Close ad

مكاسب ترامب وروحاني من عملية سليماني

6-1-2020 | 20:57

تهديد إيراني بضرب مواقع أمريكية، ورد من واشنطن بتدمير مواقع إيرانية, هكذا صار التوتر بين طهران وواشنطن على خلفية اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في عملية مباغتة قامت بها الولايات المتحدة فجر الجمعة؛ لترسي بها مبدأ جديدًا في الصراعات بين الدول؛ وهو استهداف قيادات فاعلة وكبيرة في الأنظمة، وبلا شك أن العملية نوعية بكل المقاييس العسكرية، ونجحت بها واشنطن في هز النظام الإيراني؛ بل وزلزلته, لكن بحسابات أخرى فإن هذه العملية بالنظر إلى توقيتها وأهدافها ونتائجها يمكن القول أنها حققت لكلا النظامين مكاسب كبيرة على الصعيد الشعبي الذي يلعب دورًا محوريًا؛ سواء في بقاء ترامب أو الرئيس الإيراني حسن روحاني.

فإذا كان الرئيس الأمريكي ترامب أراد في الظاهر من وراء هذه العملية كسر شوكة إيران، وإحراج نظامها في المنطقة و"مرمطة" كرامتها في الأرض؛ عبر اغتيال الرجل الثاني في قمة الدولة الإيرانية، إلا أنه أراد أيضًا تقديم هذه العملية هدية للناخب الأمريكي الذي يستعد للتصويت مرة أخرى على انتخاب ترامب لولاية ثانية؛ وليؤكد بها أنه القائد القوي القادر على حماية أمن الأمريكيين؛ بل والعالم، فقد تخلص قبل شهور من زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي، وبهذا يصبح أمام شعبه ذلك الرئيس الذي يحمي أمريكا من شرور مثل هؤلاء الذين يستهدفون الأمريكيين؛ حسب ما تروج له الإدارة الأمريكية.

وبرغم مكاسب ترامب من العملية، فإن طهران أيضًا خرجت من هذه العملية رابحة بدعم الشارع الإيراني الذي كان يغلي منذ أسابيع رفضًا لسياسة التقشف والغلاء الذي اجتاح البلاد، وقد راح ضحية هذه الاحتجاجات مئات المتظاهرين، إلا أن النظام وجد في اغتيال سليماني طوق النجاة من الغضب الشعبي الذي يضرب البلاد منذ شهور، إذ تحول مع اغتيال سليماني إلى حشود داعمة للنظام ضد الولايات المتحدة؛ حتى إن واشنطن بوست قدرت القوافل البشرية التي خرجت لتشييع جنازة سليماني بأن طولها تجاوز ٣٥ كيلو مترًا.

وبعيدًا عن حرب الشعارات وصراع البيانات بين طهران وواشنطن، إلا أن كلاهما يدرك كلفة الحرب ويعي تداعياتها الكارثية ويوقن آثارها على الشارع، فلا الرئيس الأمريكي وإدارته - بل الكونجرس - يرغبون في إشعال حرب مع إيران، ولا النظام الإيراني يريد الدخول في صراع مع أمريكا يعلم أنه سيأتي على الأخضر واليابس في البلاد التي أنهكتها العقوبات الاقتصادية.

الإيرانيون يجيدون لغة التهديد والوعيد على غرار "محو إسرائيل من على وجه الأرض"، وفي المقابل تقوم إسرائيل بدك حصون الجيش الإيراني في سوريا كل يوم، ولا ترد طهران حتى برصاصة واحدة, ومن يتابع ردود أفعال القيادات الإيرانية عقب اغتيال سليماني سيلحظ فيها التضارب ما بين ما يؤكد أن الرد الإيراني سيكون على مواقع عسكرية أمريكية، وآخرون يقولون إن الرد سيكون من خلال ما أسموه بمحور المقاومة في المنطقة, وخطاب ثالث يؤكد أن الرد سيكون في أي مكان في العالم.. ورابع يقول إنه لن يكون سريعًا.

وفي تقديري أن الرد الإيراني ربما لا يتجاوز بعض العمليات الفردية التي لا ترتقي إلى عمل عسكري كبير، وربما يكون من وكلاء إيران في المنطقة.

وإذا كان الأمريكان وإيران قد تقاسموا أرباح عملية سليماني؛ فإن العرب كالعادة هم من يتجرع الخسارة، ويدفع فاتورة أطماع نظامين كلاهما يستهدف المصالح العربية، والنيل من مقدرات شعوبها، وقد تحولت الأراضي العربية في العراق وسوريا واليمن إلى ساحة حرب بالوكالة بين الدول الطامعة بسبب هذين النظامين، ودفعت شعوب هذه الدول دماءها وأموالها، وتَشَرَد أطفالها ونساؤها بفعل أطماع أمريكا وملالي إيران, ولا يخفى على أحد أن سليماني الذي اغتالته أمريكا كان حليفًا لها في غزو العراق؛ لكن حين تضاربت المصالح وتصادمت حركة النفوذ فالبقاء للأقوى.

.. هي إذن لعبة المصالح القذرة في لغة السياسة ما بين طهران وواشنطن، ولن تتجاوز التصريحات وبيانات التهديد والوعيد.. لكن يبقى العرب هم الخاسرون حتى في معارك "الكلام".

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة