أيام قليلة ويهل علينا المولد النبوي الشريف، وكعادة المصريين منذ العصر الفاطمي، نشهد احتفالات وطقوسا أساسية خاصة بهذه المناسبة، من أهمها شراء حلاوة المولد، الممثلة في عروسة أو حصان أو قطع الحلوى المختلفة بألوان مبهجة تغمرها المكسرات، وينتشر بيعها هذه الأيام من خلال شوادر الحلوى وبعض المحلات التجارية والمجمعات الاستهلاكية.
التاريخ حمل إلى مصر عادات جميلة تميز احتفالاتها الدينية والتاريخية، وترتبط غالبا بمأكولات وطقوس لا توجد إلا في مصر، إلى الحد الذي أجمع فيه المغتربون خارج أراضيها على أن الاحتفالات بمثل هذه المناسبات لا يشعرون بها إلا في مصر، لما تمتلكه من حفاوة بتلك الأيام المباركة وصبغة تاريخية أصيلة وبهجة في إحياء الذكرى.
وعن ارتباط حلوى المولد بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف، يجمع خبراء التراث على أنها عادة ترجع في أصلها إلى الفاطميين أصحاب الريادة في إدخال كثير من المظاهر الاحتفالية في مصر.
تاريخ حلاوة المولد
يقول الباحث الأثري المتخصص في الآثار الإسلامية والقبطية، سامح الزهار، إن الفاطميين هم أول من صنعوا حلوى المولد، حيث كان لديهم مسألة الترويج السياسي لحكمهم وليس الترويج الديني، فهم يقومون بدارسة طبيعة وطبائع الشعوب التي يخرجون إليها، من وجهة نظر اجتماعية، وبمعرفتهم بطبيعة الشعب المصري، وحب المصريين للاحتفالات، وليست الأسلحة والحروب، ومن خلال آليات العصر الموجودة في هذا الوقت، استغلوا هذه النقطة كنوع من التودد والترويج لسياستهم.
ويوضح "الزهار"، أن الفاطميين كانوا يقيمون احتفالات بجميع المناسبات الدينية، مثل الاحتفال بآل البيت والمولد النبوي، وقاموا بعمل مخازن لصناعة الحلوى، وقبل مولد النبوي بشهرين تجهز الحلوى وتوزع مجانا على الشعب، وعندما زادت الاحتياجات بدأ ظهور محلات لبيعها، وحلويات المولد كانت تسمى "العلاليق"، لأنها كانت تعلق على أبواب المحلات التجارية في سوق مخصوص للحلويات كان يسمى سوق الحلوين، ومن ثم أصبحت عادة سنوية مستمرة حتى يومنا هذا.
قصة الحصان والعروسة
ويشرح الباحث الأثري، قصة حصان المولد، قائلا: هناك رأيان حول أصل حصان المولد، الرأي الأول، أنه يمثل الخليفة صاحب الفتوحات والانتصارات، وهو يجلس فوق الحصان ويحمل السيف، أما الرأي الأخر، في وقت الحاكم بأمر الله، منع جميع الاحتفالات في مصر لمدة طويلة وأبقى الاحتفال بالمولد النبوي فقط، ومن أهم الاحتفالات التي ألغيت هو الاحتفال بالزواج، واستغل المصريون يوم احتفالات المولد النبوي لإقامة حفلات زفافهم، وهناك كانت رمزية الحصان تمثل العريس الذي استطاع أن يقتنص عروسه في هذا اليوم، فكانت تقوم العديد من الزيجات في هذا اليوم، منوها أنه يميل للرواية الأولى.
أما عن عروسة المولد، يوضح "الزهار"، أن المؤرخين أرجعوا أنها كانت تمثل زوجة الخليفة، وكان هناك أكثر من 1000 شكل لحلويات المولد، ولكن العروسة والحصان هم الأشهر لما يمثلون من فرحة، لافتا إلى أن الاحتفالات بالمولد النبوي مرت بالكثير من المنعطفات التاريخية والسياسية والاجتماعية، وأصبحت شكلا من أشكال الصبغة الدينية، وفي مصر الخديوية انتقل من الاحتفال الشعبي للاحتفال الرسمي مسئول عن تنظيميها وزارة الأوقاف.
عام لم يحتفل به المصريون بالمولد
ويتابع الباحث الأثري: "عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت، لم تحتفل مصر بالمولد النبوي في هذا الزمن بسبب المشاكل الاقتصادية التي كانت تعاني منها البلد، ومن ثم حاول نابليون التودد لكسب المصريين لاستمالتهم بالاهتمام بكل الاحتفالات الدينية وعلى رأسها المولد النبوي، وأرسل مبلغا ماليا للشيخ البكري نقيب الأشراف، مطالبا منه صناعة حلوى المولد بهذه الأموال، وأعطاهم الطبول لاستخدامها في المواكب والاحتفالات.
ويؤكد الباحث سامح الزهار، أن الكثير من الحكام حاولوا بشتى الطرق القضاء على جميع مظاهر الاحتفالات التي أقامها الفاطميون، بدعوة أن هناك حروبا ولا يوجد وقت للرفاهية، ولكن كان في باطن الأمر هدف سياسي، للقضاء على كل الظواهر الاجتماعية بالعصر السابق لمحو فترة حكم الفاطميين من ذاكرة المصريين، ولكن الشعب المصري أبى أن يتخلى عن هذه الاحتفالات والعادات، وظلوا متمسكين بها حتى يومنا هذا.