تصادف استماعي لإحدى الإذاعات المصرية؛ أثناء توجهي للعمل؛ وكان المذيع يستضيف أحد الضيوف العاملين بأحد المناصب المتعلقة بخدمة العملاء في بنك ما؛ كان الحوار يدور في سياق عادي؛ حتى سأل المذيع الضيف عما يواجهه الضيف في عمله.
فجأة انبرى الضيف يعدد المضايقات التي تواجهه؛ وكلها في إطار حنقه على ما يجد من العملاء؛ وأنهم يطلبون أمورًا غريبة من عينة؛ طلبهم إنهاء معاملاتهم فور تقديم الطلب الخاص بها؛ وبدأ الرجل يستعرض وجهة نظره في الدفاع عنها؛ وأنه من غير المنطقي إنهاء كثير من الإجراءات في وقتها.
وأعطى مثالًا عفويًا؛ ولكنه أثبت به رعونته وأمثاله في التعامل مع مقتضيات وظيفته؛ فقد تحدث عن أحد العملاء من أصحاب الودائع الكبيرة؛ عندما قام العميل بمراجعة حساباته وجد نقصًا بعدد من الجنيهات؛ فطلب منه توضيح سبب هذا النقص؛ فتعجب الموظف من طلب الرجل؛ لأن الفائدة التي حصل عليها كبيرة جدًا مقارنة بالنقص الضئيل الموجود؛ وبعد محاولاته إثناءه عن طلبه؛ تمسك العميل بحقه؛ وهو ما جعل الموظف يعمل عليه لمدة لا تقل عن ربع الساعة.
بعدها أوضح العميل للموظف؛ أنه هكذا حافظ على ماله ونماه؛ هنا انتهى الموقف؛ وبدأ الموظف في توضيح مدى سخافة الأمر، وأنه اضطر لمجاراة العميل وهو يرسم ابتسامة باهته حتى ينتهي الموقف؛ وكان للعميل اتهامات من عينة أنه وأمثاله يمثلون عبئًا عليه؛ وأن سيادة الموظف الموقر يضطر للتعامل مع هذه "الأشكال" كل يوم؛ وأضحى يكره عمله بسببهم.
الغريب؛ كان رد المذيع عليه؛ فقد طالبه بتحمل أعباء عمله؛ وتجاهل؛ أن يدافع عن حق العميل، وهو الطرف الغائب في الحوار؛ لاسيما أنه لم يتجاوز حدوده وجل ما فعله؛ كان المطالبة بحقه؛ وتناسى الموظف الموقر؛ أن راتبه وأمثاله؛ يتقاضاه نتيجة تعامل هذا العميل وأمثاله مع البنك؛ وأنها مقتضيات وظيفته التي حصل عليها؛ وهناك مئات الآلاف يتمنون فرصة مثلها؛ وتحتم عليه خدمة العملاء بمهنية وحرفية التي بات يفتقدها.
وتخيل أنه متميز؛ ولا أعرف سر هذا التميز؛ الذي جعله يتصور؛ أن العميل على باطل وهو على حق.
هذا الحديث لفت نظري لفكرة خدمة العملاء بشكل عام وفي البنوك بشكل خاص؛ فحينما تطلب خدمة من البنك؛ عليك اتباع كثير من الإجراءات البيروقراطية العقيمة؛ والمقيتة؛ وصولًا لتحقيق طلبك؛ حتى تكاد تشعر أنك تتعامل مع آلة و ليس بشرًا.
وفي هذا السياق؛ أروي هذه الواقعة؛ في أحد الأيام قمت بسحب مبلغ من أحد ماكينات الصراف الآلي؛ ثم دخلت البنك لإتمام معاملة مالية؛ كانت تقتضي دفع رسومها؛ وفجأة رفضت الموظفة قبول إحدى أوراق النقد؛ متعللة باهترائها؛ فقلت لها إني سحبتها من ماكينة الصراف الآلي الخاصة بالبنك حالًا؛ فقالت إن ماكينات الصراف ليست مسئوليتهم؛ وإنها لا تستطيع تقديمها لعميل آخر!
استفزني الموقف؛ حتى وصل الأمر لمدير الفرع؛ وبعد جدال أخذ الورقة النقدية؛ وتعجبت من ضياع كل هذا الوقت في معاملة بسيطة للغاية!!
وهذا ينقلنا لواقع أكثر غرابة؛ كل ماكينات الصراف الآلي تقريبًا بلا استثناء؛ يمكن أن تُخرج أوراقًا نقدية معيوبة؛ ولكنها تأبي أن تتلقاها!
برغم أنه قد صدر قرار مؤخرًا؛ برفض التعامل مع أوراق النقد التي يغلفها رسومات أو شعارات وما شابه؛ وأيام وعادت ريما لعادتها القديمة؛ وأضحت أوراق النقد المرفوضة متاحة للتعامل بين الناس؛ وهنا أتساءل؛ متى يعود لأوراق النقد المصري رونقها المفقود؟
لماذا لا يتم جمع كل الأوراق المهترئة وتغييرها بأفضل منها؛ وهل التكلفة الاقتصادية كبيرة لدرجة تأجيل هذا القرار؛ أما الأكثر غرابة؛ فهو سماح البنوك بخروج هذه الأوراق من خزائنها ودسها وسط الأوراق السليمة؛ وقد تكتشف ذلك لاحقًا؛ دون مراعاة الأمانة المهنية التي تحتم على البنوك احترام عملائها واحترام تعاملاتهم! وهو ما نفتقده بصدق.
لذلك يجب مراجعة كثير من آليات التعامل بين البنوك من خلال موظفيها؛ مع العملاء؛ بالدرجة التي تحافظ على حقوقهم؛ وهناك أمثلة أخرى؛ نستعرضها في مقال قادم.. والله من وراء القصد،،،
[email protected]