هل تستمتع بإيذاء أصدقائك، وأخوتك، وأقرب الناس إليك؟ بالطبع سيجيب كل منا عن هذا السؤال بشكل حاسم: لا، وفي يقينه إنه لا يمكن أن يفعل ذلك.
ولكن الحقيقة للأسف على العكس تمامًا، فأغلبنا يستمتع بالفعل بإيذاء الآخرين في مختلف المناسبات فيما يسمى بـ«التحفيل»، دون إدراك أو وعي لخطورة ذلك في غرس بذور الفتنة والكراهية بين أبناء المجتمع الواحد.
ويزداد هذا الأمر خطورة بين مشجعي كرة القدم، فعوضًا عن السلوك المنطقي والبديهي بالاحتفال بالفوز، تكون السخرية من المنافس وتحقير لاعبيه ومسئوليه وأحيانًا مشجعيه هي الشاغل الأكبر لأغلب المشجعين عقب كل مباراة.
وبرغم الاعتراف بأن تلك الظاهرة ليست بالجديدة تمامًا، وشهدها أغلبنا منذ أن وقع في غرام تلك اللعبة المجنونة، إلا أن الأمر تفاقم كثيرًا، بل وصل إلى حد التوحش مع دخول مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» بشكل جذري في معادلة التشجيع، فقد باتت فكرة السخرية من المنافس «التحفيل» جزءًا أصيلًا من ثقافة أغلب مشجعي كرة القدم، صغارًا كانوا أم كبارًا، وصارت «حفلات الكراهية» أحد أهم طقوس الاحتفال بالفوز أو خسارة المنافس؛ حتى إن الاحتفال بسقطات المنافسين أصبح أمرًا باعثًا على الفرحة والسعادة، ربما أكثر من فوز فريقهم.
وعقب كل مباراة أو حتى حدث أو ربما قرار يتفنن البعض في ابتكار النكات و«الكوميكس»، ويتناقلها أغلب مشجعي كرة القدم للسخرية من أصدقائهم من أنصار الفرق المنافسة.
وقد يدعي البعض كبرًا أو ظنًا عدم تأثره مطلقًا بالسخرية، وأنه يعتبرها جزءًا ممتعًا من طقوس التشجيع، وإنه يداعب أصدقاءه على سبيل المرح، إلا أن الحقيقة تخالف ذلك، فلن يكون أي منا سعيدًا أبدًا عندما يكون في مرمى «التحفيل»، وقد رأى معظمنا خلافات تصل أحيانًا إلى حد الخصام بين الأصدقاء والزملاء والأهل بسبب «حفلات الكراهية».
ومع التزايد المطرد في أعداد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحنا على موعد دائم، مع «حفلات الكراهية»، حتى إن الأمر لم يعد مقصورًا على التحفيل بعد المباريات، بل امتد الأمر إلى السخرية من أبسط الأمور مثل تصريحات المسئولين، والمواقف والآراء الشخصية للاعبين، وغيرها.
وازداد الأمر خطورة بدخول مسئولين وشخصيات عامة في الصورة، دون أدنى قدر من المسئولية، ودون وعي بخطورة ما يقولون أو يكتبون – كقادة رأي يتابعهم الآلاف وأحيانًا الملايين - فبدلًا من أن يكونوا قدوة إيجابية للشباب الجامح المندفع، أصبح لبعضهم أدوار رئيسية في إشعال نيران الفتنة والتعصب، فتصريحاتهم وتعليقاتهم تحظى بالطبع بمتابعة كبيرة، وللأسف تتلقفها المواقع الإليكترونية بحثًا عن زيادة القراءات «الترافيك».
وقد شاهدنا جميعًا كيف كانت تلك الكراهية بذرة لأحداث مأساوية في ملاعبنا العربية، ولعل أسوأها على الإطلاق هو ما تسبب في وفاة 74 من مشجعي النادي الأهلي خلال مباراة الفريق مع النادي المصري في إستاد بورسعيد المعروفة إعلاميًا بـ«مذبحة بورسعيد 2012».
وربما نلاحظ جميعًا حالة النفور الدائم والكراهية المتزايدة بين جماهير الأهلي والزمالك والإسماعيلي والمصري البورسعيدي في مصر، والهلال والاتحاد والأهلي في السعودية، والترجي والنجم الساحلي والإفريقي والصفاقسي في تونس، والهلال والمريخ في السودان، والوداد والرجاء في المغرب، وغيرها الكثير.
فليراجع كل منا نفسه، وليحاسبها إن كان قد ساهم، ولو بقدر ضئيل في تنامي ثقافة الكراهية بين أبناء الأمة الواحدة، والوطن الواحد، وأحيانًا الأسرة الواحدة.
اقرأ أيضًا: وتستمر الكراهية