Close ad

حقيقة العلاج بالوهم!!

21-8-2019 | 17:56

هناك ظاهرة تكاد تنفرد بها بعض الفضائيات المحسوبة على العربية ظلمًا وعدوانًا، ألا وهي الترويج لعلاجات وهمية التأثير، والمصيبة المؤكدة أن المروجين لها يعلمون تمامًا أنها وهمية لا تأثير لها، ومع ذلك مازالوا مُصرين على استنزاف الجيوب والاستهتار بالعقول..

فلم يدخر مروجو الوهم العلاجي الفضائي جهدًا للعب على أوتار حاجة الناس للعلاج، فهذه وصفات لا حصر لها تضلل الناس بكلمات رنانة وتسوق لهم بسوء نية تجارب "جهلاء" آخرين لعلاج السكر نهائيًا مثلا ــ وهو أمر لم يبلغه العلم حتى اليوم ـ بأعشاب تدفعهم للتخلي عن متابعة الطبيب، وقد لا يفيق المريض إلا على كارثة "قدم سكري" قد يعقبها بتر بكل أسف..

وتلك وصفات تحقق السعادة الزوجية وتمنحك مواصفات سوبرمان، دون أي اعتبار للأعمار التي تشهد أكاذيبهم، وغيرها من وصفات تعبث بآمال من حُرموا نعمة الإنجاب...

وهناك فرق بين العلاج بالوهم، والذي يُعرف طبيا باسم "بلاسيبو"، وبين تسويق "مركبات" ضارة غالبًا على أنها علاجات ناجعة، تحت مزاعم من عينة "اسأل مجرب"، وغالبًا هم من بسطاء الناس الذين يقولون بالطبع ما يُملى عليهم!!..

في عرف الطب تأثير الوهم يلعب دورًا يقدر بـ30% من أي علاج.. يعنى؛ لو أخذ 9 أشخاص حبوب أسبرين لمقاومة الصداع سُيشفى 3 منهم "على الأقل" قبل أن يبدأ مفعول الأسبرين الحقيقي!.

وفي تجارب شركات الأدوية على العقاقير الجديدة ينقسم المرضى إلى مجموعتين؛ الأولى تعطى العقار الحقيقي في حين تأخذ الثانية "بدون علمها" مواد غذائية تشبه العقار الجديد "وغالبًا ما تكون من ملح أو سكر"، وعادة تنتهي التجربة بشفاء 30% من المجموعة التي لم تعط غير الحبوب الوهمية "وهذا شيء متوقع".

هذه الظاهرة الفريدة جعلت الأطباء ينظرون بتقدير أكبر لتأثير الوهم في العلاج، وهناك مدرسة طبية جديدة تنادى بإتاحة الفرصة للجسم ليعالج نفسه بنفسه من خلال البلاسيبو، وأنصار هذه المدرسة على قناعة بأن الجسم يصل إلى حدود مدهشة إن أتيحت له فرصة كهذه؛ ففي مستشفى مونتريال أجرى الأطباء عمليات جراحية وهمية لمرضى الزهايمر، لم يفعلوا خلالها غير فتح الجمجمة ثم إعادة لحمها، علما بأن المرض ناجم عن تآكل حقيقي لبعض خلايا الدماغ؛ ولكن الأطباء أقنعوا المرضى أنهم سيزرعون في أدمغتهم خلايا بديلة، وحين استيقظوا وشاهدوا آثار جراحة حقيقية شهد 30% منهم تحسنًا فوريًا!!

هذا المفهوم لا خلاف عليه في الغرب، لكن عندنا تحولت بعض الفضائيات الناطقة بالعربية إلى وسيلة للترويج لمنتجات ومركبات وهمية غالبًا صينية الصنع أو من منتجات "بير السلم" من عينة المخدة الخارقة والخلطة السحرية لعلاج الصلع ومركبات مستخلصة من نباتات مجهولة تمنح السعادة الزوجية الأبدية..

أما الفيتامينات، فتلك كارثة في حد ذاتها، ففي تحذير خطير قرأته مؤخرا، يؤكد أن كل الأدوية المستوردة الخاصة بالتخسيس في الصيدليات أو المخازن أو الجيم أو حتى مع تجار الشنطة "كلها مضروبة"، بل بعضها يسبب الاكتئاب!

باختصار، هناك في الطب أعراض يصاحبها عيب عضوي واضح، مثل ورم أو اعوجاج أو كسر أو التهاب، ويتم التشخيص بالفحص الطبي والأشعات، وهناك أعراض لآلام مؤقتة تصيب كل البشر في الظهر أو الكتف وغيرها، وقد تتحسن بدون علاج أو بالعلاج، وهناك أعراض الشيخوخة من وهن وضعف وصعوبة في عمل ما كان يستطيع عمله الإنسان في شبابه، وهناك أعراض الآلام النفسية، التي تظهر في صورة ألم في الظهر أو صداع أو الآلام العامة المتنقلة غير المحددة..

عادة جزء من هؤلاء الناس يقع ضحية العلاج بالوهم بصورته "الاحتيالية" من سماسرة ترويج الوهم بمركبات تحمل أسماء "وهمية" أو مجهولة، من باب أن زيادة الغموض يجذب مزيدًا من الضحايا..

