Close ad

آفة هذا الزمان؟!

11-12-2019 | 20:14

قديمًا قال أمير الشعراء أحمد شوقي، يوم افتتاح نقابة الصحفيين في مصر في مارس من عام 1941: لكل زمان مضى آية .. وآية هذا الزمان الصحف .. لسان البلاد ونبض العباد.

ولو عاش شوقي لجعل الإنترنت آية هذا الزمان، بل آفة هذا الزمان، فلم يكن أحد يتخيل يوما أن توشك شمس الصحف الورقية على المغيب، لتحل محلها وسائل التواصل الاجتماعي عبر تقنيات الاتصال الإلكتروني، التي تحمل معها عناصر الفورية والتفاعلية وتعدد الوسائط والتحديث على مدار الساعة دون أي عوائق زمانية أو مكانية..

فحين نعلم، مثلا، أن عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم تجاوز اليوم الـ4 مليارات شخص، وأن برنامج "واتس آب" يستخدمه حاليًا ما يقرب من 1.5 مليار مستخدم، ويقدم خدمته بأكثر من 50 لغة، فمن الطبيعي التسليم باندماج حياة الناس الرقمية بحياتهم الحقيقية، وأن تتحول هذه الوسائل إلى لسان البلاد ونبض العباد.

هذا التحول الكبير جعل التواصل بين الناس أسهل وأسرع، وجمع شمل أصدقاء الطفولة والنشأة والدراسة والعمل، الذين تفرقت بهم سبل الحياة، وساعد على سهولة التواصل أنه لم تعد هناك حاجة للشكل التقليدي للرسائل البريدية أو الاتصال بالهاتف، أو حتى التواصل عبر البريد الإلكتروني، بل بمجرد تداول رموز وإشارات وأشكال!!

فما أسهل أن تختار رسم قلب ووردة، لترسله لمن تحب، أو ابتسامة ضاحكة ردًا على نكتة أو بوست ضاحك تلقيته من صديق، وتبقى إشارة "لايك" هي الأشهر تعبيرًا عن الإعجاب، بما قاله أو كتبه صديق لك على تويتر أو فيسبوك أو الواتس آب، وغيرها من عشرات الرسومات والإشارات.

وبرغم كل هذه المزايا، فإن برامج الدردشة قد لا تحمل السعادة للجميع، فقد تسهم أيضًا في توتر العلاقات بينهم، فمن يرسل برسالة قصيرة أو بجملة عبر هذه البرامج، أو يكتب "بوست" على صفحته قد ينتظر عادة إشارة الاستحسان أو الرد المصحوب بـ"لايكات" وربما يُمنّى نفسه بمناقشات بناءة، لكنه يشعر بالإحباط عندما لا يحدث ذلك..

ما يعنى أن هذه الوسائل قد تصيب الكثيرين بالتوتر والقلق، وهو ما انتهت إليه دراسة مهمة أجراها باحثون عام 2015، بمركز "بيو" للدراسات، بواشنطن، إلى معرفة ما إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي تزيد من حدة التوتر لدى المستخدمين، أكثر مما تخففها.

والمشكلة أن الكثيرين لا يدركون أن المحادثات عبر الفضاء الإلكتروني، تفتقر للعديد من العناصر المهمة في المحادثة، إذ لا يمكن قراءة تعبيرات وجه من تخاطبه ولا تحديد مدى اهتمامه بالإنصات لما تقول، كما يصعب أيضًا تحديد ما إذا كان يشعر بالملل، أو ربما لا يفهم بعض الأمور التي تتحدث عنها؛ لذا فلا مبرر لقلق البعض وتوترهم من ردود أفعال أصدقائهم الإلكترونيين.

في وصفه لطبيعة التفاعل الاجتماعي، يرى عالم الاجتماع إرفينج جوفمان صاحب نظرية "عرض الذات" أن وسائل التواصل الاجتماعي، وفرت منصة عريضة لمزاولة عرض الذات من خلال "بروفايل" المرء ومدوناته وبوستاته و"سيلفيهاته"، "فالأصدقاء والمتابعون على فيسبوك بمنزلة الجمهور الذي يعرض المرء جزءًا من ذاته أمامه، إما لكسب رضاهم، أو لإقناع ذاته بصورته التي يود أن يكون عليها.

واليوم صار مدعاة لـ"المنظرة" لدى البعض حجم تفاعلات "أصدقائهم الإلكترونيين" مع مدوناتهم وبروفيلاتهم، وقد ذاع صيت الكثيرين ونالوا شهرتهم في زمن قصير، كالممثلين أو الرياضيين وغيرهم، وبعدما كانوا يطاردون الميديا التقليدية، فيما سبق لتتبع ونشر أخبار المشاهير منهم، صارت الميديا تكاد تلاحق أخبار صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي!!

وقد صدقت نبوءة رسام أمريكي يدعى آندي وورهول، حين توقع في أواخر ستينيات القرن الماضي بظهور وسيط إعلامي، يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، بمقولته الشهيرة: "في المستقبل، سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط"!

