Close ad
7-4-2020 | 14:24

"كورونا" أزمة أفراد قبل أن تكون أزمة جماعات ودول، ومن هنا حتى نتجاوزها لابد أن ننشغل بها كلنا، هي أزمة الإنسان مع الحياة من حوله، مع ذاته ومع القوى المحيطة به، صغرت أم كبرت مرئية أم غيبية، هي أزمة الوجود الحي المتفاعل، المتضائل، المتعاظم، المنفرد والمتكامل، هي أزمة التساوي والتضاد بين كل المكونات، ما علمناها وما لم نعلمها، أمس واليوم وغدا.. "الكورونا" أزمة أن نكون أولا نكون.

هى ليست "فلسفة" وإنما هى الحقيقة التى جعلنا نشعر بها ذلك الكائن المتناهي في الصغر، الذي عجزت حتى الآن عن التصدى له كل قوى الشر والعدوان، التي جندت وجيشت جهود العلماء فيها للدمار والهدم وقهر الأمم المستضعفة، فكانت أول من عانى من بطش ذلك الفيروس المجهول.

لم يعد أمامنا سوى اللجوء إلى خالق الكون رب الملكوت ليخرجنا من هذه الأزمة، فهو سبحانه وتعالى أعلم بخلقه، وهو صاحب السلطان، الذي أوكله إلينا علنا نعمل صالحاً فجنينا على أنفسنا، فلا كاشف لتلك "الغمة" إلا لله وسلطان العلم.

ووسط تداعيات هذه الأزمة، هناك الكثير من الأمور التى يجب أن نتصارح فيها وعنها: ألم تثبت " كورونا" أن أطباء مصرهم خط دفاعها الأول، وهم الجيش الذي يتصدى حالياً ببسالة لمواجهة هذا الفيروس؟

لابد من إعادة الاعتبار إلى دراسة الطب وحقوق الأطباء الضائعة من بدل عدوى محترم، وأجريليق بأصحاب هذه الرسالة السامية من أطباء وكل العاملين في المجال الطبى، وإلا فنحن ندفعهم دفعاً إلى الهجرة (وسيكون لهم كل العذر) ونكون خسرنا مرتين: مرة حين أنفقنا عليهم الكثير ليتعلموا في كلياتهم، والثانية حين نحتاج اليهم فلا نجدهم، ويكون سوء معاملتنا لهم ماديا ومعنويا هي السبب وراء "تطفيشهم".. وقتها لن نلوم إلا أنفسنا. لأن المتوقع أن يفتح الغرب أبوابه وخاصة أمريكا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا لهجرة أطبائنا.

يجب أن تكون ميزانية "الصحة" هي الموازنة رقم واحد، وليس غيرها، وما دمنا نتحدث عن الطب فهو جزء لا يتجزء من واقع التعليم المتردي في مصر بكل مراحله، لابد أن نعيد النظر فى هذه المنظومة لنعلى من قيمة البحث العلمي والاختراع، نحتاج إلى علماء وباحثين، وليس إلى كتبة حكوميين ومنظرين فقط، فـ"كورونا" هو تحد للعلم والعلماء، هم أصحاب السلطان، وليس غيرهم.

لابد من إعادة النظر فى الدور الاجتماعى لرجال الأعمال والفنانين أصحاب الدخول العالية، فأين هم وأين دورهم؟

أننا في وقت حرج، وكل شخص لا بد أن يتحمل المسئولية، فرجال الأعمال لا بد أن يعطوا مثلما أخذوا، فقد استفادوا كثيرا من دعم الدولة، كتخفيض أسعار الفائدة بالبنوك، وتأجيل سداد أقساط القروض 6 أشهر، وخفض أسعار الطاقة للمصانع، ودعم المصدرين، وها هو دورهم الآن لرد الجميل لأبناء وطنهم، مثلما فعل الأطباء الذين لا يتقاضون سوى ملاليم ويقفون فى مواجهة الموت في الخطوط الأمامية.

