرورة تحقيقها، فإن الفعل المتوقع هو انضمام كل فرد منهم إلى نسق الفعل الشعبى الموحد لمواجهة الظروف أو العائق، وتتمسك هذه الجماهير بالحبل الواحد كلما تعلق الأمر بعدم الشعور بالأمان أو الخوف الذى ينضح من بؤرة الغموض الحالكة لظاهرة لا تتكرر مرتين فى الجيل الواحد.

ولعل المشكلة التى حالت دون تحقق هذه الحالة من الالتفاف الكامل بشأن لعنة كورونا تكمن فى حلقة الوصل بين الحكومة والشعب، وأعنى بعض السادة الإعلاميين الذين تحولوا إلى أبواق للصراخ فى المشاهد وكأنهم أوصياء عليه فتصبح النتيجة حالة من البلبلة والتشكك، فإذا زاد الشيء عن حده انقلب لضده، فنحن فى أمس الحاجة لصوت رصين تحفر كلماته مكانها فى الوجدان الشعبى، وربما ما نبحث عنه صعب الآن لكنه ليس مستحيلا فشاشاتنا تحتاج الى صوت يجمع بين حماسة الزعيم جمال عبد الناصر فى خطبة تأميم قناة السويس، وهدوء وابتسامة الشيخ الشعراوى يوم الجمعة، فتنتقل الحالة الى المتلقى دونما تهويل أو تهوين بعيدا عن مصالح أصحاب الشو الإعلامى مضافا إليه أصحاب رءوس الأموال .

فالوضع يبرهن على مجهودات عظيمة تبذلها الدولة المصرية تحتاج فقط الى موصلات جيدة لدرجة الحرارة الوطنية، أما البعد الثالث فيتلخص فى الدور البازغ الذى تقوم به مصر مع العالم الخارجى وهو ما أدهشنا جميعا، فلم يحلم بنو جيلى أن يروا معونات أو مساعدات مصرية لدول عظمى كالصين وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، حتى لو بشكل رمزى إنما وقع الموقف أصاب المواطن المصرى بحالة من الفخر التى قشعرت وطنيته وارتفع بها الى عنان السماء، ولكن هناك ثمة قصور فى إنجاز الأفعال الجماعية العربية، فتجارب التاريخ السياسى للجماعة العربية لم تثبت صدق هذه المعادلة، لا سيما حينما يكون المطلوب فعلا جماعيا فى حده الأقصى أى القبول بالمخاطرة والتضحية، وتحول المسرح العربى الى عدة مشاهد منفصلة، مشهد يمثل من جهة أكثرية متفرجة فاقدة روح الفعل الجماعى رغم إدراكها وقناعتها بشرعية الفعل ووجوبيته وكأن «كل يبكى على ليلاه»، ومن جهة أخرى أقلية تذهب فى قناعاتها إلى أقصى حدود الفعل الجماعى وتنتظرها الهزيمة على الدوام، وهو المشهد الذى يتجسد فيه العجز العربي!. والمشهد نفسه تكرر فى دول الاتحاد الأوروبى وها هى النتيجة، انصرفت كل دولة بمفردها تقاوم هذا الفيروس وتداعياته وكأنها تملك سر النجاة وهى أقصى درجات الحماقة، والأشد وطأة ما قامت به أمريكا فقد تعاملت كل ولاية بمفردها حتى استشرى المرض والموت فى ولايات ضخمة وأتذكر مقولة الإمام الشافعي: كلما أدبنى الدهر .. أرانى ضعف عقلى .. وإذا ما ازددت علما .. زادنى علما بجهلى.

ومع بداية رمضان تسطع فى صدورنا نفحات من الأمل وتتحول الحياة الى علاقات روحانية بحتة مطعمة بصوت الاذان وتواشيح النقشبندى ورائحة الطعام وأسر تصطف خلف عائلها لأداء الصلاة داعين المولى عز وجل أن يزيح عنا هذا الوباء والبلاء ويحفظ مصر التى مازالت تحلم ببكرة واللى حيجيبه معاه ..تنده عليه فى الضلمة وبتسمع نداه، كما وصفها الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: