يعرض دكتور حسين مؤنس في كتابه "مصر ورسالتها" أسباب انتشار جملة "مصر أم الدنيا" بتحليل تاريخي لهذه الحقيقة ولو عرف كل مصري قيمة هذه الأرض لما كفاه أن يعمل بيديه وعقله عشرين ساعة كل يوم ليكون جديرًا بالعيش على هذه الأرض المباركة ولد بها نبي الله إدريس وهو أول إنسان كتب الأحرف بيده وفى مصر تم صك النقود لأول مره من آلاف السنوات وللآن تسمى مصاري.
وعاش فيها سيدنا يوسف وسيدنا يعقوب وسيدنا موسى ومريم ابنة عمران والمسيح عليهم الصلاة والسلام جميعًا ومنها ستنا هاجر أم العرب ومنها آسيا زوجة فرعون أول من بشرها المولى بقصر في الجنة ومنها مريم أم إبراهيم وزوجة الرسول عليه الصلاة والسلام وقال عنها المولى الكريم بها خزائن الأرض، وبها الوادي المقدس طوى، وبها تجلى المولى وكلم سيدنا موسى، وقال عنها البلد الأمين وهي البلد الوحيد التي ذكرت صراحة في كل الكتب السماوية، وهي البلد التي تضم خير جند الأرض، وأوصى بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
وعلى أرض مصر بدأ كل شيء الزراعة والعمارة والكتابة والورق والهندسة والطب والعدالة والميزان والحكومة وهنا ولدت الحضارة والتوحيد بالإله الواحد الأحد قرون تمر وآلاف السنوات تمر ومصر في مكانها تنير للعالم الطريق، وتعلم الجميع وترتقي بالبشرية للأفضل.
وكما كانت مصر في كل زمان، كانت أيضًا متواجدة في أكثر من مكان ففي فرنسا المسلة المصرية يفتخر بها الفرنسيون قبل المصريين، وفى متحف اللوفر القسم المصري من أهم الأقسام، وكان جان فرنسوا شامبوليون يقول بعد عودته من مصر أنا شامبوليون المصري.
وفي روما المسلة المصرية وعندما رجع أفلاطون لبلاده من مصر شاهده الناس يتحسس رأسه فسألوه لماذا؟ فقال: "أريد أن أتأكد أن دماغي مازال في مكانه كاد يضيع في مصر"، وعندما وصل الإسكندر إلى الدلتا قال: "أي جنة هذه"، وقال عنها نابليون: "إنها أهم مكان في العالم، ويجب عليها ألا تترك قطرة ماء تذهب للبحر"، وهذا ما نفذه عبدالناصر بالسد العالي وأضاف نابليون أنه يمكن أن تكون هذه الأرض سلة العالم من الغذاء.
وعندما وصل إليها عمرو بن العاص قال: "هذه الأرض شجرة خضراء"، وقال عنها ابن خلدون: "رأيت مجمع الدنيا ومحشر الأمم"، وقال عنها صلاح الدين: "هذه بلد لا يخرج منها إلا مجنون".
وهناك أقوال أخرى كثيرة من شتى البلدان لا تخرج عما سبق، وفضل مصر كبير على الجميع فمثلا الإسكندر الأكبر دخل مصر قائدًا صغيرًا، وخرج منها إلى قمة التاريخ، وكذالك عمرو بن العاص وصلاح الدين؛ فمصر هي التي صنعت تاريخ هؤلاء وغيرهم أمثال بيبرس وقلاوون، وفي مصر نقرأ اسم أول رئيس وزراء في التاريخ وهو "أوني" وزير الملك "بيبي".
ومصر صنعت حضارتها وتاريخها بالعلم والعلماء المصريين؛ بداية من "إمحوتب" المهندس العظيم الذي قام بتصميم مدينة سقارة ذات الأسوار، وكان في الوقت نفسه طبيبًا؛ ولذلك اعتبره الإغريق إلهًا، وبعد ذلك هناك الكثير من علماء مصر في كافة المجالات وصولًا إلى نبوية موسى، والدكتور المشد، وزويل، ومجدي يعقوب، والباز.. وغيرهم، وكانت الإسكندرية منارة للعلم والعلماء الذين أناروا المعرفة في كافة أنحاء العالم، وبالنسبة للعلوم الدينية كانت للكنيسة المصرية والأزهر الشريف المساهمة الكبيرة كل في مجاله.
كل ما سبق وغيرهم كثيرون جزء من الإجابة على السؤال: لماذا مصر هي أم الدنيا؟ لأن أثر مصر وفضائلها على العالم كله كثيرة.
وكل ما سبق مجرد لمحة عن دور مصر عبر التاريخ، ليس فقط في قارتها أو محيطها، ولكن دورها في العالم والكون لخدمة البشرية، هذه هي مصر أم الدنيا، ومن هنا أهمية أن تعرف الأجيال الحالية بلدها، وعلى أي أرض تعيش؛ لأن الماضي ينسج خيوط المستقبل، وفي ضوء التاريخ والجغرافيا تكون ملامح سياسات الأمن والسياسة والاقتصاد والمجتمع المناسبة لهذه الجغرافيا وهذا التاريخ.
كما يفيد ذلك أيضًا في توضيح أهمية الحضارة وتراكمها؛ مما يؤكد إمكانية العودة السريعة لقمة الحضارة مرة أخرى؛ عندما تتوافر الإرادة، والإدارة الرشيدة.
وعاشت مصر أم الدنيا ومنبع الحضارة.