مازال حديثى موصولا عن ظاهرة تفشى وازدياد نسب الطلاق في مجتمعنا المصرى، وفق إحصاءات وبيانات رسمية حكومية مسئولة وأمينة، ومع أن الحديث في هذه الظاهرة يثير الشجن، وبكاء الفؤاد قبل مقلتى العين، إلا أننا ينبغي الاعتراف بوجودها، والعمل على علاجها، واستئصالها من جذورها بمجتمعنا، كل في موضعه، واختصاصه، وما والاه الله من مسئولية في هذا، ولنا أن نتخيل حجم الكارثة بمصر، في أنها الأولى عالميا في معدلات الطلاق، وأن حالة طلاق واحدة تحدث كل 4 دقائق، فيما وصلت حالات "الخلع" ببلادنا عبر المحاكم أو الطلاق خلال العام 2015 فقط إلى أكثر من ربع مليون حالة انفصال؛ كما رصدت الأمم المتحدة ارتفاع نسب الطلاق بمصر من 7 - 40% خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات في مصر إلى 4 ملايين مطلقة.
بادئ ذي بدء ينبغي الاعتراف بأن الطلاق حكم الله وشرعه الذى فرضه وشرعه في ديننا لمن استحالت بينهما العشرة الزوجية، وانقطع بينهما حبل المودة والرحمة والعيش بكنف مشترك، وأن ننظر إليه بالرضا والتسليم، لكن شرعنا الحكيم جعله آخر الحلول، وسبقه بتوجيهات عظيمة يكفل بتطبيقها ندرة الطلاق وقلته، من ثمة كان تأكيدنا وتشديدنا بأن التزامنا بديننا وشرعه وأوامره ونواهيه، كفيل بعصمتنا من الوقوع في الزلل، والأخطاء، وخراب الدين، والنفس، والمال، والأهل، والأولاد، والبيت، والمجتمع.
وكانت ورقة ديننا الحنيف المبارك العلاجية لهذه الظاهرة، التي وضعها منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة في قرآننا، وسنة نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم وتعاليمه، كما في قول ربنا سبحانه: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيرا"، وأمر نبينا لنا بألا نبغض خُلق نسائنا، تأليفا لقلوبنا عليهن: " لا يفرك مؤمن مؤمنة، أن كره منها خلقا رضي منها آخر"، بل يزيد قدوتنا صلى الله عليه وسلم الأمر وضوحا، فيأمرنا صراحة بالاستوصاء بنسائنا خيرا، مبينا ضعفهن، وقلة حيلتهن، وحثه على التغاضي والصفح، وأمره بالحلم والصبر عليهن، فيقول: "استوصوا بالنساء خيرا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء"، وتقريره صلى الله عليه وسلم لرجال أمته: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله"، بيد أنه إذا استحالت العشرة كان تدخل شرعنا الإسلامى الحكيم، وإباحته للطلاق بضوابطه، كما في قول ربنا تعالى: "فَإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، وقوله عز وجل: "وإن يتفرقا يغن اللَّه كلا من سعته"، وفي قول الحبيب: "ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق".
هناك الكثير من الأسباب التي بها تكثر نسب الطلاق بمجتمعنا، أوردها علماؤنا، الشرعيون، والاجتماعيون، والتربويون، أحببت ذكرها لعل الكثير منا يدركها، متجنبا الوقوع فيها، رحمة بآلاف البيوت التي تهد ظلما، وعدوانا، وجهلا، وتعصبا، واستكبارا، واتباعا لشياطين الإنس والجن، وانسياقا لعادات وتقاليد وتعاليم بالية، ما أنزل الله وشرعنا بها من سلطان، واتباعا لثقافة مزيفة تبث إلينا عبر وسائل الدراما المختلفة المتخلفة، وعبر ما يصدره لنا التغريب الحادث والفاعل النشط بعقول شبابنا فتياتنا، ورجالنا ونسائنا، منها: عدم الاختيار السوى سواء للزوج أو الزوجة، وتدخل الأهل والأقرباء في شئون الزوجين تدخلا سافرا، وإفشاء أسرار المشاكل الزوجية، وحينما صار الأزواج لا يغفرون الزلة، ولا يقيلون العثرة، ولا يسترون العورة، والندية والتنافس القائمة بالحياة الزوجية بين الزوجين، وكأنها حرب بينهما، والفتور والرتابة التي تصيب الكثير من البيوت بعد مرور فترة من الزواج، وغيرها من الأسباب.
وختاما أسوق إليكم دستورا للسعادة وفن المعاملة الزوجية -وما أروعه من دستور- من خبيرة الشئون الأسرية أمامة بنت الحارث الشيباني، التي أضحت وصاياها منهجا تربويا ودستورا أسريا عندما وصت ابنتها ليلة زفافها قائلة لها: "أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال، أي بنية: إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليك رقيبا ومليكا، فكوني له أمة يكن لك عبدا وشيكا، واحفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا، أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة، وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع عينه وأذنه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النائم مغضبة، وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير، وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرا، ولا تفشين له سرا، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما والكآبة بين يديه إن كان فرحا".. وربنا يهدى.. ويعافينا من خراب البيوت.
[email protected]