Close ad

قبلة الموت! (2)

19-2-2020 | 21:48

استكمالًا لما بدأناه في المقال السابق؛ تواصل معي عدد من المتابعين؛ ليدلوا برأيهم في القضية التي طرحتها؛ لاسيما أنها قد لمست وترًا مهمًا لديهم.

فالعلاقة بين الأجيال؛ تشهد أبعادًا وأُطرًا متفاوتة؛ قد تتقاطع في حين؛ وتغدو متباعدة في أحايين أخرى؛ خاصة أن هناك فروقًا بين جيل الشباب؛ بما يملكه من طاقة ذهنية وبدنية رائعة؛ وجيل الوسط؛ بما يملكه من خبرات متزايدة ومتراكمة؛ تمكنه من أداء العمل بصورة؛ تبدو أصح.

أبدأ برأي أحد أساتذة الجامعات المتخصص في علم الإدارة؛ حينما أردف قائلًا؛ إن فكر التطوير؛ مطلب مشروع ومرغوب؛ لأن الجمود يعنى الثبات؛ ومن ثم الانكسار بتحقيق خسائر؛ يمكن لنا تلافيها.

ولكن كيفية إتمام التطوير؛ هل بتولي قيادات شابة المسئولية بعد تدريبها على فنون القيادة؛ وخباياها؛ وإذا كان التدريب يتم على أيدي خبراء؛ وهم من يُكسبون الشباب المهارات اللازمة للقيادة؛ فذلك يعني؛ أن الشباب في أمس الحاجة لجيل أكبر؛ أكثر فهمًا ودراية بأبعاد مختلفة؛ لا يعيها الشباب.

وهذا جانب يتم البناء عليه؛ بمعنى؛ أنه لا غنى عن الخبراء المتمثلين في أساتذة الجامعات والمتخصصين في عديد من الشئون المهمة؛ فيقع على عاتقهم؛ مسئولية ضخمة تتعلق بنقل تلك الخبرات إلى الأجيال اللاحقة.

وفي هذا الجانب؛ يمكن أن يبرز أحد الشباب الممتلك لمهارات خاصة اكتسبها عبر الدراسة والتدريب؛ ليحذو حذو أساتذة الجامعات؛ لكن من الصعوبة بمكان أن تتبادل الأماكن؛ فهذا عكس المنطق؛ هكذا كان رأيه؛ وبناء عليه؛ من خلال تدريب الشباب على بعض المهارات؛ يمكن توليهم بعض المسئوليات.

أما الرأي الثاني؛ فكان من أحد القضاة الأجلاء؛ وأكد أن مهنة القضاء؛ صاحبة القيمة والقامة لها ضوابط ومعايير محددة؛ وواضحة؛ وأنه لا بد من سير القاضي بعدة مراحل؛ حتى يكتسب الخبرة اللازمة؛ ليحكم بين الناس؛ وقد يبزغ أحد الشباب من القضاة نتيجة اجتهاده في عمله؛ لكن لا يمكن أن يكون ذلك معيارًا يتم البناء عليه؛ ومن ثم ستظل ضوابط القضاء بتراثها الحضاري؛ قائمة؛ لا يجوز الاقتراب منها.

ونخلص من هذين الرأيين؛ أن تولية الشباب القيادة؛ ستكون بصعوبة ما المساس بالفئتين الجليلتين السابق الإشارة لهما؛ وآرائهما لها كل التقدير والاحترام التام.

ويُفهم أنه يجوز الاقتراب من مهن أخرى؛ قد يستطيع الشباب الانفراد بمقومات الإدارة فيها؛ وهنا أضيف للآراء السابقة؛ وجهة نظر قد تبدو مغايرة.
أتذكر حينما ألححت على والدي – رحمة الله عليه - أن يسمح لي بتعلم مهارة قيادة السيارة؛ فكان عندي شغف كبير بفن قيادتها؛ وبعد استمرار الإلحاح لفترة طويلة؛ وافق أبي؛ وعلمت بعدها؛ أن تأخير موافقته؛ كانت بغرض التأكد من جدية طلبي.

وبدأ في تدريبي على مهارات القيادة؛ بشكل نظري؛ ثم بدأ الجانب العملي؛ الذي استمر لفترة طويلة للغاية؛ أثناءها؛ استمرت قيادتي للسيارة وهو جالس بجانبي؛ ثم تركني أقود بمفردي؛ وهو يتابعني؛ حتى اطمأن تمامًا؛ لقيادتي.

هذه التجربة مر عليها أكثر من ثلاثة عقود؛ أتذكر منها الموقف التالي؛ حينما كنت أقود السيارة ذاهبين لأحد الأماكن؛ هذا المكان يمكن الوصول إليه بأكثر من طريق؛ وقد اخترت أحدهما؛ ففوجئت به يلومني؛ لتفضيلي لذلك الطريق؛ عن آخر يراه والدي العزيز؛ أفضل.

انتهى الموقف؛ حتى عدنا لبيتنا؛ ودار حوار بيننا؛ خلُصنا منه؛ لأنني لا يمكن لي أن أدرك ما يدور بخلده حتى أنفذه وأن خبرتي لا توازي خبرته؛ لأُقرر أي الطرق أفضل؛ الثابت من تلك الذكرى؛ أن خبرات والدي أكبر وأعمق؛ والوصول إليها تستلزم بعض الوقت.

هكذا القيادة؛ تحتاج للخبرات اللازمة؛ لتتمكن من الوصول للهدف المنشود بشكل أسرع وأفضل؛ بما يعني أن الشباب يحتاج لبعض الوقت يختلف من مجال لآخر؛ حتى يكتسب الخبرات اللازمة لتولي مهام القيادة.

ويجوز الإسقاط في مجالات كثيرة منها الطب؛ فالجراح الماهر؛ أضحى ماهرًا؛ وأُطلق عليه لقب الماهر؛ بعد ممارسة الجراحة وقيامه بعمليات جراحية كثيرة للغاية؛ بعد أن اكتسب من خلالها الخبرات المطلوبة.

وأيضًا في الحرف المتنوعة؛ أضف إليها؛ ما يفعله كبار رجال الأعمال؛ حينما يقرر أن يتولى الجيل الجديد من الأبناء مهام الإدارة؛ تراه متواجدًا على مدار اللحظة؛ يعطي خبراته؛ حتى يقتنع بقدرة الجيل الجديد على تولي المسئولية.

.. وفي مقال آخر نكمل ما بدأناه في المقال السابق.

،،، والله من وراء القصد.
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الرحمة

أيام قلائل ويهل علينا شهر رمضان المبارك؛ وأجد أنه من المناسب أن أتحدث عن عبادة من أفضل العبادات تقربًا لله عز وجل؛ لاسيما أننا خٌلقنا لنعبده؛ وعلينا التقرب لله بتحري ما يرضيه والبعد عن ما يغضبه.

الأكثر قراءة