قالوا زمان: "إللي يحسب الحسابات في الهنا يبات"، واليوم يستطيع الإنسان قياس عدد أنفاسه وهو يجلس على المقهى، ويعرف كيف يحسب درجة سعادته بالضبط، ويتاح له حاليًا شراء سوار من البلاستيك يرتديه حول معصمه، يحتوي على تقنيات متقدمة، تقيس مؤشرات أجهزة جسده كنبضات القلب وإشارات المخ، وتحدد له نسبة الأكسجين في الدم وغيرها من القياسات، وذاع صيت هذا السوار حين كان يرتديه الرئيس الأمريكي السابق أوباما، وتداولت صورته وسائل التواصل الاجتماعي.
وصار الميزان من بين المقتنيات الرئيسية والضرورية للإنسان، وأحيانا كثيرة يرافقه كظله أو يلتصق به، ولا يمكنه الاستغناء عنه، ويستطيع قياس درجة غضبه ونسبة توتره، ويوجد الميزان في هاتفه المحمول وفي مركبته على هيئة بوصلة تحدد وجهته، ويرادف البوصلة حديثًا بعض استخداماتها في شكل متطور مثل خرائط جوجل أو مايسمي بـ "جي بي أس"، ويحمل معه كذلك ميزان يقيس كمية الأمطار وسرعة الرياح.
والميزان هو مجموعة من ملايين القوانين، وتستخدم وسائل مختلفة، لتضبط عناصر الطبيعة، وتساعد كل عنصر منها في الحفاظ على بقائها، وتضمن سلامة دورة حياته، ومن بين تلك القوانين الحاكمة، يظهر قانون الجاذبية ومن خلاله تدور الأرض في فلكها حول نفسها وحول الشمس، وتسبب حركة دورانها في استمرار الحياة عليها وفي تعاقب النهار والليل، وهناك قوانين وميزان تسير حياة الإنسان، مثل حتمية توافر نسبة كبيرة من الماء في جسم الإنسان، قد تصل إلى 60% من وزنه، لتبقى على استمرار حياته، وتتوزع نسبة الماء بدرجات متفاوتة بين الدم والعظام والجلد وفي غيرها من باقي أعضاء الجسم.
وحتمية تنصيب الميزان أو استخدام وسيلة للقياس، يعد ضمانا لحقوق كل كائن في هذا الكون، فإنه لا يعقل مثلا ولا يقبل أن يدفع شخص ثمن 30 جرامًا لقطعة ذهبية، ويكون وزنها الحقيقي 20 جرامًا، ولا يحق أن يعيش مواطن في درجات كبيرة من الرفاهية، ويموت آخر من الجوع، وهنا لابد أن تتدخل القوانين لتقيم العدل بين أفراد المجتمع الواحد.
وتخطت الثورة الرقمية ما تعارف عليه الإنسان من الميزان التقليدي الذي يحدد وزن الكتلة لدى الباعة، وأتاحت هذه الثورة لإنسان العصر الحديث قياس كل ما يدور في فلكه، وما يحدث في داخله، ولم تترك الثورة الرقمية مجالا إلا ووضعت لها ميزانًا، فقد اخترع الإنسان ملابس ذكية لقياس درجة حرارته، وأخرى تبعث له درجات من البرودة في أوقات حر الصيف.
ولأهمية الدور الحيوي للميزان في كافة شئون الحياة، حددت هيئة الأمم المتحدة 20 مايو عام 1875 يومًا عالميًا للقياس، ووضعت له المواصفات والضوابط وشملت كل مناحي الحياة من نبات ومناخ، ولم تغفل حتى المؤشرات المعنوية من شفافية وكراهية، والدول تحسب نموها الاقتصادي بناء على هذه المؤشرات، ومنها الميزان التجاري، وعندما يشير إلى عجز في اقتصادها، يعني ضعفًا في إنتاج الدولة والعكس صحيح.
ومن ناحية أخرى لا يمكن اللاحق بالتقدم الصناعي دون الالتزام بمقاييس الجودة، ولذا أنشأت الدول هيئات للمواصفات والمقاييس تتبع وزارات الصناعة، أما اتجاهات المجتمعات وآرائهم وضعوا علماء الاجتماع والإعلام ضوابط وقوانين لقياسها، وأسست لها الحكومات كياناتلها تسمى بمراكز قياس الرأي العام والاستطلاع.
والهدف من ترسيخ مفاهيم القياس ومبادئ الميزان داخل المجتمعات هو إقامة العدل والحكم بالقسط، وحين يشعر الإنسان بوقوع خلل ما في نفسه أو فيما حوله، فعليه أن يبحث داخل محتويات كفتي الميزان.
Email: khuissen@yahoo.com