Close ad

نادية لطفي ودورها الوطني

4-2-2020 | 20:09

تعرفت على الفنانة نادية لطفي وهي عائدة من بيروت، وكانت قد سافرت للمساهمة في كسر الحصار الإسرائيلي عن المقاومة الفلسطينية، ودعم صمود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ضد المذابح التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي وعملاؤه ضد المقاومة الفلسطينية، والتنديد بالاحتلال الإسرائيلي الغريب والمريب لعاصمة دولة عربية.

كان ذلك في العام 1982، والتقت الفنانة الراحلة بمثقفين مصريين كثر هناك في بيروت، صامدين مع الوجع الفلسطيني، لكن كان معها أيضًا وفدٌ من المثقفين المصريين يضم محمود الخولي والدكتورة ليلى الشربيني وطلعت غنيم؛ هم الأربعة الذين سافروا بعد ذلك بدعوة من المجلس الوطني الفلسطيني لحضور اجتماعاته في الجزائر، وهناك جرى تكريمهم من الزعيم ياسر عرفات.

وفيـما بعد كانت تتذكر باعتزاز زيارة أبوعمار لها في منزلها في شارع النباتات في جاردن سيتي بالقاهرة، وترك لها كوفيته التي لم تكن تفارقه. وفي مرضها الأخير، وقبل أن تدخل المستشفى الذي كان منصتها للرحيل والغياب، أرسل لها الرئيس أبومازن يكرمها باعتبارها جزءًا أصيلًا في تاريخ النضال الفلسطيني..

عادت نادية لطفي من بيروت بصور وفيديوهات توثق الانحراف الأخلاقي والوحشية الإسرائيلية وإراقتهم دماء الأبرياء من النساء والأطفال والرجال العزل في مذابح صابرا وشاتيلا، وعقدت وشاركت في ندوات لعرض تلك الوثائق والتنديد بالمذابح وبالاحتلال.

هذا الدور الذي لعبته نادية لطفي وظلت تعتز به لأيامها الأخيرة، لم يكن محصورًا بالقضية الفلسطينية، لكنه من صميم وعيها وإدراكها بدور الفنان؛ هي قطعًا لم تكن تنفرد بذلك، لكن المؤكد أن تاريخ الفن ينقصه الكثير؛ حيث لم يتم تسجيل سوى شذرات عن نضال الفنانين السياسي وأصواتهم الناعمة والمؤثرة في آن.

دور أم كلثوم في المجهود الحربي وحفلات الفنانين للجنود والسفر إلى الجبهة في حرب 67، وخلال سنوات حرب الاستنزاف، وفي حرب 73 وجمع الأموال والتبرعات، وكانت نادية لطفي في القلب من كل هذه التحركات النبيلة.

لقد تفرغت نادية لطفي للمعركة في 73، حيث تبدأ يومها بالذهاب إلى المستشفيات كالمعادي العسكري وقصر العيني؛ لمساعدة الجرحى والتخفيف من معاناتهم، والجلوس مع المصابين، معها أقلام وأوراق، وتظل تكتب خطابات يمليها عليها الجنود، وتقوم بـتوصيل الخطابات التي تطمئـن الأسر والعائلات على أبنائها المقاتلين، ويجلس معها الأبطال البسطاء لا يصدقون أنفسهم وهم يطالعون ابتسامة النجمة الذائعة الصيت وحديثها لهم وأسئلتها عن أشقائهم وأمهاتهم وخصوصياتهم، كما يسردون لها ما فعلوه في الحرب، وقرب تماثلهم للشفاء، ورغبتهم في العودة للجبهة مرة أخرى.

وفي هذه الأثناء طلبت من وزير الثقافة يوسف السباعي تخصيص زاوية يومية في الصحف لجمع التبرعات، وطبعت "قسائم" وطافت لجمع تبرعات من الشركات والمصانع وسلمتها للدولة، وسجل لها المخرج الكبير شادي عبدالسلام من حدائق المستشفيات - حيث يتماثل الجرحى للشفاء - فيلمًا وثائقيًا بعنوان "جيوش الشمس"، وكان عبدالسلام هو مخرج واحد من أشهر أفلامها "المومياء".

و"جيوش الشمس" آخر أفلام شادي عبد السلام (سيناريو وإخراجًا ومساهمًا في التصوير)، فيلم نادر مدته حوالي نصف ساعة، أنتجه مركز الفيلم التجريبي التابع لوزارة الثقافة، وأدت نادية لطفي دورها في الفيلم متطوعة، وينقل الفيلم مشاهد حقيقية من العبور العظيم..

وفي أيام غزو العراق صورت ـ وهي كانت شديدة الاهتمام بالصورة ـ كل أيام الغزو عبر الشاشات، ولديها في بيتها مئات التسجيلات، وكانت تعي بأن تلك التسجيلات وثائق لا يمكن لجهة أن تتدخل فيها.

ويروي لي الصديق الكاتب أيمن الحكيم - وهو من أكثر الكتاب قربًا من الفنانة الراحلة في السنوات الأخيرة - أنه في بداية معرفته بها كانت تخطط لرفع دعوى قضائية ضد جهاز الموساد الإسرائيلي؛ كان الموساد قد سرب خبرًا بأن نادية لطفي وأخريات تعاونَّ مع الجهاز، في محاولة يائسة لتشويه سمعة فنانات يكرهن العدو ووحشيته ضد الشعب الفلسطيني.

هذه المواقف من نادية لطفي تكشف عن إيمانها بالدور الوطني للفنان، وعن ثقافة اشتغلت عليها وعلى زيادة تغذيتها بالمتابعة والقراءة والانخراط في أوساط المثقفين والفنانين والسياسيين.

هي لم تعوض شيئًا فاتها بقدر ما شاركت في شيء خشيت من أن يفوتها، لأنها أبدت الاهتمام بالقضايا الوطنية وهي في قمة نجوميتها، هي التي مارست دورها الوطني وهي شابة في العشرين، وحتى قبل أن تعمل بالسينما، وكانت فقط "بولا محمد"؛ حيث كانت في المستشفيات خلال عدوان 1956، فأول أفلامها "سلطان" كان في العام 58، واختار لها المنتج رمسيس نجيب اسم بطلة "لا أنام" قصة إحسان عبد القدوس وبطولة فاتن حمامة التي كانت تحمل اسم "نادية لطفي"، ولم تتوقف القناعة بأهمية المساندة عند نادية لطفي، من مساندة أسر الشهداء في الحروب، إلى مساندة الفنانين في أوقاتهم الصعبة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: