Close ad

الحياة اليومية للمصريين على "فيسبوك"

19-12-2019 | 18:52

يمكن لأي باحث أن يرصد الحياة اليومية للمصريين بتتبع ما يكتبون على الفيسبوك؛ بل ويمكن القول إنه ساحة الطبقة المتوسطة على كل لون وغالبًا ما يكون (الشير) بلا منطق؛ وبالتالي لا يصبح (الترافك) معيارًا للقياس على السخط أو الرضى بالكتابة.

أصبحوا أصدقاء لبشر لم يلتقوا أبدًا، لبشر تصلهم الحروف في ثوان.. لبشر يرحبون بالكلمات في كل وقت وحين.. لمن يلامسون نبض القلوب من رعشات تلك الحروف.. لمن يقرأون بين السطور الأوضاع والأوجاع.

وقد استبدل المصريون صفحات الوفيات بالأهرام وسرادقات العزاء بالفيسبوك، وكذلك تبادل التهاني بورود أعياد الميلاد والزواج، ولكن في القرارات الحكومية يمكن رصد المظاهرات الافتراضية الصامتة بالسخرية الموجعة مثلما كتب أحدهم أن فاتورة الكهرباء جاءت بـ ٨٠٠٠ جنيه !!!!! غالبًا نسينا نقفل المفاعل النووي تحت الحوض! وعندما نتكلم كلنا أصحاب مبادئ.. وعندما نعمل كلنا أصحاب مصالح، وتقابلهم اللجان الإلكترونية بالهجوم العكسي، وهناك الأوصياء الجدد ينصحون طول الوقت بالهدوء وعدم النقد ويصل حد النقاش معهم إلى أن الآخرين لا يفهمون وأن الكواليس معقدة والظروف صعبة والتحديات كبيرة، ومطلوب الدعم والمساندة بدون نقاش أوفهم، وأن حالات الفساد ما هي إلا مواءمات وتوازنات مطلوبة ويعتمدون استخدام مصطلحات مركبة يصعب معها تأطير الموقف.

وهناك حالات للتنمر والتخوين، وهناك دائمو الشكوى، وهناك السيلفي على الشواطئ وفِي المستشفيات والأفراح وحفلات عيد الميلاد.

وليلة الخميس يتحول الفيسبوك لمنصة سلفية، كما في نهار شهر رمضان؛ بينما يتحول لمولد في المساء في الخيم الرمضانية؛ بينما راح بعضهم يستخدمون الفيسبوك بدلًا من الخاطبة باستعراض الحسب والنسب والانحناءات، وطلب الدعاء بالشفاء للمرضي ومن في غرف العمليات.

وعلى العكس هناك حسابات مزيفة رجال يزعمون أنهم نساء والعكس، أما الطامة الكبرى في الخبراء في الطب والأدوية والطبيخ، وهناك من يتباهى بسيارة أو الكومبوند الذي يقيم فيه، أو بالساعات والشنط.

والفيس ساحة للماركات والبرندات وأخطر ما نعانيه هي حالة الغضب الداخلي التي نعيشها ولا ندركها.. أصبحنا نكره أي شيء وكل شيء.. أصبحنا نشمت من أجل الشماتة.. نكره من أجل الكره.. نسب ونلعن فقط لإخراج طاقات سوداء حولنا لم نكن نعلم حتى بوجودها..

أصبحنا نتلذذ في إخراج أسوأ ما فينا.. لا نغفر ولا نتسامح وننتظر أن يخطئ أي شخص حتى ننهال عليه ونسبه ونلعنه! أصبحنا القاضي والجلاد.

 الفيسبوك هو مجتمع افتراضي قاتل للعفوية والتلقائية والسلاسة والبساطة، وعاشق للعقد والكلاكيع والمظاهر والتصنع بامتياز، تلتقي مع بشر لأول مرة، ومنهم من لم تشاهده من زمن وتتعرف على آخرين وتقرأ ما تحبه وتمر على الآخر، وتكتب ما تشاء، ولأن الفيسبوك هو مرآة الطبقة الوسطى فهناك الحقيقي والمزيف.

