Close ad

دارين خليل وأخواتها

17-11-2019 | 12:59

في المسيرة المصرية الحديثة احتلت قضية المرأة جانبا ملحوظا فيها، فبدءا من النهضة الاقتصادية المصرية التي غرسها الوالي محمد على استمرت قضية المرأة تظهر وتخبو مع التقدم أو التراجع المصاحبين لهذه المسيرة الوطنية.

يسجل التاريخ اهتمام الوالي الألباني بتعليم بعض النساء المصريات عندما افتتح مدرسة المولدات وأعطاها اهتماما خاصا بالرغم من اعتراض التيار المصري المحافظ حينذاك وتحديدًا بعض علماء الأزهر الشريف على هذا العمل " المنافي لتعاليم الأديان وللتقاليد الشرقية".

منذ ذلك التاريخ والمرأة المصرية تحقق التقدم خطوة خطوة ولو أن الخطوات كانت باستمرار بطيئة للغالية ولكن تتعادل مع التقدم المصري العام. البطيء هو الآخر.
ذلك لا يعني عدم وجود مواقع تاريخية معينة حدثت فيها قفزة تبدو نوعية كبيرة نستمر نسجلها ونفخر بها كتلك القفزة الاستثنائية التي حدثت مع ثورة 1919 أو مع ثورتي 25 يناير و30 يونيه.

وهو ما يشير إلى ارتباط تطور المرأة بحركة المجتمع الذي تعيش فيه، عندما يتقدم المجتمع تنشط نساؤه ويتقدمن معه، ولا يمكن للنساء أن يحققن أي تقدم ملموس يتمتع بالاستمرارية في مجتمع راكد وساكن الحركة، كما لا يمكن إنكار أن تطور المرأة يتلازم دائمًا مع تطورها وتقدمها في مجالين أساسيين؛ أولهما مجال التعليم الذي يؤهلها لحراك اجتماعي في الأساس، وثانيهما هو تطور سوق العمل الوطني ومدى استيعابه لقوة عمل نسائية منظمة ومستقلة.

وبالنسبة لسوق العمل؛ فإننا لا نعتبر كل أشكال العمل الزراعي عملا يدفع إلى التقدم في التطور العام للنساء في أي مجتمع، فالعمل النسائي الزراعي الذي يتم في إطار الأسرة وغير المدفوع الأجر ليس هو المستهدف، وإنما نعني العمل الزراعي الذي تؤديه النساء بشكل مستقل عمليًا وماليًا؛ وهو ذلك العمل الزراعي الذي بدأنا التعرف عليه في المناطق المستصلحة الجديدة؛ حيث نجد نساء عاملات زراعيات ينتقلن من قرية إلى أخرى، ويحصلن على أجرهن بعيدًا عن ولي الأمر أو الزوج.

وبالرغم من الظروف العامة التي تحيط بحركة النساء في المجتمع فإننا نشهد أحيانًا نماذج تبهرنا وتضطرنا إلى أن نقف ونتساءل كيف حققت هذه العناصر هذا التقدم وسط المعوقات العامة المحيطة بها، خاصة إذا حققت هذه العناصر تقدمها في مواقع غير سياسية تحتاج إلى قرار علوي في ملاءمة مع التزامات عالمية يطالب بها المجتمع الدولي من كل المجتمعات الإنسانية.

من هذه العناصر التي تشكل استثناء، تأتي الطالبة دارين خليل وأخواتها في ست جامعات المصرية؛ دارين التي خرجت من صفوف كلية إعلام جامعة القاهرة لتنتخب رئيسة لاتحاد طلبة أكبر وأقدم جامعاتنا المصرية - جامعة القاهرة - لابد لنا أن نحترم تجربة دارين خليل وأخواتها؛ لأنهن خرجن عن المألوف وتم انتخابهن من مجتمع طلابي يمثل فيه الطلبة الذكور الغالبية، في حين تمثل الطالبات الأقلية العددية.

وهن بالفعل يمثلن استثناء؛ لأننا وإن كنا نراقب تقدمًا في قضية المرأة فيما يخص وصولها إلى المواقع السياسية بالقوائم التي لا تعني التحقق من الاختيار العام للمرأة كمواطنة ينتخبها الرجال كما النساء؛ فالمواقع السياسية التي تحتلها النساء بالقرار السياسي تمثل قدرة القيادة العليا في البلاد لفهم المشكلات الاجتماعية التي تقف عائقًا أمام وصول النساء إلى ذات المواقع السياسية بنفس العدد بالانتخاب والاقتراع، فتجنح القيادة إلى استخدام طريق القرار ولو إلى حين.

