نهر النيل (3)
ويظل التميز والخصوصية سمات أساسية ترافق نهر النيل العظيم منذ لحظة ميلاده الأولى شديدة العنف في أدغال وغابات القارة الإفريقية، ولم لا؟ وقد وجدناه ينطلق من الجنوب إلى الشمـال، مخالفًا في ذلك كل ما اعتاد العلماء عليه في دراستهم لجميع أنهار العالم.
وقد عبر أستاذنا الدكتور جمال حمدان في رائعته "شخصية مصر – الجزء الثاني" عن تلك اللمحة شديدة التميز والتفرد حين قال: "معظم أنهار إفريقيا تجري من الشرق إلى الغرب أو العكس، بينما تجرى معظم أنهار العالم القديم من الشمال إلى الجنوب.
أما نهر النيل فيجري من الجنوب إلى الشمال، ومهما تعرج في الطريق في أي اتجاه فهو يعود دائمًا إلى الشمال؛ بل إنه يبالغ في شماليته ويتمادى في تفرده؛ لدرجة أن مخرجه من بحيرة فيكتوريا ومصبه عند فرع دمياط يكادان يقعان على خط طول واحد، بنظام ليس لأي نهر آخر على وجه الأرض".
وهكذا يستمر النهر العظيم في الحفاظ على تفرده وتميزه وخصوصيته، ويواصل رحلته ومعركته مع الطبيعة حتى يصل إلى مصر؛ حيث يجد هذا المارد مروضيه في انتظاره منذ أقدم العصور، فتهدأ ثائرته ويعمل في ظل أعرق منظومة ري عرفها التاريخ، تأسست منذ آلاف السنين من أجل خدمته والحفاظ عليه وحمايته، احترامًا وتقديرًا له باعتباره المصدر الرئيسي للحياة.
جدير بالذكر، أن منابع نهر النيل وتحديد المجرى الجغرافي للنهر قد ظلت من أكبر الأسرار الجغرافية المغلقة حتى أواسط القرن الـ19، حتى بدأت الاكتشافات الجغرافية تحظى بالأهمية السياسية والعلمية؛ فعكف المكتشفون على دراسة الأمر، وركزوا اهتمامهم على اكتشاف منابع النيل، فبدأت الرحلات تتوالى حتى تحقق هذا الكشف العظيم، وأمكن تحديد مجرى النهر الطبيعي تحديدًا جغرافيًا كاملًا واكتشاف منابعه.