Close ad

حلقة الوصل بين المريض والطبيب.."كتائب الإنقاذ" أبطال داخل سيارات الإسعاف

3-4-2020 | 19:25
حلقة الوصل بين المريض والطبيبكتائب الإنقاذ أبطال داخل سيارات الإسعافسيارات الإسعاف
تحقيق ــ علا عامر

د. محمد جاد: 10 سيارات بكل محافظة مخصصة لحالات «كورونا» وسيناريو جاهز لكل التوقعات

موضوعات مقترحة

المسعف ليس «شيالا».. وأغلبهم مؤهلات عليا وبينهم حملة دكتوراه

د. أحمد العزب: 50 ألف مكالمة يوميا على «123»..و3 آلاف فقط حقيقية!

قصة مسعف أطاحت به سيارة أثناء إنقاذه ضحايا حادث بطريق الإسكندرية

سائق: كثيرون يخافون منا ويصيحون عن رؤية السيارة: «كورونا» !


فجأة ولأننا جزء من هذا العالم وجدنا أنفسنا وجها لوجه أمام معركة مع «كورونا» ذلك الفيروس الذى استلزم التصدى له شحذ كافة الجهود الطبية، ورفع أهبة الاستعداد فى كل قطاعات الصحة المعنية، الأطباء والتمريض يبذلون جهودا غير عادية، ولكن يجب ألا ننسى حلقة الوصل بينهم وبين المريض، رجال الإسعاف الذين ينطلقون فى رحلات لا تتوقف يوميا من وإلى البيوت ومستشفيات العزل والحميات، وأحيانا إلى مغسلة الأموات..هم شركاء المعركة الذين يعملون غير عابئين بالخطورة من باب الحب وليس من باب الإجبار، فلربما حانت الفرصة الآن لنقترب نحن أيضا منهم ونلقى الضوء على دورهم وأهم العقبات التى تواجههم.

فى المكان الهادئ المطل على النيل مباشرة بشارع البحر الأعظم، كانت وجهتنا إلى الدكتور محمد جاد رئيس هيئة الإسعاف الذى كان قد أنهى لتوه اجتماعه بمديرى الإسعاف على مستوى الجمهورية من خلال شبكة «الفيديو كونفرانس»، والذى أصبح اجتماعا يوميا منذ ظهور جائحة كورونا، لمتابعة الموقف فى كل محافظة أولا بأول سواء من حيث الاحتياجات أو العقبات، قال لنا: خطتنا الحالية هى عشر سيارات إسعاف مجهزة بطاقمها على أهبة الاستعداد للتعامل مع أى حالة كورونا تظهر بالمحافظة سواء إيجابية أو مشتبه بها، ولدينا سيناريو بديل للدفع بعشر سيارات أخرى لكل محافظة فى حالة تغير الأوضاع للأسوأ لاقدر الله، وحاليا ننقل من 60 إلى 90 حالة اشتباه يوميا، بالإضافة لنقل الموتى وهو أمر ليس من صميم عمل الإسعاف التى تعمل أساسا من أجل إنقاذ روح إنسان، يصارع أزمة قلبية أو إصابات حريق أو حوادث مرورية، ولكن هناك استثناءات فى هذا الأمر، منها ما يتعلق بوفاة مريض الكورونا إذا توفى خارج العزل، حيث نقوم بنقله إلى مغسلة مستشفيات العزل، والمؤهلة للتعامل مع جثث المتوفين بأمراض شديدة العدوى، مع ملاحظة أن أى تعامل للكورونا يكون فقط من خلال خط 105 الذى خصصته وزارة الصحة، أو من خلال تلقى إخطار من مديريات الصحة، أو مستشفيات الحميات، وليس من خلال المواطن نفسه.


