ما القول في مشهد يظهر فيه الطرفان يتبادلان الشكر على عملية سطو مسلح واغتصاب؟ فالطرف الأول سلب الأرض، والثاني اعترف بالسرقة وباركها، وإجابة السؤال أن هذا الصلف والسفور نتيجة للصراع الدموي الإقليمي والصمت الدولي.
وتبدأ وقائع المشهد بحضور فيردمان السفير الأمريكي لدي إسرائيل حفل وضع نتنياهو لحجر أساس لبناء مستوطنة جديدة على مرتفعات هضبة الجولان، ويكرم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي صديقه الحميم كما ذكر، ويطلق اسم "رامات ترامب" علي المستوطنة، وإمعانا في الصلف يغرد الرئيس الأمريكي علي الفور علي صفحته بموقع تويتر قائلا شكرا لك رئيس الوزراء نتنياهو ولدولة إسرائيل علي هذا الشرف العظيم، ويأتي هذا التكريم لمجهوداته الثمينة لاعترافه بالقدس عاصمة لدولة الكيان الصهيوني والاعتراف بسيادة إسرائيل علي الجولان.
وللمبالغة في الكذب البواح يقول نتنياهو أثناء الاحتفال إن اعتراف ترامب جاء حفاظا منه علي التراب الإسرائيلي، فأي تراب يتحدث عنه، وكل هذا الهراء محاولة منهم لتصديق وهم يصنعونه بأيديهم، وسط رفض دولي وعربي لقراري ترامب، ولكن تأزم الوضع الإقليمي وصمت المجتمع الدولي يدفع هذا الفريق للعب بمفرده، وقد بدأ توقيت زمن اللعب في عام 2003 أثناء الحرب علي العراق، بهدف تدميرها وزعزعة استقرارها، تحت مزاعم بوش الابن بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل، التي كذبتها وثائق نشرت فيما بعد في عدة أماكن منها موقع ويكليكس.
وتوالت لعبة أمريكا في تأجيج النزاعات في دول المنطقة، ومن ناحية أخري تغض الطرف عن التوغل الإيراني في العراق وسوريا، ويتزامن مع إمدادات لأطراف النزاع بالأسلحة تارة بشكل معلن وتارة عن طريق التهريب، ثم تظهر ملامح سيناريو جديد بدأ تنفيذه، وهو تحرك القطع الحربية الأمريكية تجاه الخليج العربي لضرب إيران، وفي الوقت ذاته يعلن ترامب أنه لا يريد حربا، وكررها في أكثر من موقف، ويؤكد مقولة حليفه نتنياهو ويقول نحن لا نسعي لحرب علي إيران، إذن الرغبة هي إلقاء المزيد من القطران علي النار لإشعال المنطقة، وثانيا تمهيدا لإعلان صفقة القرن في ظل أجواء غير مستقرة ولا آمنة علي المستوي الإقليمي، وتأخر الإعلان عنها وكان مزمع الإفصاح عنها عقب شهر رمضان كما صرح كوشنر مستشار ترامب، وذلك نتيجة فشل نتنياهو في تشكيل حكومته، ويستغل نتنياهو الموقف المتأزم ويعلن تدشين المستوطنة الجديدة علي هضبة الجولان، ليدعم موقفه الانتخابي أمام المواطن الإسرائيلي، ويعقبه بإعلان آخر عن إجراء عملية عسكرية إسرائيلية موسعة علي أراضي الجولان، والسؤال من الذي تستهدفه العملية العسكرية؟
وفي مقال في واشنطن بوست يوضح كاتبه ريتشارد كوهين أوجه التشابه بين ترامب ونتنياهو، ويقول كلاهما يخدم اليمين المتطرف، وهذا يسوقهما إلي التمتع بنوع من النفاق، فنجد ترامب الذي كان مع حق الإجهاض سرعان ما نقضه، ونتنياهو كان مؤيدًا للزنا، ثم صار معارضًا له، وهذا في إطار صفقة عقدها مع اليمين المتطرف الإسرائيلي في فترة حكمه، وتضمنت الصفقة ادعموني وسأدعمكم، ويتشابهان في إنعاشهما للاقتصاد مع إثارتهما للعداء ضدد أطراف دولية، وهذا ما أكدته افتتاحية التايمز البريطانية عن حروب ترامب التجارية، ودعت الكونجرس وحلفاء الولايات المتحدة للتصدي لتصرفاته.
ويختم فيردمان السفير الأمريكي لدى إسرائيل المشهد الهزلي بكلمته في احتفال لمجموعة إنجيلية أمريكية في إسرائيل طبقا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز إن قوة إسرائيل تعود لامتلاكها سلاحا سريا لا يملكه كثير من الدول وهو أن إسرائيل مع الله.
حسين خيري
مدير تحرير مجلة أكتوبر
Email:[email protected]