يحكى في الهند عن رجل قام بتكسير جبل بالكامل، من أجل زوجته التي فقدها نتيجة تدهور صحتها بشكل سريع، ولذا أطلقوا عليه رجل الجبل، وتقول الحكاية إن الرجل لم يستطع إسعافها أو الذهاب بها إلى أقرب مكان لعلاجها، بسبب سكنه داخل قرية يحيط بها جبل شديد الوعورة، وهذا ما دفعه لحمل فأسه وتكسير الجبل وحده، لكي يمهد الطريق لأهل القرية، ويسهل عليهم الوصول إلى أقرب مدينة تتوافر فيها المستشفيات، وحتى لا يفقدوا أحباءهم كما خسر زوجته.
وتوضح حكاية رجل الجبل أن الحب يمكنه فعل المعجزات - حتى لو كان ذكرى - وهو الرابط المتين الذي يؤلف بين قلوب العاشقين على مر العصور، فقد أتى بكليوباترا من الجنوب إلى الشمال، ودفع بعنترة إلى المجهول ليجلب لمعشوقته عبلة "النوق العصافير" من بلاد النعمان، وذهب بعقل قيس بن الملوح حتى اشتهر بين العرب بمجنون ليلى، وقالوا عن الحب إذا كان هناك من يحبك فأنت إنسان محظوظ، وإذا كان صادقًا في حبه، فأنت أكثر الناس حظًا، وآخرون خلعوا على المحب الذي لا يسامح ويعفو صفة الغدر، وغزل المحب لا يكفي وحده كي تحيا العلاقة أبد الدهر، فكم من أشخاص يعيشون حولك ولا يملكون فصاحة اللسان للتعبير عن مشاعرهم، بينما سلوكهم وأفعالهم نحوك من تخبرك أنهم يحبونك، وكثير من حب صامت أصدق قولا من حب صاخب.
غير أنه من الضروري توافر صفات الصدق والإخلاص والعطاء والعفو لدى المحب، ليصبح إنسانًا قادرًا على تحقيق المعجزات، وحينها يتحول إلى عاشق، ويقدم لمحبوبه أروع صور الوفاء، ولهذا خلد التاريخ أرقى قصص الحب، ورفعها بعض الرواة إلى مصاف القدسية، وعلى النقيض تمامًا صار اليوم وفاء المحب عملة نادرة، وأصبح الحب كلمة مبتذلة يتشدق بها الكثير بدون صدق، مما يدعو إلى القلق بعد تسرب الخيانة في نفوس الكثير، ونجح حب المصالح في إزاحة الحب بعيدًا، وأخذت الكراهية تضرب في أوصال المجتمع، ولكن لن يستمر هذا الحال طويلًا، والنصر حليف الحب في جولته الأخيرة.
ويعزي بعض المختصين الطلاق إلى عدم إقامة علاقة زوجية منذ البداية على الوفاء والصدق، والبعض الآخر يتذرعون بالتأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، أما الحقيقة الغائبة فهي خيانة أحد أطـراف العلاقة الزوجية، وليس بالضرورة الخيانة بالمعنى الدارج، فالزوجة قد ترفض الصمود مع زوجها والوقوف بجواره، أو قد لا يحسن الزوج إليها، ولا يتحمل مسئولية أمانة بيت الزوجية، وأصدق قولا على تلك الخيانة امرأتا نوح ولوط عليهما السلام.
وأدعو كل زوجين وكل شاب وفتاة مقبلين على الزواج، أن ينظروا ويتأملوا في ثنائيات الحب في تراثنا الإسلامي، وأشهرها ثنائية السيدة زينب بنت رسول الله وابن خالتها أبوالعاص بن الربيع، فعندما بلغت زينب سن الزواج طلبتها خالتها هالة بنت خويلد أخت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها لابنها أبي العاص بن الربيع، وكانت الموافقة والرضا، وخلعت السيدة خديجة قلادتها ووضعتها في عنق زينب هدية العروس، وكان ذلك قبل نزول الوحي، ولما أشرقت الأرض بنور ربها، آمنت زينب ورفض أبوالعاص الدخول في الإسلام، وكان أبوالعاص ينشد الشعر في زوجته بعد الفراق، وجاءت الهجرة وانطلقت غزوة بدر، والتقت قريش ومن بينهم أبوالعاص بجيش المسلمين، ووقع أسيرًا في يد المسلمين، وأرسلت قريش الفدية ليفتدوا بها الأسرى، وبعثت زينب من مكة بفدية زوجها أبي العاص، وجعلت فيها قلادة أمها خديجة، فلما رأى الرسول القلادة حزن ورق قلبه لابنته، ثم قال للصحابة: «إن زينب بعثت بهذا المال لافتداء أبي العاص، فإن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا»، فوافق الصحابة، وأمر النبي أبا العاص أن يبعث إليه ابنته زينب، وأرسلها مع أخيه عمرو بن الربيع؛ وكان راميًا لا يخطأ له سهم، فهاج القوم وأدركوا ركب زينب وأفزعوها، فأطلق عمرو سهامه عليهم حتى تدخل أبوسفيان ونصحه بالخروج ليلا، ومكث أبوالعاص زمنًا لم يتزوج، وكانت تعرض عليه النساء، ونفس الحال لدى زينب حبًا في زوجها ووالد أولادها، وخرج أبوالعاص في تجارة من مكة إلى الشام، فبرزت له سرية من سرايا الرسول وأخذوا فيه العير وأسرت الرجال، وذهب واستجار بزوجته، حتى استأذن الرسول الصحابة وردوا إليه ماله ورجاله، ثم ذهب إلى مكة، أدى لكل ذي حق حقه، وأعلن إسلامه أمام قريش، وتوجه إلى المدينة، وأعاد زينب بعقد زواج جديد، وما لبث أن أصابها المرض ولاقت ربها في العام الثامن للهجرة، وبعد عام لحقها أبوالعاص.
ما أجمل الوفاء والصبر على فراق طال بين حبيبين 13 عامًا، ولا يثنيهما الفراق عن الإخلاص في العطاء والصدق في الحب، وهذه ثنائية يغفل عنها العشاق والأزواج الآن.