التطهير الذاتى

وبالنسبة للسيارات أوضح الدكتور جاد أن هناك عشر سيارات ذاتية التطهير قد دخلت الخدمة منذ حوالى عام ونصف العام، وتبلغ تكلفة السيارة الواحدة خمسة ملايين ونصف المليون جنيه، ولكن مع تزايد الاصابات ورحلات التعامل مع الحالات كان لابد من الاستعانة بالسيارات الأخرى خاصة عندما تأكد أن فيروس كورونا يتم القضاء عليه بالتطهير بالكلور، على عكس أمراض معدية أخرى تحتاج إلى كيماويات خاصة للتطهير، وبصفة عامة أطمئن الجميع بأن لدينا أسطولا قوامه ثلاثة آلاف سيارة وهو يعتبر الأكبر على مستوى الشرق الأوسط.

التدريب عمليا

وانتقل بنا الحديث مع رئيس هيئة الإسعاف من السيارات والمتابعات لنسأله عن العنصر البشري؟ فأجابنا: لدينا 13 ألف سائق ومسعف جميعهم يحصلون على تدريب مستمر، مضيفا: لا يمكن اعتماد مسعف للتعامل الواقعى قبل أن يخوض كامل تدريبه العملى من خلال تجارب محاكاة نقوم بها فى أماكن مفتوحة، يتحول فيها المكان لمسرح حادثة مرورية، ومصابين بكسور أو نزيف، ليبدأ التعامل مع كل حالة حسب إصابتها، والجزء النظرى من التدريب لايتجاوز 15% من إعداد المسعف، وكذلك السائق الذى يتحول لمساعد فى وقت الحادث، ولذا يتم تدريبه هو الآخر.


وعن الجانب النفسى للمسعفين هذه الآونة، قال: لم نلحظ أى خوف أو تردد، وربما كانت هناك حالات محدودة فى بعض المحافظات كانوا خائفين فى أول الأمر خصوصا على أطفالهم وأسرهم عندما يعودون إلى بيوتهم، وبمجرد أن نتحدث إليهم، ينتهى الأمر خاصة أن لدينا إدارة مستحدثة للدعم النفسى، والحقيقة أن الأغلبية يعملون هنا لعشقهم لمهنتهم، ويشعرون بفخر وسعادة لأنهم يساهمون فى إنقاذ إنسان، ولذا فرغم أن المغريات المادية للعمل بالمستشفيات عالية، إلا أنهم يتمسكون بالبقاء، وإن كان القليل قد بدأ يتسرب منا من غير المعينين، لأنه للأسف لانملك منذ سنوات سوى الانتداب!

غرفة العمليات

كانت المحطة التالية هى دخولنا غرفة عمليات الإسعاف التى تشمل القاهرة والجيزة والقليوبية وحلوان وأكتوبر، مشينا بردهة طويلة يرافقنا حسن الكرملاوى رئيس العلاقات العامة بالهيئة، إلى أن وصلنا لغرفتين كأنهما خليتا نحل، عشرات من الشباب كل منهم يجلس أمام شاشتي كمبيوتر وأمامه ميكروفون وإلى جواره لاسلكى، وتليفون، استقبلنا مشرف الغرفة جمعة محمود، ليشرح لنا باختصار آلية تلقى البلاغات من خلال شركة متعاقد معها فى القرية الذكية، والتى تترجم البلاغ وترسله مكتوبا ليظهر على الشاشة لديهم بتفاصيل الحالة والاسم والعنوان وكافة البيانات، ليبدأ على الفور موظف الغرفة بالتعامل معها والاتصال بأقرب سيارة إسعاف لموقع المبلغ، ويظل يتابعها للتأكد من وصولها، اقتربنا من أحدهم (حمدي) كان يعمل وقتها على بلاغ بحضانة أكسجين لطفل مبتسر، وقال: كل شيء يتم تدوينه بشكل تلقائى على الشاشة،لحساب زمن تلقى البلاغ وزمن الاستجابة والوصول للحالة لأننا نتعامل مع أرواح وحالات حرجة، وقال زميله وهو يتابع بلاغا آخر: الضغط زاد فى العمل جدا وبعد أحداث كورونا نعمل 24 ساعة متصلة ثم نحصل على راحة مثلها وهكذا.