إن دفع رواتب العاملين كاملة، هو أقل ما يقدمه رجل الأعمال لموظفيهم وعمالهم في إطار المسئولية المجتمعية الملقاة على عاتقهم، وسدادا لجزء من حق وفضل الوطن عليهم، فيجب أن يبادر أصحاب الأعمال بدعم العمال وأسرهم اجتماعيا واقتصاديا مثلما يفعل رجال أعمال ومستثمرى أوروبا وأمريكا. خاصة وأن القطاع الخاص يضم نحو 23 مليونا ونصف المليون عامل، يمثلون نحو 75% من عصب الاقتصاد المصري، ومن هنا ليس وطني من يطالب بتسريح تلك العمالة في ذلك الوقت الصعب، فالمستثمر المحلى أو الأجنبي استفاد من الدولة طوال الفترة الماضية، وحان الوقت الآن لأن يقف بجانبها لحمايتها، «فكلنا في خندق واحد».

ونقطة في غاية الأهمية، لابد أن ندرك خطورتها وهى وضع اقتصادنا المصري حالياً وفيما بعد، فربما تكون التأثيرات الاقتصادية لفيروس كورونا علي مصر أشد بكثير من تأثيره المرضي، خاصة بعد أن خرجت حوالي 33 مليار دولار من مصر خلال أيام قليلة، لأن معظم هذا المبلغ كان سندات دولارية للأجانب فلما بدأت الأزمة هرعوا للحصول علي أموالهم، إضافة إلى 30 مليار جنيه سحبها المصريون خلال أيام، مما يوضح حجم الكارثة الاقتصادية لكورونا علي الاقتصاد المصري، مع العلم أن معظم الدولارات الموجودة في البنك المركزي كانت سندات دولارية وودائع، فإذا أضفت لذلك حجم الدين الخارجي الذي وصل لأكثر من 100 مليار دولار وحجم الدين الداخلي الذي تجاوز أربعة تريليونات، مع وقف تام للسياحة لمدة غيرمعلومة، وكذلك تباطؤ تحويلات المصريين وحركة المرور في قناة السويس، تبينا حجم الأزمة. وفى هذا الإطار أيضاً لابد أن نسأل: إذا امتد غلق الحدود الجوية والبحرية لمدة طويلة من أين سوف نحضر أدوية حيوية لا تصنع في مصر مثل الإنسولين الآدمي والانوكسين والأدوية البيولوجية وغيرها؟ ومن أين ستسدد مصر أقساط فوائد الديون وأقساط الديون نفسها؟ والمشكلة لا تعتمد علي رجوع الحركة الاقتصادية لمصر ولكنها مرتبطة بأزمة العالم كله.

لابد أن نستيقظ ونفيق من غفلتنا: "كورونا" يضرب وجودنا وسلامنا الأهلي بقوة، يجب أن نحاسب أنفسنا أفرادًا وجماعات حكاماً ومحكومين، وعلى كل منا أن يجيب علي هذه الأسئلة: ماذا ستفعل مع ربك؟ ماذا ستفعل مع الناس الذين ظلمتهم؟ ما الأقوال والمواقف الشجاعة التي لم تجهر بها جبناً وتقية هل ستقولها الآن؟

هل ستقدم جزءاً من مالك صدقة للفقراء والمحتاجين؟ هل ستطلب بالتليفون من تقاطع ومن تشاحن تطلب العفو والسماح؟ بدلاً من أن نبكي وننتظر الموت لابد أن يحاول كل منا أن يجد معنى جديداً لحياته، وعن نفسى سأذهب إلي ربي أطلب منه السماح وسأقف مصلياً متبتلاً أرجو عفوه ورحمته، سأذهب إلي كتبي أحاول أن أصلح من شأني العلمي والمهني، سأحاول أن أبث تعاليم جديدة في أبنائي وأحفادى شغلتني الدنيا عن بثها فيهم، سأطلب كل من تخيلت أني ظلمته حتي أبدأ معه صفحة جديدة، سأحاول بكل عزم وقوة القضاء علي كل ما في من أنانية ودونية وأثرة.