وبالمناسبة، مفهوم العلاج بالوهم ساد أولا في الغرب، من "زاوية الدجل" كما نراه عندنا اليوم، فأول مرة تم وصف هذا الموضوع كان في القرن الـ ١٩ على يد طبيب اسمه بيركنز، صنع إبرة معدنية مدببة وملونة، وزعم أنه يوجهها للمريض فيشفى آلام العظام والعضلات والنقرس وغيرها!!، زاعمًا أن الإبرة من معدن خاص، وكان يبيعها بأسعار غالية، بل إنه كتب أبحاثًا علمية، وأظهر فيها نجاح هذه الإبرة الخارقة!

ثم جاء شخص وصنع إبرة مشابهة من الخشب، وجرب على المرضى الإبرتين، دون أن يعرف المريض أيهما الحقيقية، المعدن أم الخشب!، فوجد التأثير متشابهًا بسبب الإيحاء ٢٠ إلى ٣٠% قالوا إن الألم تحسن، لكن عاد الألم بعد فترة؛ لأن الوهم غير الحقيقة!!

والغريب أنه حين يرجع الألم بعد ذلك، عادة يلوم المريض نفسه والظروف، لكنه لا يلوم العلاج الوهمي!!

باختصار العلاج بالوهم في فضائياتنا مشكلة ثلاثية تضم، الآتي: صاحب مصلحة يريد البيع والمكسب، ومعالج جاهل أو غير أمين ، والأخطر من ذلك مريض ضحية يصدق الوهم !!!

لذا احرص على ألا تكون طرفًا في هذا المثلث، حتى لا تصبح عونًا للسماسرة في وأد أي جهود تبذلها الدولة للحد من هذه الظاهرة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
قصص إنسانية من الأولمبياد

البطولات الرياضية، وفي الصدر منها الأولمبياد، ليست مجرد ساحة لجني الميداليات، بل قد تكون فيها الكثير من القصص الإنسانية، فوراء كل بطل عظيم قصة رائعة..

الناجي الوحيد بعد "انقراض البشر"!

لم يعد الحديث عن نهاية العالم مقصورًا على تنبؤات السينما العالمية، بل إن كورونا ألهبت خيال البشر أنفسهم ودفعتهم إلى توهم نهاية العالم..

قبل أن تصبح أحلامنا لوحات إعلانية!

ربما يستيقظ أحدنا في المستقبل القريب، من دون مرض أو علة، ولسان حاله يقول: أنا مش أنا ، أو قد يراه أقرب الأقربين له بأنه لم يعد ذلك الشخص الذى نعرفه.. دماغه تغيرت.. أحلامه تبدلت

صيام "هرمون السعادة"!

وصفوه بأنه هرمون السعادة ، باعتباره الهرمون الذي يفرزه المخ بعد الحصول على المكافأة ويكون سببًا للشعور بها، لكنهم يصححون لنا هذا المفهوم اليوم، بأن دوره

أنف وثلاث عيون!

هناك قصة شهيرة للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس تحمل هذا العنوان، لكننا هنا نتقاطع مع عنوانها في الاسم فقط، فعيون إحسان عبدالقدوس كن ثلاث نساء تقلب بينهن

أول فندق في الفضاء!

ربما يصبح حلم السفر في المستقبل في رحلات سياحية، بالطبع لدى فصيل من أثرياء العالم، ليس إلى شواطئ بالي أو جزر المالديف أو البندقية، بل إلى الفضاء.. نعم إلى الفضاء، هذا الحلم سيضحى حقيقة فى عام 2027!

الجلد الإلكتروني!

يبدو أن عالم تكنولوجيا المستقبل ستحكمه "الشرائح"، لكن شتان بين مخاوف من شريحة زعم معارضو لقاحات كورونا بأنها ستحتوي على شريحة لمراقبة وتوجيه كل أفعالك،

..واقتربت نهاية كورونا!

لم يحظ لقاح من قبل بجدل مثلما حظي لقاح كورونا، لأسباب كثيرة، أولها السرعة التي تم بها التوصل إليه، على عكس لقاحات لأمراض أخرى، ربما مضى على تفشيها مئات

يوم بدون محمول!

هل فكرت يوما التوجه إلى عملك من دون هاتفك المحمول؟ قد يفكر في ذلك من أنفق عمرًا في زمن الهاتف الأرضي، لكن من نشأوا في زمن المحمول سيرون الفكرة ضربًا من

أيهما الأكثر طرافة .. الرجال أم النساء؟!

على مدى التاريخ تحفل حياة الأمم بسير الظرفاء، وتتسع هذه المساحة لتشمل أشخاصًا خلدهم التاريخ، إما لفرط سذاجتهم كأمثال جحا، أو لكثرة دعاباتهم وكتاباتهم و"قفشاتهم"

إلا المخ يا مولاي!

رغم أن المخ كان ولا يزال لغزًا يحير العلماء، فإن الدراسات ما زالت تتوالى لفهم هذا العضو الرئيسي في الجهاز العصبي لدى الإنسان، والذي يتحكم في جميع الأنشطة

عبيد مايكروسوفت!!

في عام 1995 نُشرت رواية بعنوان "عبيد مايكروسوفت" تشبه تمامًا رواية جورج أوريل 1984، غير أن الأخيرة ذات أبعاد سياسية، أما الأولى فهي ذات أبعاد تكنولوجية،

الأكثر قراءة