رحلة العزل

كانت حوالى العاشرة والنصف صباحا، عندما كنت أقف وزميلى المصور بمدخل مرفق الإسعاف بموقعه الشهير بوسط البلد لدرجة أن المنطقة تسمى باسمه، سألنا على مكتب المدير، وانطلقنا إليه بكل حماس لنكتشف أنه غير موجود بمكتبه، فسألنا أحد الواقفين فأشار بيديه إلى ساحة كبيرة تصطف بها عدد من سيارات الإسعاف، وأمامها مجموعة من الرجال، كان المدير أحدهم شابا نحيفا فى أوائل الأربعينيات، الدكتور أحمد العزب الذى رحب بمساعدتنا فى مهمتنا الصحفية، ولكنه قبل أن يبدأ الإجابة عن أول أسئلتنا، فإذا به يستأذننا فى التأجيل قليلا ليشرف بنفسه على خروج سيارة إسعاف، بطاقمها إلى مستشفى صدر العباسية، لنقل مريض ثبتت إيجابية المسحة المأخوذة منه لفيروس كورونا المستجد، وهى كما أخبرنا الانطلاقة الثانية منذ صباح اليوم لنقل حالة مؤكدة، وبينما نتحدث اختفى بسرعة عدد من الشباب الواقفين حولنا إلى الداخل وعلمنا أنهم

يستعدون لرحلتهم المحفوفة بالمخاطر، بارتداء الزى المخصص لهم فى مثل هذه الحالات وهو عبارة عن ماسك ان 95 ونظارة زجاجية شفافة، وبدلة واقية يرتدونها فوق يونيفورم الإسعاف، وجدناها فرصة للقيام بجولة بين السيارات الواقفة وكذلك التى تستعد للانطلاق، كان من بينها سيارات التطهير الذاتى التى تقوم طيلة الوقت بعملية التطهير وقتل أى فيروس داخل السيارة، عن طريق فلاتر تعمل بشكل تلقائى، كما بدأ بقية كتائب المسعفين الواقفين يشرحون لنا: رومانى عيد وإسلام فريد، أن السيارة تحمل خارجها وحدة تعقيم، كل المطلوب منا هو ملؤها بالفورمالين والأمونيا فى الأماكن المخصصة لهما داخل الوحدة لتبدأ بمفردها دورة تعقيم تستغرق حوالى ست ساعات، وبدا أنهما يعرفان تماما كيفية التعامل مع كل جزء منها يقولان: حصلنا على دورة تدريبية على أيدى أطباء ألمان، لنعرف كيفية الاستفادة من كل الإمكانيات الرائعة، ويكفى أن جهاز اللاسلكى بها يتصل بالأقمار الصناعية لذا فلا يمكن أن نفقد الاتصال أبدا ولو كنا فى منطقة جبلية وعرة أو نائية، وسألناهم عن زمن رحلة العزل كيف يمر عليهم، قالوا: نكون منشغلين بالمريض ومتابعين طيلة الوقت للأكسجين، خاصة إذا كان يعانى من ضيق التنفس، وكذلك لنبضات القلب: واحنا رايحين بالحالة بتكون عينينا على الشاشات والأجهزة وفى حالة ترقب وانتباه لكن واحنا راجعين ممكن نتكلم ونضحك أو نتوقف للراحة قليلا خصوصا أننا نقوم برحلات طويلة ومرهقة إلى الأقصر وأسوان، وفى كل هذا نكون على اتصال دائم بالمرفق ومتلقين لأى تغيير فى التعليمات أو رحلة السير.

