Close ad

"رييوا" والشرق الأوسط.. رؤية ميدانية

15-12-2019 | 17:46

بإقرار إرسال قوات الدفاع الذاتي اليابانية للشرق الأوسط، يوم الجمعة الماضي، تطبق طوكيو، فعليًا، أحقيتها في استخدام القوة المسلحة في الدفاع لتمييز سياستها الخارجية، في عصر الـ"رييوا"، الذي بدأ في أول مايو عام 2019 - عما سبقه.

قبل أن أسافر إلى اليابان في أوائل شهر نوفمبر الماضي، تلقيت دعوة من نائب رئيس نادي المراسلين الأجانب بطوكيو، للحديث أمام أعضائه عن "اليابان والشرق الأوسط .. رؤية ميدانية".

هذا النادي الصحفي العريق، الذي تأسس في عام 1945، تربطني به علاقة قوية، منذ 18 عامًا، بدأت بعضوية عاملة لمدة أربع سنوات، فور تعييني مراسلا لـ"الأهرام" باليابان، في شهر ديسمبر من عام 2001، وتلك مكرمة عظيمة وفرتها الصحيفة الموقرة لي ولمن سبقني في المهمة نفسها.

ثم منحني النادي عضوية شرفية حتى تاريخه، بحكم زياراتي المتكررة لطوكيو، واستضافتي لمرات - فيما بعد، كمتحدث عن التطورات في مصر وفي منطقة الشرق الأوسط، وأقطاره العربية، على وجه التحديد، طوال العقدين الماضيين.

أعددت ورقة باللغة الإنجليزية لتقديمها أمام الندوة، غير أن اختيار توقيت عقدها في الصباح الباكر ليوم رحلة العودة للقاهرة حال دون إلقائها، ومن هنا.. قرر المنظمون توزيع الورقة على أعضاء النادي المهتمين بمنطقة الشرق الأوسط.

في الورقة حاولت المزج بين الرؤية الميدانية، التي أتابعها عن قرب ليس – فقط - لكوني مواطنًا وصحفيًا مصريًا – عربيًا، يعيش الأحداث والتطورات المتلاحقة، والدرامية، في منطقة الشرق الأوسط، على مدى ستة عقود ونصف العقد من العمر، ولكن – أيضًا - كمراسل وكمراقب للتطورات في اليابان على مدى عقدين.

ملخص ما جاء في الورقة: تتمتع اليابان بسمعة طيبة في علاقتها مع دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط، عمومًا، لسبب رئيسي يعود إلى عدم وجود ماضي استعماري لها بالمنطقة، من ناحية، وكذلك الإنجازات التكنولوجية والاقتصادية والسياسية الهائلة التي حققتها، والأهم، هو اتباع سياسة الحياد، والحرص على أن يسود السلام والأمن لضمان تدفق بترول الشرق الأوسط لأسواقها.

في الوقت نفسه، يرى بعض المحللين أن العلاقات البينية بين اليابان ومنطقة الشرق الأوسط تتسم بالقدم والاستمرار والتأرجح، صعودًا وهبوطًا، ولم تصل حتى وقتنا هذا إلى المستوى المرجو منها، وبقيت في حدود ضيقة طوال النصف الثاني من القرن العشرين، بمعنى "البترول مقابل السلع اليابانية" بدون إعطاء الاهتمام الكافي للبعد الثقافي.

حسب الأمين العام المساعد لاتحاد رجال الأعمال العرب، طارق حجازي، تراجع حجم التجارة "اليابانية - العربية" - مثلا - من 169 مليار دولار، ليصبح 121 مليارًا في عام 2018، وهو ما يمثل 7% فقط من حجم تجارة اليابان الخارجية.

في حين توجد فرص استثمارية هائلة في مجالات تكنولوجيا المعلومات ومشروعات الطاقة المتجددة والصناعات الدوائية والبتروكيماوية ومشروعات الطرق والمواني، بالإضافة إلى الاستثمار في المجال السياحي ومرافقه، وزيادة حركة السياحة اليابانية إلى الدول العربية لما تتمتع به من مناطق جاذبة للسياحة.

