سؤال محير يطرح كثيرًا، وهو لمن يسمع الشباب اليوم، هل عمرو دياب هو النجم الأكثر جماهيرية، أم تامر حسني، أم حماقي..؟ّ الحقيقة أن الحالة الغنائية في مصر تنقسم إلى فئات، فئة تحب عمرو دياب، ويفضلون سماعه أو مشاهدته كحاله في الحفلات، لا يهم إن كان يغني لبرج الحوت أو برج الحمل أو العذراء.. المهم أنه يغني، وخاصة في حفلات الساحل، وفئة تبحث عن نوع آخر من الغناء كشف عنها مهرجان الموسيقى العربية بمحكى القلعة، جمهور غفير ذهب ليستمتع بغناء وموسيقى المطربة التونسية غالية بن علي، هي تغني كل ألوان الغناء الصوفي والراي، وبالفصحى والعامية، ولها طريقتها في الأداء الحركي، نجحت في أن تكون لها قاعدة من الجماهير من سن 16 عامًا وحتى الـ60 عامًا، وهي تحيي حفلات محكى القلعة للعام الخامس.. تغني لابن عربي والفارض، وبأداء رصين.
هذه الحالة تدفعنا لطرح الكثير من الأسئلة، لمن يسمع شباب اليوم؟.. ولماذا يقبل كثير منهم على حفلات مطربين أمثال مدحت صالح وغالية بن على.. والشيخ ياسين التهامي الذي شارك أيضا في حفلات محكي القلعة وبنجاح منقطع النظير.
الإجابة ببساطة أن هناك حالة صدق بين هؤلاء وبين الشباب، غالية بن علي تغني لجمهور لا يجد أزمة في الحصول على تذكرة بثمن زهيد، وهنا نشيد بدور وزارة الثقافة والأوبرا التي توفر هذا النوع من المهرجانات، وتدعمها برغم أنها مهرجانات سنوية تقام لمرة واحدة، وتتحول لهؤلاء إلى عيد سنوي ..
ومنها تسجل الحفلات وتذاع على قنوات التليفزيون المصري؛ بل ومنها ما يذاع على الهواء مباشرة، ومن لم يستطع الذهاب إلى القلعة يستمتع بأصوات مثل مي فاروق، ومحمد محسن، وغيرهما..
هناك نوع من الغناء والموسيقى يبحث عنه الشباب في أي مكان، ليس صحيحًا أن الغناء الأجنبي أو المهرجانات هي التي سيطرت، فأغاني المهرجانات لها نوعية من الجمهور، ما يمكن تسميتهم جمهور الميكروباص أو التوك توك، لكن من يحب سماع أغنيات وموسيقى أصيلة يبحث عنها في الأوبرا، أو في ساقية الصاوي، أو محكى القلعة، ما زالت هذه الأماكن ملتقى لجمهور محب للكلمة ..
وقد سئلت غالية بن علي عن السر في نجاح حفلاتها.. فقالت إنها دائمة البحث والتنقيب عما يحبه الشباب من أغنيات وموسيقى، عربية أصيلة، ولم تكن في البدايات تجيد الغناء بالفصحى؛ لكنها تعلمت وبحثت في دواوين الشعر عما يمكن أن يقدم للشباب بدون تعقيد.. والمثير للدهشة أن الغناء في مهرجانات الموسيقى له سميعة، من كل الأعمار.
ومن هنا أطالب وزيرة الثقافة أن تعمل على إقامة مهرجانات موسمية في كل محافظات مصر، يحييها هؤلاء المطربون أمثال مدحت صالح، ومحمد الحلو، وعلي الحجار، وغالية بن علي، ومي فاروق.. وغيرهم من مطربي الموسيقى العربية الأصيلة.. فهو طريق لإحياء تراثنا العربي من الغناء، وبه ما يمكن أن نحارب ما يسمى بأغنيات المهرجانات.. ونعيد شبابًا محبًا للموسيقى العربية، شباب لا يمكنه دفع تذكرة حفل جنيفرا لوبيز، أو يسمع حتى عن حفلات الساحل الشمالي.