واجب وطنى

قطع كلامنا ظهور شباب المسعفين وقد ارتدوا إما بدلا صفراء قابلة لإعادة التطهير والاستخدام أو بدلا بيضاء تستخدم مرة واحدة ثم يلقى بها مع الكمامة والقفازات إلى سلة النفايات الخطرة، وقبل أن ينطلقوا بالسيارة، خاصة أنه كان هناك بلاغ ثالث لهذا اليوم بوجود حالة كورونا إيجابية أخرى، استطعنا أن ننتزع منهم بعض الكلمات، مابين سائق ومسعف: ميلاد شنودة ومحمد على ماهر ومحمد عبد الجواد ..الكل يجيب من خلال ابتسامة ثقة وهدوء بجمل متشابهة من نوعية: هذا واجبنا تجاه البلد أو: شغلنا أغلبه مخاطر واتعودنا على كده أو: مين غيرنا هينقذ الناس لو احنا خوفنا أو قصرنا، وبالنسبة لأسرهم وأطفالهم علمنا أنهم يغيبون عنهم لأيام متواصلة ثم يحصلون على إجازة يومين مثلا وهكذا، ولم ينكروا أن القلق يساورهم أحيانا بشأن أطفالهم إلا أن الاستعدادات التى دربوا أسرهم على استقبالهم بها كفيلة بإزاحة المخاوف جانبا، يقول محمد ماهر: دى المرة الـ 17 اللى باجيب فيها مريض كورونا، وأحيانا بنضطر نشيل الحالة لو كانت على جهاز تنفس صناعى أو لا تقوى على الوقوف والحركة، وخلاص البيت عارفين كيفية التعامل مع ملابسى فور دخولى وعلى تطهير الحمام بعد وصولى وربنا هو الحافظ، قالها وقفز إلى موقعه فى المقعد الأمامى لنستكمل الحديث مع محمد حنفى جاد مسئول تشغيل السيارات، والذى من مهامه أيضا عمل جداول بالإجازات لاتؤثر على سير العمل ولا تحرم المسعفين من حقهم فى الارتياح قليلا، وكان مطلبه أن يكون هناك مزيد من التلطف بالقول والفعل لدى العوام لمجرد رؤية الإسعاف إذ تنطلق التعليقات مرة بسخرية وضحك وتارة بخوف وفزع: كورونا كورونا، مضيفا أن الجميع هنا يتمتع بمعنويات عالية رغم ضغط العمل، فليس أقل من الحفاظ على هذه الروح فلربما تسببت كلمة هنا أو هناك من إحداث ألم نفسى لرجل يقتحم مجال العدوى ولا يبالى.

عمل متواصل

تركنا الدكتور أحمد العزب لدقائق يصعد إلى السيارة ليتأكد من إحكام قفاز المسعف وامتداده لداخل كم بدلة الحماية، ثم دخلنا برفقته إلى داخل المبنى لتكون فرصة له ليستريح على مقعده قليلا، حيث أخبرنا وهو يبتسم عندما سألناه عن مدة تواجده فى المرفق يوميا: أنا مقيم هنا بقالى أسبوعين وأشار بيده إلى مرتبة اسفنجية جديدة مسندة إلى أحد الأركان قائلا: هذا هو سريرى الذى أغفو عليه،وإلى جانبى اللاسلكى الذى ربما يهدأ قليلا بعد منتصف الليل وإن كان لايتوقف عن الإخطار بحالات أغلبها اشتباه كورونا فقط.


للإسعاف أولويات

تكلمنا بلغة الأرقام والمعلومات مع الدكتور أحمد الذى لايزال يحتفظ بوظيفته السابقة كمدير للإسعاف الجوى إلى جانب كونه مشرفا على إسعاف القاهرة، وقبلهما تاريخ ـ رغم صغر سنه ـ من إدارة الطوارئ والرعاية الحرجة ثم إدارة الأزمات، ولعل هذا كان سببا أو نتيجة لحصوله على ماجستير إدارة الأعمال إلى جانب ماجستير العناية المركزة قال: قسمنا نطاق عملنا الجغرافى إلى تسعة قطاعات: مصر الجديدة ومدينة نصر والمطار وعين شمس وحدائق القبة وشبرا والتحرير ورمسيس والسيدة، تم تغطيتها بعدد من النقاط الثابتة أو الفروع وعددها 85 فرعا، بكل منها سيارة إسعاف وغرفة للطاقم، بالإضافة للتمركزات الحرة، وهى سيارات إسعاف يتم الدفع بها لمناطق حيوية، مثل المتحف المصرى وكوبرى أكتوبر، وذلك لسهولة التحرك وسرعة الانتقال لمكان الحادث أو البلاغ،حيث يتم تحريك أقرب سيارة وفقا للخريطة،مشيرا إلى أن القاهرة وحلوان يتم خدمتهما بـ 274 سيارة، تم تخصيص 15 سيارة منهما للكورونا فقط، وجزء منها لحالات الطوارئ الأولى كحوادث الطرق والانهيارات والحرائق، وهذه لابد من الحفاظ على وجود عدد كاف منها لا يخرج لأية أسباب أخرى، وقال: إن الخلاف المستمر بين الإسعاف وبين بعض المواطنين أنهم لايتفهمون سياسة التعامل مع الحالات وفقا لدرجة إلحاحها وخطورتها.