الإحصائيات اليابانية الرسمية لعام 2019، تشير إلى أنها دولة ليست – فقط - فقيرة في الموارد الطبيعية، وتستورد 100% تقريبًا من احتياجاتها البترولية، وحصة تدفقها من الشرق الأوسط - عبر مضيق هرمز - تصل إلى 87%، بل أيضًا تعد اليابان هي الأولى في قائمة الدول الأكثر اعتمادًا على بترول المنطقة، تليها الدول الأوروبية بنسبة 23.8% والولايات المتحدة بنسبة 21.8%.

في العام الماضي، عبرت 500 ناقلة بترول يابانية مضيق هرمز، بمعدل أكثر من ناقلة في اليوم، وهذه الناقلات تقترب من ثلث عدد السفن التجارية اليابانية (1700)، التي اجتازت مضيق هرمز في عام 2018.

في شهر يونيو الماضي، هوجمت ناقلتان للبترول بالقرب من مضيق هرمز، إحداهما مملوكة لشركة يابانية، وتسببت هذه الهجمات - والتي تلتها - في ارتفاع تكاليف النقل البحري والتأمين على السفن، وانتقلت التكلفة المتصاعدة إلى المستهلكين، وهدد الاقتصاد العالمي، وفي مقدمته الاقتصاد الياباني.

تاريخيًا، كانت الولايات المتحدة تتعهد بضمان انسياب الملاحة البحرية وعدم تهديد تدفق البترول عبر مضيق هرمز، غير أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالب الدول المستوردة، ومنها اليابان بأن تدخل في تحالف لمواجهة الهجمات على الناقلات.

فيما وافقت العديد من الدول على الانخراط في التحالف الأمريكي - رفضت اليابان، وقررت التحرك بطريقة مستقلة، وفقا للمادة 4 من قانون إنشاء وزارة الدفاع، التي تقتصر على إجراء الأبحاث وجمع المعلومات، بمقتضى هذه المادة، وافق الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم على اقتراح الحكومة اليابانية - حسب ما أشرت في مقدمة المقال، على إرسال قوات إلى منطقة الشرق الأوسط، تضم مدمرة لقوات الدفاع الذاتي البحرية، واستخدام طائرة، والتخطيط لإرسال 200 جندي من القوات البحرية، و50 آخرين من القوات الجوية، في مهمة جمع المعلومات وتأمين سلامة الممرات المائية في المنطقة.

من المتوقع أن يتم نشر القوات اليابانية فى بحر العرب، قبالة سواحل اليمن، لتفادي أي احتكاك بإيران فى مضيق هرمز أو الخليج العربي، وذلك لرغبة اليابان فى الاحتفاظ بمسافة متساوية بينها وبين إيران والولايات المتحدة، حتى تسطيع لعب دور الوساطة، أو على أقل تقدير نقل رسائل بين الطرفين.

كان مسئول بالخارجية الإيرانية قد صرح مؤخرًا بأن الرئيس حسن روحاني يقدر الجهود الدبلوماسية التي تلعبها الحكومة اليابانية، على أمل التوسط بين طهران وواشنطن، لتخفيف التوترات فى منطقة الشرق الأوسط، وأبدى روحاني رغبة في زيارة اليابان في أواخر شهر ديسمبر 2019 على أقرب تقدير.

للتذكير، ليست هذه هي المرة الأولى التي تقرر فيها اليابان إرسال قوات الدفاع الذاتي إلى منطقة الشرق الأوسط، فقد سبق لطوكيو اتخاذ مثل هذا القرار التاريخي في العراق عام 2003، وسحبت قواتها في عام 2010.

بقي أن أشير إلى أنه من المتوقع أن تواصل اليابان اتباع الحياد في سياستها الخارجية مع منطقة الشرق الأوسط في عصر الـ"رييوا"، وتحافظ على موقفها الثابت بضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وتساند الجهود الدولية في مكافحة التطرف والإرهاب.

أيضًا، من المأمول أن تواصل اليابان مساعدة دول منطقة الشرق الأوسط لتنمية مواردها الاقتصادية والبشرية، بدون التدخل في شئونها الداخلية، أو السعي لفرض أجندة سياسية خاصة، وتقدم المساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة المتضررين من النزاعات المتفاقمة في المنطقة.

في المقال المقبل - بإذن الله: "رييوا".. قمة التناغم والانسجام بين القاهرة وطوكيو.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة