في حديث هادئ له في زمن العصر الذهبي للتليفزيون المصري، أتذكر استغراب الفيلسوف المصري الراحل رشدي فكار من الإنسان، ذلك الكائن الذي يعيش في ضاحية من ضواحي الكون "كما وصفه"، ويتحدى الخالق عز وجل ويقول أنا أعترض .. أنا ملحد.. أنا من يقرر مصيري!!
مر بي هذا المعنى وأنا أطالع كل فترة خبرًا أو تقريرًا في وسائل الإعلام العالمية يحدد فيه مصدره اقتراب "يوم القيامة"، وبلغ به حد الثقة أن كل هذه التقارير تحدد تاريخًا لقيام الساعة، وإن اختلفت مزاعم توقيتاتهم من باحث إلى آخر..
آخر هذه التنبؤات، والمؤكد أنها لن تكون الأخيرة، ما رآه عالم رياضيات ووزير فرنسي سابق يدعى "إيف كوشى" من أن حضارتنا توشك على الانهيار!! إذ يتنبأ بأن "البشرية لن تكون موجودة في عام 2050"، ويقول موجهًا الخطاب لمحاوره: "أنا لن أكون هنا لرؤية ذلك، وربما أنت كذلك".
بالتأكيد هو لن يحيا حتى هذا التاريخ، فعمره 73 عامًا، لكنه يتحدث بكل ثقة، وكأنه اطلع الغيب أو اتخذ عند الله عهدًا! حين يقرر على وجه اليقين بأن 75% من السكان سيموتون بحلول عام 2060، وبدلاً من أن يصبحوا عشرة مليارات في عام 2050 - كما تتوقع الأمم المتحدة - لن يتجاوز عددهم في هذا التاريخ مليارين أو ثلاثة، وسيعم الحزن والكساد الأرض وقتها!
الرجل لم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب لما هو أبعد من ذلك، حين يقول عن يقين: "إن الأمر لن يكون شبيهًا بسقوط الحضارة الرومانية أو حضارة المايا التي ترجع أصولها للهنود الحمر؛ لأنهما حدثان محدودان في المكان والزمان، في حين أنه في هذه المرة، ستنشأ كل المشكلات في الوقت ذاته على الكوكب، وبالتالي "علينا أن نستعد لأن نموت معًا".
وهذا عالم آخر، هو "جاى ماكفرسون" أستاذ علم الأحياء في جامعة أريزونا الأمريكية، يزعم أن نهاية البشرية ستكون قبل حلول عام 2026، وبعد أن كان قد أعلن في لقاء تليفزيوني معه، عام 2016، أن نهاية العالم ستقع بعد مرور 10 سنوات، عاد الآن زاعمًا أن البشر سيموتون قبل حلول 2026.
بنى "ماكفرسون" توقعه كالتالى: "لن تتمكن الحياة النباتية من مواكبة الارتفاع المتكرر في درجة الحرارة، مما سيؤدي لموت النباتات، ونحن نحتاجها للبقاء على قيد الحياة، فلا نستطيع أن نتناول طعامنا من دونها، وستستمر المياه في الأنهيار، وسيستمر الهواء في التفسخ".
لكن لم تلق أفكار وتنبؤات "ماكفرسون" تأييدًا كبيرًا من المجتمع العلمي الأوسع، فعند البحث على "جوجل" هناك العديد من المدونات والمقالات التي تنفي ادعاءاته، وقالت إنه يسيء فهم بعض الحقائق حول كيفية عمل المناخ العالمي.
لكن "ماكفرسون" مازال مُصرًا أنه يعرض أدلة، وقال "إذا تجاهل الناس رسالتي، فأنا لا أهتم، ولكن تذكروا بأننا سنموت قريبًا".
على الأقل، هؤلاء العلماء أعطوا مهلة من السنوات قبل نهاية العالم، لكن ما رأيكم في من زعموا منذ فترة قريبة فجأة من أن كسوفًا للشمس كان قد اقترب أجله سيكون مقدمة لاصطدام كوكب بالأرض يدعى "نيبيرو" في سبتمبر المقبل، مما يؤدي إلى نهاية الحياة على كوكبنا!
لكن وكالة الفضاء الأمريكية نفت وجود كوكب "نيبيرو"، واعتبرت الحديث عنه مجرد خدعة يجري تداولها على الإنترنت.
فمن يروجون تلك الشائعات منجمون ودجالون ومهووسون بسيناريو نهاية العالم، هكذا وصفهم الدكتور "أشرف لطيف تادرس"، رئيس قسم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، متهمًا إياهم بالمتاجرة بالظواهر الفلكية الطبيعية لترويج أفكارهم الغريبة.
والمؤكد أن منجمين عربًا وأجانب يطلقون مثل هذه الشائعات عن نهاية العالم في الشهور الأخيرة من كل عام، ومع بداية العام الجديد، وتكرر هذا منذ 2003 حتى الآن!.
أفهم أن علماء كثيرين يحذرون من توابع الاحترار والتلوث العالمي من ارتفاع منسوب البحار، وذوبان ثلوج القطبين، واختفاء شواطئ ودول بسبب ذلك، واستنزاف ثروات الأرض، واتساع ثقب الأوزون، مع اتساع المطالبات بعمل سياسي "حازم وفوري" في مواجهة تغير المناخ، فتلك أمور علمية لا غبار عليها، لكن أن يجنح الخيال ببعضهم إلى حد تحديد موعد لفناء البشرية وزوال الأرض، فذلك أمر يستعصي على أولي الألباب..
أي عالم من حقه أن يجري دراسات، وأن يصل إلى استنتاجات واجتهادات يرافقها تحذيرات من مخاطر تحدق بالأرض والبشر، ما دام يأخذ بأسباب العلم، لكن ليس من حقه أن يزعم ما لم يعلمه الأنبياء، ويحدد لنا تاريخ نهايتنا، فنحن والأرض لا نشكل سوى قطرة في بحر الكون الذي لانهاية له، ورب الكون وحده هو من يعلم فقط متى الساعة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ) سورة الأعراف، فقط نعلم أشراطها، كما علمنا نبينا "صلى الله عليه وسلم" وليس من بينها كوكب يضرب الأرض أو زوال البشرية بسبب الاحترار.
نفهم أن دولًا وحضارات زالت وستزول، وتنشأ فوقها أمم وحضارات جديدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وحتى إن قامت حرب عالمية ثالثة فلن تكون إيذانًا بقيام الساعة أو فناء البشرية، وإن كان البعض يتعجلونها رغبة في الخلاص!!