لكن برغم المزايا العديدة التي أضفتها وسائل التواصل إلى حياة الناس، إلا أن إدمانها صار وسيلة لـ"التقاطع الاجتماعي" مع أقرب الأقربين داخل الأسرة الواحدة، فغالبية أفراد الأسرة الواحدة، خاصة الشباب منهم، صاروا في حالة "فصام" مع محيطهم الاجتماعي، و"توحد" مع أصدقائهم الإلكترونيين"!!

لاشك هناك علاقات كثيرة توترت بسبب برامج الدردشة، وبدلا من أن تكون وسيلة للتنفيس بين الناس، فكثيرًا ما تتحول التعليقات على مدونة أو "بوست" إلى موجة لا تنتهي من التوتر والضغوط، بسبب "عدم التوافق الإلكتروني" لمجرد اختلاف وجهات النظر.

والعلاقات الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة لم تسلم من ذلك، فقد خلصت دراسة كندية عام 2014 حول الغيرة على موقع فيسبوك، إلى أن بيئة فيسبوك خلقت لدى النساء مشاعر الغيرة، خاصة في حالة إضافة أزواجهن أصدقاء من الجنس الآخر على حسابهم على فيسبوك، وعززت لديهن مخاوف بشأن مدى قوة علاقاتهن بشركائهن.

أيا كانت الآثار السلبية لكل وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يمكن إنكار أنها أصبحت لسان حالنا، الذي أوجد في حياتنا نوعًا جديدًا من المشكلات لا ينجو منها إلا عاقل، والعاقل هو من يستخدمها ولا تستخدمه.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
قصص إنسانية من الأولمبياد

البطولات الرياضية، وفي الصدر منها الأولمبياد، ليست مجرد ساحة لجني الميداليات، بل قد تكون فيها الكثير من القصص الإنسانية، فوراء كل بطل عظيم قصة رائعة..

الناجي الوحيد بعد "انقراض البشر"!

لم يعد الحديث عن نهاية العالم مقصورًا على تنبؤات السينما العالمية، بل إن كورونا ألهبت خيال البشر أنفسهم ودفعتهم إلى توهم نهاية العالم..

قبل أن تصبح أحلامنا لوحات إعلانية!

ربما يستيقظ أحدنا في المستقبل القريب، من دون مرض أو علة، ولسان حاله يقول: أنا مش أنا ، أو قد يراه أقرب الأقربين له بأنه لم يعد ذلك الشخص الذى نعرفه.. دماغه تغيرت.. أحلامه تبدلت

صيام "هرمون السعادة"!

وصفوه بأنه هرمون السعادة ، باعتباره الهرمون الذي يفرزه المخ بعد الحصول على المكافأة ويكون سببًا للشعور بها، لكنهم يصححون لنا هذا المفهوم اليوم، بأن دوره

أنف وثلاث عيون!

هناك قصة شهيرة للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس تحمل هذا العنوان، لكننا هنا نتقاطع مع عنوانها في الاسم فقط، فعيون إحسان عبدالقدوس كن ثلاث نساء تقلب بينهن

أول فندق في الفضاء!

ربما يصبح حلم السفر في المستقبل في رحلات سياحية، بالطبع لدى فصيل من أثرياء العالم، ليس إلى شواطئ بالي أو جزر المالديف أو البندقية، بل إلى الفضاء.. نعم إلى الفضاء، هذا الحلم سيضحى حقيقة فى عام 2027!

الجلد الإلكتروني!

يبدو أن عالم تكنولوجيا المستقبل ستحكمه "الشرائح"، لكن شتان بين مخاوف من شريحة زعم معارضو لقاحات كورونا بأنها ستحتوي على شريحة لمراقبة وتوجيه كل أفعالك،

..واقتربت نهاية كورونا!

لم يحظ لقاح من قبل بجدل مثلما حظي لقاح كورونا، لأسباب كثيرة، أولها السرعة التي تم بها التوصل إليه، على عكس لقاحات لأمراض أخرى، ربما مضى على تفشيها مئات

يوم بدون محمول!

هل فكرت يوما التوجه إلى عملك من دون هاتفك المحمول؟ قد يفكر في ذلك من أنفق عمرًا في زمن الهاتف الأرضي، لكن من نشأوا في زمن المحمول سيرون الفكرة ضربًا من

أيهما الأكثر طرافة .. الرجال أم النساء؟!

على مدى التاريخ تحفل حياة الأمم بسير الظرفاء، وتتسع هذه المساحة لتشمل أشخاصًا خلدهم التاريخ، إما لفرط سذاجتهم كأمثال جحا، أو لكثرة دعاباتهم وكتاباتهم و"قفشاتهم"

إلا المخ يا مولاي!

رغم أن المخ كان ولا يزال لغزًا يحير العلماء، فإن الدراسات ما زالت تتوالى لفهم هذا العضو الرئيسي في الجهاز العصبي لدى الإنسان، والذي يتحكم في جميع الأنشطة

عبيد مايكروسوفت!!

في عام 1995 نُشرت رواية بعنوان "عبيد مايكروسوفت" تشبه تمامًا رواية جورج أوريل 1984، غير أن الأخيرة ذات أبعاد سياسية، أما الأولى فهي ذات أبعاد تكنولوجية،

الأكثر قراءة