مضيفا: نحن نتعامل مع ألف مريض يوميا فى المتوسط.

معاكسات تليفونية

وقبل أن نغادر مقر اسعاف القاهرة بمحطة الإسعاف، سألنا مديرها عن أية سلبيات مجتمعية تواجههم فأجاب باسما: المعاكسات !! وبلغة الأرقام أيضا يتم تلقى حوالى 50 ألف مكالمة يوميا على خط 123 منها ثلاثة آلاف فقط حقيقية والباقى معاكسات أو ناس بتجرب تليفونات مسروقة، لأن هذ الرقم لايتطلب وجود رصيد ولا فتح كود التليفون،وقال إن هذا هو السبب الرئيسى فى التعاقد مع احدى الشركات بالقرية الذكية لفلترة المكالمات الواردة.

إصابة عمل

كان لابد من التواصل مع أحد المسعفين ممن أشار إليهم رئيس هيئة الإسعاف فى أول كلامنا، محمد السعيد كان مسعفا مشهودا له بالنشاط والاجتهاد، خاصة فى تعامله مع حوادث الطرق السريعة، وكانت آخر نقطة عمل له الكيلو 133 على طريق الإسكندرية الصحراوى، ويتذكر معنا تفاصيل ذلك اليوم بالبلاغ الذى تلقته السيارة المتمركزة فى السابعة صباحا يفيد تعرض سيارة ملاكى لحادث مرورى، انتقلنا وزميلى السائق لنجد الملاكى مقلوبة، ووجدنا رجل وزوجته وطفليهما، وكان واضحا أن الاصابات بسيطة الزوج كسر فى ذراعه فأحضرنا الجبيرة وتم تثبيتها، والزوجة جرح بالجبهة إلا أنها كانت فى حالة صدمة، وبينما أتحدث إليها لأطمئنها وأتعامل مع الجرح لم أشعر بشيء بعدها، لأفيق فى المستشفى على صدمة أننى لن أستطيع الوقوف على قدمى مرة أخرى، ولأعرف أن سيارة ملاكى مسرعة ضربت ظهرى وأنا جالس إلى المصابين واقتحمت الحادث، مما أدى إلى قطع الحبل الشوكى، كما تسببت فى وفاة ثلاثة أشخاص من بينهم الزوج، ويضيف محمد: تركت مهنتى التى أعشقها ومكثت بالبيت صحيح أننى أتقاضى راتبى كاملا، لكننى حزين لتقاعدى وأنا فى أوج شبابى وبالنسبة لمهنة المسعف يقول: نحتاج لتعديلات تساعد زملائى المسعفين حيث أننى أذكر أن عاملا بأحد المحاجر قد تعرض لصعق كهربائى، وعندما وصلنا وجدناه شبه ميت، فلم أتمكن من استخدام جهاز الصدمات رغم أن كل سيارة مجهزة بواحد إلا أنه ممنوع استخدامه إلا لطبيب، وظللت حوالى ربع ساعة أعمل له إنعاشا قلبيا باليد، ولحسن الحظ استجاب وعاد للحياة.