لابد أن نغير أنفسنا قبل أن يداهمنا "كورونا".. الوقت ينفذ و"كورونا" يطاردنا ولا عزاء لنا إن تقاعسنا.

وأخيراً.. ينبغي ألا نشغل أنفسنا بالخوف من "كورونا" ولكن بأن نفجر في أنفسنا طاقات إنسانية تجعلنا نستطيع أن نذهب لربنا مطمئنين راضين مرضيين.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
بدون الخبير والأكاديمي سينهار إعلامنا!!

فى تطوير الدراسات الإعلامية تأتى المناهج أو المقررات الدراسية فى المقدمة، والمناهج مرتبطة بلوائح الدراسة فى كليات وأقسام الإعلام، وقد أجمعت آراء كبار أساتذة

إعلامنا والحاجة إلى فكر واع وإرادة فاعلة

مازلنا نسير على طريق البحث عن إعلام مصري حقيقى يسهم بفعالية في خطط التنمية. في إشارة إلى سلسلة مقالاتى عن الإعلام، قال د. أسامة الغزالى حرب: "على بوابة

كلمتي لوجه الله ومن أجل إعلام أفضل

من واقع خبرتي العلمية والعملية وجمعي بين العمل الإعلامي والعمل الأكاديمي أقول شهادتي لوجه الله سبحانه وتعالى، وسعيًا لمزيد من التطور والرقى للمهنة والرسالة

الخبراء يطالبون برؤية جديدة لكليات الإعلام

الخبراء يطالبون برؤية جديدة لكليات الإعلام

كليات وأقسام الإعلام تخرج أعدادا كبيرة غير مؤهلة

في الأسبوع الماضي بدأنا الحديث عن الخطوات التي يجب أن نسلكها ليكون عندنا إعلام مصري حقيقي يحقق طموحاتنا ويستعيد ريادتنا الإعلامية في المنطقة في ظل التحديات

نحو إعلام مصري حقيقي

كثيرا ما تحدثنا وتحدث الكثيرون عن أهمية الإعلام ودوره المحوري والهام فى بناء جسور الثقة المتبادلة بين الشعوب والحكومات، ودوره في عمليات التنمية وإحداث التغيير الاجتماعي والاقتصادي المنشود.

"أمل" الإمارات .. وجشع المستشفيات الخاصة

تعرضت الأسبوع الماضي لأزمة صحية مفاجئة تؤكد أهمية وضرورة رقابة وزارة الصحة المصرية على المستشفيات الخاصة، وأهمية أن يكون هناك جهة مسئولة عن تنفيذ توجيهات

حق وليست مِنة!!

في الوقت الذي كنا نتحدث فيه عن أهمية الإعلام الحقيقي والموضوعي في إقامة جسور الثقة بين الشعب وقيادته، وأهمية هذا الدور في جعل إنجازات تلك القيادة الرشيدة

الإعلام وجسور الثقة بين الشعب وقيادته

الإعلام الحقيقي والموضوعي هو الإعلام الذي يرى بعين الجماهير ويتحدث بلسانها، ويعبر عن طموحاتهم، ويجسد آمالهم وتطلعاتهم نحو المستقبل، وفى ذات الوقت الذى

ضرورات التعايش مع "كورونا"

بعد الاتجاه لعودة الحياة إلى طبيعتها، ليس في مصر وحدها وإنما في غالبية دول العالم بعد فترة الحظر والإجراءات الاحترازية إثر جائحة كورونا، أصبح من الضروري

عندما هدد ثروت أباظة بالاستقالة من "الأهرام"

خلال رحلة عملي في جريدة "الأهرام" التي بدأت عام 1976، تعلمت وعملت مع مجموعة من كبار المفكرين فى مصر، ورواد مهنة القلم، تأثرت بهم وتعلمت منهم خلال العديد

دراما الغابة!!

بعيداً عن مسلسل "الاختيار" الذى قدم لنا نموذج التضحية والفداء والعطاء لمصر، ممثلاً في بطولة العقيد أركان حرب "أحمد منسي"، وبعض المسلسلات الكوميدية والرومانسية

الأكثر قراءة