بالرغم من أن أعلى عدد مصابين بفيروس كورونا فى أكثر الدول الإفريقية إصابةً به مازال أقل بكثير منه فى دول متقدمة، بل يكاد لا يُقارن به فى دول مثل إيطاليا أو فرنسا أو الصين منشأ المرض، الذى أصاب العالم بالرعب، إلَّا أن حالة من القلق تنتاب المسئولين فى منظمة الصحة العالمية والكثيرين من القادة الأفارقة من أن يتحول الفيروس إلى حاصد جديد لأرواح الأفارقة ينضم إلى القتلة الأوائل (الإيدز والسل والملاريا) بسبب تدهور حالة المنظومة الصحية فى الغالبية العظمى من دول القارة السمراء.
فالمرافق الصحية فى الغالبية العظمى من دول إفريقيا متخلفة أو متهالكة أو غير موجودة أصلًا، وأدى فقر كثير منها وخواء ميزانياتها المستنزفة من الحروب والصراعات الداخلية العرقية والقبلية إلى عدم التمكن من توفير المعدات والمستلزمات الطبية اللازمة، فضلًا عن تفشى الفساد الذى يتم من خلاله نهب قدر كبير من ميزانيات الصحة ومتطلباتها وحرمان مَن ليس له قدرة على الوصول لأحد من أولى الأمر من حقه فى العلاج.
كما أن تدنى مستوى النظافة وعدم توافر مياه الشرب النظيفة أو المنظفات بالسعر الذى فى مقدور عامة المواطنين يثير القلق أكثر باعتبار النظافة عاملًا أساسيًا فى الوقاية من انتقال عدوى الفيروس.
وبما أن إفريقيا يعيش فيها من لاجئى ونازحى ومشردى الحروب والصراعات أكثر من نصف لاجئى ونازحى العالم، فإن احتمال ظهور إصابات وحدوث وفيات بكورونا وارد بقوة بسبب صعوبة توفير المياه النظيفة اللازمة لهم وفقًا لما أعلنته الأمم المتحدة.
ونظرًا لانشغال الدول الغنية والمتقدمة بمحاولات احتواء انتشار الفيروس بين مواطنيها وما تكشَّف من نقص فى الأطباء وأجهزة التمريض وأسِّرَّة المستشفيات وغيرها فى دول مثل إيطاليا وبريطانيا فهناك مخاوف قوية من ألَّا تلتفت إلى مساعدة الدول الإفريقية فى مواجهته فيخرج عن السيطرة ويروح ضحيته آلاف الأفارقة بعد أن تجد حكوماتهم نفسها عاجزة عن وقف انتشاره.
قد يقول قائل، إنه رغم الفقر وتخلف البنية الصحية وتفشى الفساد فى كثير من الدول الإفريقية، إلَّا أن عدد الإصابات بفيروس كورونا ضئيل جدًا إذا قورن بعدد المصابين والمتوفين فى دول مثل الصين وإيطاليا وإيران وبريطانيا وغيرها، وبالتالى ليس هناك ما يثير القلق.
والرد على ذلك هو أن ضآلة العدد لا يعنى أن الأفارقة بخير أو أفضل حالًا من غيرهم، فقد يكون السبب عدم توافر الأجهزة اللازمة لاكتشاف الإصابة بالفيروس بشكل كافِ أو بسبب المناخ الاستوائى فى دول جنوب الصحراء، حيث إنه ليس ملائمًا لتكاثر وانتشار الفيروس بسرعة كما يقول خبراء صحة أو بسبب المناعة القوية التى تكونت لدى الأفارقة نتيجة الإصابة بأمراض أخرى من قبل فمكنتهم من مقاومة كورونا حتى الآن، وقد يكون السبب كل تلك العوامل معًا.
الدول الإفريقية، خاصةً تلك الواقعة جنوب الصحراء، فى حاجة ماسة للمساعدة المادية والفنية والطبية من الدول المتقدمة لمواجهة هذه الكارثة قبل فوات الأوان، فعدد سكان القارة أكثر من 1200 مليون إنسان منهم نحو 25 مليونا لاجئين ومشردين وأكثر من نصف السكان يقيمون فى الأرياف والغابات والأحراش، بعضهم فى أماكن منعزلة يصعب الوصول إليها، ولابد أن تمد الدول الغنية والمتقدمة يد المساعدة لهم ليس فقط كواجب إنسانى وإنما أيضًا لأن الأفارقة قوة استهلاكية لمنتجات تلك الدول لا يستهان بها.
المساعدة تجب ليس فقط على الحكومات وإنما أيضًا على الشركات الصناعية والمنظمات الخيرية فى تلك الدول، كما فعل رئيس شركة على بابا الصينية البارزة عندما أعلن عن تزويد الدول الإفريقية بمئات الآلاف من معدات كشف الفيروس وكمامات الوقاية وغيرها.
يبقى القول، إن الذى يسارع بمساعدة الدول الإفريقية على تجاوز تلك المحنة هو الذى سيبقى فى قلوب الأفارقة ومحل تقديرهم وترحيبهم بمنتجاته وصادراته واستثماراته.
وأعتقد أن حظ الصين كبير فى هذا الجانب ليس فقط لأن رئيس على بابا سارع بمد يد العون وإنما أيضًا لأن خبرة الصين فى مواجهة الفيروس ونجاحها فى احتوائه تؤهلها لمساعدة دول إفريقيا على مواجهته، وبذلك تدعم علاقاتها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية معها أكثر وتثبت لها أن الصديق لا يُعرف إلاَّ فى وقت الشدة.
أما إذا تقاعست الدول الغنية وخاصةً الغربية منها التى انتقدت مرارًا ما وصفته بالاحتلال الصيني لإفريقيا عن المساعدة فلا تلومَّن إلَّا أنفسها.