الإنقاذ المبدئى

وفى تعليق للدكتور أحمد فتحى مدير معهد القلب الأسبق، استنكر بشدة ما قاله المسعف، وقال إن هناك حالات كثيرة يحدث فيها خلل فى كهربة البطين إن لم يحدث التدخل السريع، فإن كل أعضاء الجسم ومن بينها المخ تتأثر بنقص الأكسجين فى الدم، وتنتهى بوفاة المريض، وتساءل: لماذا لايكون مسموحا للمسعف بتركيب كانيولا، لإنقاذ مريض تعرض للنزف وتعويضه بالمحاليل الوريدية حتى يصل إلينا ونتعامل مع الحالة؟ مضيفا: أن دور الإسعاف نقل المريض باحتمالية آمنة للمستشفى الذى يقوم بمعالجة نهائية، وعلى حد علمى فكل سيارة إسعاف مجهزة بوسائل الإنقاذ،وفى عملنا نعلم المسعف والتمريض قراءة رسم القلب، وكنا فى معهد القلب نجرى دورات فى كيفية مساعدة الحالات الطارئة بامكانيات الإسعاف، وقال: ليس معقولا ونحن نعانى عجزا فى عدد الأطباء واحتياجا شديدا لدورهم داخل المستشفيات أن نشترط وجود طبيب بسيارة اسعاف ليتعامل مع جهاز الصدمات أو الكانيولا فهذا عبث ولا يحدث فى أى مكان فى العالم.

احترام دور المسعف

ماسبق دعانا أن نعود الى الدكتور محمد جاد ونسأله عن العقبات أو المعوقات التى تواجه الإسعاف كأفراد أو كهيئة، فقال عقبات متوقعة من نوعية عدم استجابة المواطنين فى الشارع لفتح الطريق، بل لفتح إشارة المرور نفسها، أو تعرض المسعف لمضايقات مثل تجمعات الناس فى حالة الحوادث ومحاولة التدخل فى عملهم، لدرجة أن أحد المسعفين تعرض لتوبيخ شديد واعتداء بالأيدى من نجل رجل مسن أصيب فى حادثة على الدائرى لقيام المسعف بوضع جبيرة أولا قبل رفع الرجل من الأرض، فاتهمه ابنه بالتأخير وتعريض حياة والده للخطر مع أن الخطر لو حمله فجأة بدون تدابير، وقال نحن نعمل تحت ضغط شديد والمسعف ليس «شيالا» كما يعتقد البعض،وأغلبهم مؤهلات جامعية ولدينا سائق حاصل على الدكتوراه ومسعف بكلية الطب، وكذلك تعرض سيارة اسعاف للكلبشة وهذا حدث مرتين، مما دعانا لرفع الأمر للقيادات الأمنية ووعدوا بعدم تكرار ذلك، بالإضافة لأن سيارة الإسعاف ممكن يوقفها رادار على الطريق السريع أو تتعرض للتفتيش فى الأكمنة المرورية.

تعديل القانون

أما المفاجأة كانت فى عقبات من نوعية أن المسعف لايملك تصريح مزاولة للمهنة، ووفقا للقانون فهو غير مسموح له بتركيب كانيولا لشخص ينزف فى حادث، إلى أن ينقله للمستشفى، رغم تمتعهم بمهارات عالية وعمل أغلبهم بنبطشيات فى المستشفيات، لوجود عجز فى التمريض، ومؤخرا كان هناك دورة تدريبية لأطباء ألمان انبهروا من مستوى المسعف المصرى.

ويضيف بأسي: لدينا قانون قديم منذ الستينيات يحتاج لإعادة النظر فيه، كما تحتاج أمورهم المالية واللائحة للتعديل أيضا كما قرر الرئيس السيسى للأطباء والتمريض، وسوف نرفع مذكرة للدكتورة وزيرة الصحة بهذا الشأن، أما الآن فلا نملك سوى التكريم المعنوى للمسعفين الذين يؤدون أدوارا بطولية، ولدينا للأسف منهم شهداء اضربوا بالنار فى حوادث ارهابية، وحالات فقدت أرواحها وهى تنقذ مصابين على الطريق، ومنهم من فقد ساقيه.

سطورنا السابقة كانت نتاج معايشة يومين فقط لجزء من مهام أطباء ورجال الإسعاف، ولولا أنه لم يكن مسموحا لنا بمرافقتهم فى رحلات العزل الصعبة ما استطعنا وصف المزيد من تلك المهمة الإنسانية الخطرة، ولكن من المؤكد أن الصورة مكتملة وواضحة، ولا نطلب الآن سوى الاستجابة لكل ما يعينهم على مهامهم من الدولة ومن المجتمع.

نقلا عن صحيفة الأهرام 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: