Close ad

هل تتواصل الأجيال .. أم تتصارع؟!

18-12-2019 | 18:19

ما بين الطفولة والكهولة سنوات كثيرة، وطويلة، وبرغم ذلك قد تكتشف في وقت ما أنها مرت كلمح البصر، فعلى مر مراحل الحياة، تمر بمواقف تتعلم منها، ومنا من يجعلها سبيلًا للتراكم، مستخلصًا منها الدروس والعبر، لتكون زاده المعين له في حياته.

فمنذ اللحظة التي تقرر فيها أمرًا ما، وتنتقل من مرحلة تلقي الأمر من ولي الأمر، لمرحلة تقرير أمرك، سواء في مأكلك أو ملبسك أو حتى مشربك، تبدأ الشخصية في التشكيل، والتوجه نحو أبعاد وأٌطر، تختلف من شخص لآخر، باختلاف البيئات التي نشأ فيها؛ لأنها تكون معولًا رئيسيًا في تشكيل الوعي.

ورويدًا رويدًا، تظهر ملامح الشخصية، مؤدب، ملتزم، مجتهد، مخلص، دؤوب، صادق .. إلخ ، أو العكس، والبيئات تتكون من الأسرة، والجيران، والمدرسة، وهي العناصر الحاكمة لتشكيل الوعي في المراحل البدائية، ثم تزداد، لتشمل وسائل الإعلام، بكل روافدها.

من صحافة وإذاعة و تليفزيون، وسينما ومسرح، ثم وسائل التواصل الاجتماعي، وكلها عناصر مؤثرة، بدرجات متفاوتة، ومع تطورات الحياة، تباينت العناصر المؤثرة في تشكيل الوعي، وأضحت نابضة، ومهيمنة.

ففي الماضي، كان الأب هو المصدر الأساسي والصحي للاستعلام والاستفهام، وكان يشاركه المدرس هذا القدر بدرجة تالية، ويأتي بعدهم آخرون مثل الجار، العم، الخال، .. إلخ.

اليوم تغيرت الأحوال، وكذلك المصادر، وباتت هناك وسائل مختلفة تمامًا، لتلقي المعلومة، ومن ثم تشكيل الوعي المرتبط بتكوين الشخصية، ومن هنا يمكن تفسير مقولة "الجيل الحالي، مختلف عن الأجيال السابقة، كان هذا الكلام يٌردد دائمًا، عند اختلاف الأجيال، حتى إن سيدنا علي رضي الله عنه، قال قولته الشهيرة، نحن نربي أبناءنا لزمن غير زماننا.

لذلك كانت هناك دائمًا درجة من التباين قد تبدو واضحة بين الأجيال، وكانت في حدود المقبول، إلا أن الحادث مع الجيل الحالي، مغاير بدرجة كبيرة جدًا، لاسيما، أن التباين، أضحى كبيرًا للغاية.

وأطلقنا جميعًا سهام النقد اللاذعة على الجيل الحالي، وأسهبنا في كيل الاتهامات لهم، ويكفي مشاهدة بعض منهم والاستماع لألفاظهم البذيئة، أو محاولة التحاور لتصويب بعض المفاهيم، فتكون النتيجة صادمة.

منذ فترة شاهدت حديثًا لافتًا، بين فتى لم يتجاوز العشرين، ورجل تنبئ هيئته بأنه على مشارف الـخمسين، كان الرجل يعنف الفتى بسبب ملبسه الغريب، قائلًا له لا يصح أن تلبس هذه الملابس التي تظهر من جسدك أكثر ما تخفي، فكان رد الفتى شديد الوضوح، هذه سمة من سمات الموضة الخاصة بجيلنا، وأننا جيل مختلف عن جيلكم في كل شيء، الاهتمامات، والنشاطات.

فكان الرجل ذكيًا في رده، حينما قال له، إنه لم ير شابًا آخر يرتدي ما يرتديه هذا الفتى، بما يعني أن مبرر الفتى واهٍ، لم أكمل ملاحظة باقي الحديث، ولكني تساءلت، كيف خرج الفتى من بيته بهذا الشكل، وكيف جاءته الجرأة ليسير به أمام الناس؟

ثم تساءلت، هل نحن معنيون بما أصاب هذا الجيل المختلف، أم أننا وضعنا رءوسنا في الرمال، وتركناه ليواجه مصيره بمفرده؟

وهل العلاقة بيننا وبين الجيل الحالي، هي علاقة تواصل أم تصارع؟

هل يجلس الأب مع أبنائه ويحاورهم، لينالوا من معين خبرته عبر سنواته الماضية، أم شغلته الحياة، بطنينها؛ ليوفر لهم درجة من المعيشة الجيدة؟ وهل المعيشة الجيدة أهم من غرس القيم والمبادئ التي تمكنهم من الحياة بشكل سليم؟

هل يجد الشباب الوافد على العمل، اليد الحانية التي تعلمه وتكسبه المهارات اللازمة لأداء العمل بالحرفية المطلوبة، أم يجد من المضايقات وما شابه ما يكدره، معتمدًا على كفاحه وصموده من أجل إثبات ذاته، ثم نلومه على أي تقصير قد يحدث!

هل يقوم المدرس بدوره التربوي، أم شغلته الحياة ببهائها ووهجها، ونسي أنه يعمل تحت لواء وزارة التربية، نعم التربية والتعليم، وهل ننظر لهذا الجيل أنه امتداد لجيلنا، وبالتالي ما أصابه هو من صنعنا، أم أنه نبت شيطاني، نشأ من العدم؟

هناك ظواهر سلبية كست هذا الجيل، والغريب، أن هناك من يتحدث عنها، معتبرًا إياها نتاج الحداثة، والحداثة بريئة منها، براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

لذلك فإنني أرى العلاقة بين الجيل الجديد والقديم أشبه بالتصارع منها بالتواصل، لذا نحن في حاجة شديدة لإعادة تقييم الأمور لتصويبها، قبل فوات الأوان.

والله من وراء القصد ،،،،

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الرحمة

أيام قلائل ويهل علينا شهر رمضان المبارك؛ وأجد أنه من المناسب أن أتحدث عن عبادة من أفضل العبادات تقربًا لله عز وجل؛ لاسيما أننا خٌلقنا لنعبده؛ وعلينا التقرب لله بتحري ما يرضيه والبعد عن ما يغضبه.

الأكثر قراءة