وبشكل عام بات مكانًا للفضفضة وفي أحيان كعنبر المجانين كل يكتب ما يشاء على الحائط!.. وهذا هو الخطر الحقيقي.. تدمير الدولة الحقيقي يبدأ من تدمير المواطن وليس العكس.. وهذا ما نعلمه لأطفالنا دون أن ندري..

لن نسترجع بلدنا إلا عندما نسترجع أخلاقنا، والبرود بات نضجًا، والبعد عن أي موقف يتسبب في التوتر نضج، وعدم الإقدام على أي رد فعل تجاه من يتعمد استفزازك.. نضج.. والصمت في أوقات كثيرة واختيار البعد كوسيلة لراحة البال ليس هروبًا ولا ضعفًا منتهى النضج! ويظهر التناقض من هؤلاء الذين يشتكون طوال الوقت من السوشيال ميديا ومحل إقامتهم المختار بجوار روتر الإنترنت والبرلمان عند رواد الفيسبوك مثل النيش في جهاز العروسين ولكن وجوده ضرورة.. اتقاءً لكلام الناس.

والنصيحة لكل رواد الفيسبوك من الجنسين، خاصة للآنسات والسيدات عدم قبول أي رجل أو دون المستوى الفكري والاجتماعي ليس ترفعًا، ولكن الأقل لا يستوعب الهزار والضحك وصور حفلات ورحلات المصيف والصور العائلية ولا داعي لنشر صور تسيء وتضر أكثر ما تنفع خاصة بعدما أصبح الفيسبوك يقدم خدمة جديدة اسمها الشقط! وكل ١٠ ثوان هناك راجل مصري بيرتاح لامرأة أخرى، وأنها غير كل الستات التي عرفها، وأنه يعرفها من زمان! وبالنسبة للرجالة لا تقبل إضافة أي امرأة.. فربما تكون رجلا مثلك، وطبعًا حدث ذلك؛ لأن الجواز كان نصف الدين، ولكن بعد ما تجاوز جرام الذهب الـ ٦٠٠ جنيه ومتر الشقة وصل أكثر من ٨٠٠٠ جنيه أصبح الجواز - كما بالحج - لمن استطاع إليه سبيلا! والراجل المتجوز لما يعرف واحدة يقول لها.. متجوز ولكنه غير سعيد، متجوز ولكنهما منفصلان متجوز، ولكن من أجل الولاد، متجوز ولكنها قصة طويلة وكلها مبررات للخيانة.. ويظهر التناقض من هؤلاء الذين يشتكون طوال الوقت من السوشيال ميديا، بينما الفيسبوك هو محل إقامتهم المختار، وترد سيدات الفيس على كل مبررات التحرش بالقول لو التحرش سببه الفقر؛ لماذا يتحرش المدير؟ ولو سببه تأخر سن الزواج؛ لماذا يتحرش المتزوج؟ ولو سببه جسم المرأة؛ لماذا التحرش بالأطفال؟ ولو التحرش سببه ملابس المرأة؛ لماذا التحرش بالمنتقبة؟ ولو التحرش سببه الجهل؛ لماذا يتحرش المدرس؟ وتبادر جماعات أنصار الرجل على الصور السياسية للنساء مع بعضهن ومع المشاهير بالقول إنهن يشبهن طابور العرض أمام النيابة!!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
مصر الغريبة بأسمائها

الزائر لمصر لأول مرة لن يصدق أنه في بلد عربي لغته العربية فمعظم الأسماء للمحال والشوارع والمنتجعات، بل الأشخاص ليس لها علاقة باللغة العربية وباتت القاهرة

مصر تخطت الفترة الانتقالية

جاء حين على مصر كانت شبه دولة عندما تعرضت لهزة عنيفة ومحنة سياسية واقتصادية قاسية، عقب ثورتين تخللتهما موجات إرهابية تصاعدت فى ظل غياب وانهيار لمؤسسات

ثوار ما بعد الثورة

لابد من الاعتراف بأن كل ما في مصر الآن نتيجة مباشرة لأحداث ٢٥ يناير بحلوه ومره، فأي إصلاح هو ثمرة مباشرة لشجاعة ووعي ودماء شرفاء سالت لتحقق حلم الأمة في

الأكثر قراءة