ولكن في حالة دارين وأخواتها، يمكن القول إن وصولهن إلى هذا الموقع تم بناء على إرادة جماهيرية مقتنعة بأهمية دور المرأة في المجتمع، وبأهمية مشاركتها المجتمعية في مواجهة مشكلات المجتمع، بالفعل لم يتم انتخابهن بناء على وجود تيار ديمقراطي عام نامي من الرجال والنساء على قناعة بدور المرأة في المجتمع، ولكن لابد من الإقرار بأن ثمة تغييرًا ثقافيًا يحدث في المجتمع يسمح بظهور هذه الاستثناءات الاجتماعية.

تشير هذه الحقيقة المفترضة أننا لابد من العمل مع نادين وأخواتها على الاستفادة من وجودهن في هذا الموقع للدفع إلى إنماء هذا التيار الذي نحتاج إليه في كل المواقع السياسية والاجتماعية العامة، فأهمية هذا التيار الذي جاء بنادين وأخواتها إلى المراكز القيادية في اتحادات الطلبة تكمن في أنه تيار شبابي له المستقبل المصري.

تحتاج دارين وأخواتها إلى المساندة، ليس للترحيب بهن بوصولهن إلى رئاسة اتحادات ست جامعات فحسب؛ وإنما لمساندتهن في تحقيق كل ما يمكن ان يخدم حركة الطلبة في الجامعات، وبما يساعد على تنمية وتقوية تيار يقتنع بأن المرأة تستطيع العمل كقيادة وشريكة في صياغة مستقبل هذا الوطن، وبحيث تزحف هذه الأفكار المتقدمة والاستثناءات إلى جامعات الصعيد ومع زيادة عددهن في مجالس الاتحادات مع مرور الوقت.

وقد أثبتت نتائج انتخابات الاتحادات الجامعية لهذا العام أن صعود المرأة إلى المواقع القيادية لا يتم من فراغ، وإنما هو محصلة لجهدها المتواصل في المواقع المختلفة لمدد زمنية كفيلة باعتراف الجميع بها، ولقد صرحت اثنتان من هذه القيادات الجديدة بأنهما استمرتا تعملان في الأنشطة الجامعية الطلابية لسنوات، وهن يسعين لتحقيق جماهيرية حقيقية تستند إلى واقع عملي حتى وصلن في انتخابات عام 2019 إلى المقاعد القيادية في مجالس الاتحادات.

لذا فالقضية في كل الحالات ليست في مدى تقبل المجتمع للمرأة، ولكن في ذات الوقت في مدى ما تقدمه المرأة للمجتمع حتى يعترف بها، إنها قضية مجتمعية تعتمد على مبدأ الأخذ والعطاء، ولكن في مناخ متحرك ديمقراطي منفتح.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
القرية المصرية

عشنا زمانا ونحن نتابع سياسيينا يتحدثون عن ازالة الفوارق بين القرية والمدينة. كما عشنا وتابعنا اعدادا من المثقفين المصريين الذين سافروا للدراسة فى الخارج

الريف المصري في مشروع قومي

استمرت الحكومات المصرية منذ زمن طويل تقدم لنا برنامج إدخال مياه الشرب النظيفة الى الريف المصرى كأحد مشاريعها الكبرى. اتذكر عام 1950 العام الذى شهد آخر

الدولة والهوية المصرية

تحدث الرئيس السيسي في الندوة التثقيفية الـ32 للقوات المسلحة عن أهمية الحفاظ على الدولة المصرية التي تفرض حمايتها علينا جميعًا من أي تدخل قد يصيبها من العدو

الاحتياج لنمو دور المجتمع المدني

ربما تكون المرة الأولى التى يقف فيها الشعب المصرى موحدا أمام قضية داخلية تفرض عليه من جانب غير عسكري. وعندما نشير الى وحدة الشعب المصرى فإننا نعنى جميع

المسلسل الذي تابعته طوال الشهر الكريم

تعرفت على الصحفي صالح مرسي عام 1956، كان صديقًا لزوجي، وبالتالي ارتبطت عائلتانا بصداقة، دعمتها فيما بعد عضويتنا في التنظيم الطليعي؛ التنظيم السياسي لعبدالناصر.

"نقفل الشباك واللا نفتحه؟!"

أستعير هذا العنوان من عبارة وردت في إحدى مسرحيات الراحل لطفي الخولي في ستينيات القرن الماضي ولاقت استحسانا جماهيريا واسعا، والعبارة كانت "أقفل الشباك واللا أفتحه؟!".