أتحدث هنا، بمناسبة المحنة التي تمر بها إيطاليا اليوم في مواجهة وباء أو جائحة فيروس كورونا، عن عمق وتشعب العلاقات بين البلدين على جانبي المتوسط، التي دفعت - ليس فقط الدولة المصرية وعلى رأسها الرئيس السيسي - وإنما أيضًا مواطنين عاديين إلى التقدم بصدق وحماس للتعبير عن تعاطفهم مع الشعب الإيطالي الصديق.
وربما كان أول ما أتذكره في طفولتي الأولى بحي شبرا وعمري أقل من ستة أعوام، أمرين، أولهما معهد Don Bosco دون بوسكو العريق الذي كان، ولا يزال على ما أعتقد، في منطقة روض الفرج؛ والذي يُخرج فنيين مهرة في جميع التخصصات.
والآخر لعبة حرب إيطاليا الشهيرة التي كنا نشتريها في الأعياد! ومع التقدم في العمر والدراسة استوعبت أكثر وأكثر العوامل المتعددة والعميقة التي تربط بيننا.
ولن أتوغل كثيرًا في التاريخ وحكاياته التي ترتبط فيها الحقائق بالأساطير، وأشهرها بالقطع حكاية كليوباترا ملكة مصر المقدونية وعلاقتها مع ماركوس أنطونيوس، وحتى تطور العلاقات بين البلدين في العصر الحديث، بدءا من الإيطاليين العاملين في القصر الملكي إلى المهاجرين من أصحاب المحال والمقاهي الشهيرة في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد الذين ظهرت بينهم المغنية العالمية بنت شبرا داليدا!.
فضلا عن أن مدينة السلوم في أقصى شمال غرب مصر، تحتضن رفات ألوف الجنود الإيطاليين من ضحايا الحرب العالمية الثانية، التي لا تزال قبورهم مزارا سنويا لذويهم..؟ ثم ألم يختر فاروق آخر ملوك مصر أن يكون منفاه في إيطاليا التي لجأ إليها مع سكرتيره الخاص الإيطالي أنطونيو بوللي؟ فإذا عدت إلى مدارس دون بوسكو الفنية - التي بدأت بها حديثي - فأذكر بأن دون بوسكو هو قديس إيطالي فذ (1815-1888) اختار ألا تقتصر جهوده إزاء الشباب على الدعوة الدينية، وإنما تدريبهم أكاديميًا ومهنيًا، لتنتشر معاهد دون بوسكو المهنية المتميزة في القاهرة والإسكندرية ودوراتهم المنتظمة في كثير من أنحائها!
ألا تستحق علاقات مصر وإيطاليا بعد ذلك اهتمامًا واعتزازًا منا؟.