ما بين عمليات سطو على شحنات طبية وصفقات غير مشروعة في مستلزمات وقائية سقطت أقنعة أولئك الذين كانوا يزعمون أنهم دعاة الحرية وحماة الاقتصاد الحر وأنصار حقوق الإنسان ..
هكذا صار أداء الدول الكبرى في سوق المستلزمات الطبية الدولية .. أمريكيون يخطفون شحنة من الأقنعة الواقية كانت في طريقها إلى فرنسا - بعد أن دفعوا أكثر من سعرها 3 أضعاف نقدا على مدرج مطار صيني - وفرنسيون يستولون على كميات من المعدات الطبية كانت في طريقها إلى إحدى الدول .. وتركيا اتهمت بالقرصنة على شحنة أخرى كانت في طريقها إلى إسبانيا .. فيما ارتكبت التشيك نفس الواقعة واستولت على شحنة كانت في طريقها إلى فرنسا ..
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل إن رئيس الوزراء الكندي قرر التحقيق في واقعة استيلاء أمريكا على شحنات طبية كانت متجهة إلى بلاده، بينما اتهمت أوكرانيا كلا من روسيا وأمريكا وفرنسا بإفساد صفقة اتفقت عليها مع شركات صينية، ودفعوا مبالغ نقدية مضاعفة حتى يحصلون عليها، ولعل المدهش أيضًا أن بعض الولايات الأمريكية تنافس بعضها البعض في سباق الحصول على الأقنعة ومستلزمات الوقاية من الفيروس.
إنه سباق محموم لا يراعي أخلاقيات التجارة ولا أدبيات الاقتصاد.. سباق غير مشروع ينسف قواعد النزاهة والمنافسة التى تحكم حركة التجارة العالمية.
وقد أوجدت هذه الفوضى التجارية "سماسرة" يتربحون من وراء هذه الصفقات؛ ففي الصين لايوجد سوى عدد قليل من الشركات المنتجة لوسائل الوقاية لديها تراخيص بالتصدير؛ بينما الغالبية الأخرى من الشركات الذين لا يملكون هذه التراخيص يلجأون إلى شركات وسيطة؛ لتصدير منتجاتهم ؛مما يؤدي إلى زيادة عدد الوسطاء وبالتالي ارتفاع التكاليف.
مشاهد كثيرة وشواهد عديدة، تجسد حال عالم يتغير، ونظام دولي يتشكل، وما كان بالأمس محرمًا صار اليوم مباحًا.. عالم يولد من رحم أزمة فريدة وقف أمامها عاجزًا صاغرًا، ولم تنفعه أسلحته الفتاكة ولا قنابله المدمرة، في مواجهة هذا الفيروس الضعيف.
وإذا كانت دول كبرى قد قامت تحت ضغط هذه الجائحة بتحطيم قواعد راسخة، ونسف مبادئ ثابتة في نظام التجارة العالمى؛ فما بالك بدول أخرى لا تملك المال ولا الدواء في مواجهة هذا الوباء.
لقد فات على هذه الدول - التى تريد أن تنجو وحدها من الوباء بالسطو على مستلزمات الوقاية الطبية من الفيروس - أن الفوز في هذه المعركة لن يتحقق إلا عبر تعاون دولي شامل يتصدى لزحف هذا الوباء، وبالطبع هذا التحرك الدولي الجماعي المطلوب لا يغني عن الجهود الفردية التي تقوم بها كل دولة في هذه المعركة.
ولعل الموقف المصري منذ بداية الأزمة كان سباقًا في الدعوة إلى تعاون دولي في مواجهة الوباء وقبل أيام جاءت تأكيدات الرئيس السيسي بكلمات تعكس إنسانية مصر ومبادئها على أنها تتضامن حكومة وشعبًا مع حكومات وشعوب العالم أجمع في محاربة فيروس كورونا، وقال الرئيس: إن مصر على استعداد كامل لتقديم كل ما يمكن من دعم خلال هذه الظروف الصعبة.
تلك هى مصر التى تقوم بملحمة ملهمة في مواجهة هذا الوباء.. وهذه هى مصر وقت الأزمات تمد يد العون لكل الشعوب، بينما آخرون سقطت اقنعتهم وظهر زيف إدعاءاتهم.
......
حفظ الله مصر من كل سوء