تهل علينا أيام رمضان بالخير والبركات، وتترك بداخلنا معاني نبيلة، وقيما علينا أن نتمسك بها، ومن حولنا نماذج إنسانية يضربون لنا أعظم المثل في البذل والعطاء، يغزلون نسيجا من الإيمان والأمل معا والصبر والمثابرة، هم بحق صناع الأمل؛ ومن هؤلاء؛ أم أو زوجة شهيد عبرت بأحزانها، وتجاوزت كل الصعاب، وشاب معاق أو من ذوي القدرات الخاصة لم يستسلم لليأس، وجعل من معاناته جسرا ينقله من حال إلى حال، فيبدع في عمل ما أو يتفوق في رياضة، وقد يكون عاملا في مصنع فقد ذراعه أثناء العمل، ولكنه يواصل حياته بطريقة أو بأخرى حتى يعول أسرته، أو أرملة قامت بتربية أبنائها بكل حب وإخلاص رغم الظروف الصعبة - إلى كل هؤلاء وغيرهم كل التحية والتقدير لأنهم يعطوننا درسا جديدا في مواجهة الحياة بكل صعابها، ودرسا آخر في صناعة الأمل حتى في أحلك الظروف.
• مصطلح حقوق الإنسان لم يرد مباشرة في القرآن الكريم، ولكن معظم الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي أقرته الأمم المتحدة ورد ذكرها في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، وتبدأ من تكريم الإنسان: "ولقد كرمنا بني آدم"، والمساواة التامة بين البشر: "يأيها الناس إن ربكم واحد وأباكم واحد لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، وحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: "إن لربك عليك حقا ولبدنك عليك حقا ولنفسك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه"، بالإضافة إلى ذكر حقوق الوالدين، وحقوق الطفل في الرضاعة والنشأة السليمة، وحقوق المرأة التي كفلها لها الإسلام، ونجد دائما أن الفكر الإسلامي يطالب المرء بأداء ما عليه قبل أن يطلب حقوقه على عكس التفكير الغربي الذي يبحث أولا عن حقوقه ومصالحه، وهذا لأنه مجتمع مادي، إن الاستفادة من هذه الحقوق التي حددها الإسلام يجب أن تتم أولا داخل المجتمعات الإسلامية وبين المسلمين أنفسهم، ونسأل أنفسنا: لماذا لا تهتم منظمات حقوق الإنسان في الدول العربية والإسلامية إلا بالمعتقلين سياسيا لتصنع من ملفاتهم قضايا ضد الحكومة؟، في حين تغفل عن التحمس بالقدر نفسه لتطبيق حقوق المرأة كما جاءت بالإسلام أو حقوق الطفل، لأن وجود فجوة بين النظرية والتطبيق يجعل الغرب يعتقد أن الواقع في بعض المجتمعات الإسلامية إنما هو صورة حرفية لما جاء به الإسلام.
• ما أحوجنا هذه الأيام إلى انتشار ثقافة العمل وإعلاء قيمة السعي نحو البناء والتشييد ورفض ادعاءات الهدم والتدمير وأفكار التواكل والاعتمادية والتبعية، وأن نطرد من قاموس حياتنا حالات الكسل والخمول والتراجع واجترار أحزان الماضي، والدوران في فلك السلبية والاستسلام واستعذاب الروح الانهزامية والمشاعر التشاؤمية.
وبعد أن تخلصنا من الكابوس الذي تربع على صدورنا سنوات بسبب الإرهاب يجب أن نتحلى بشجاعة الإقدام، وجرأة التغلفب على صعوبات الحياة، والسعي وراء ما نتطلع إليه من نهضة تحمل لنا أسباب العزة والكرامة، والعمل هو الذي يحقق لنا الخروج من النفق المظلم ولا يحتاج إلا إلى الإرادة والعزيمة، وحسن التخطيط، وسرعة الإنجاز، والبحث عن العمل هو جزء من منظومة العمل، وكل ألوان العمل جزء من العبادة، وهو سر من أسرار الحياة وأمر من السماء إلى أن تقوم الساعة كما يقول الحديث: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليزرعها"، إذن فالعمل عبادة وهو صحة بدنية ونفسية، وهو طاقة إيجابية، وتواصل اجتماعي، وإعلاء لقيمة الإنسان، وتهذيب للروح والنفس والبدن، وكل الأديان السماوية تحث على العمل، وتؤكد أنه جزء من العبادة والتقرب إلى الله: "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه"، والكدح يعني السعى بالعبادة الحقة والعمل جزء من العبادة: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".
• أبدل الله المسلمين أعيادهم في الجاهلية بعيدين يحتفلون بهما ويسعدون بمقدمهما: عيد الفطر بعد صيام رمضان إيمانا واحتسابا لوجه الله، وعيد الأضحى بعد وقوف الحجيج بعرفة، سمي عيد الفطر لأنه يأتي بعد صيام رمضان، وعيد الأضحى لأن يوم العاشر من ذي الحجة، هو اليوم الذي أوحى الله فيه إلى إبراهيم أن يذبح ولده إسماعيل، فأطاع إبراهيم أمر ربه وامتثل راضيا لأمره، فمن الله على إبراهيم بفداء ولده لقوله عز من قائل: "وفديناه بذبج عظيم"، إن لكل شعيرة حكمة؛ فما تكون حكمة الذبح والفداء؟، ذكر القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن، "تعلق قلب إبراهيم بمحبة ربه، ثم نظر بالمحبة إلى ولده، فلم يرض حبيبه وخليله محبة مشتركة فقيل له: يا إبراهيم اذبح ولدك في مرضاتي، فشمر إبراهيم وأخذ السكين، ثم اتجه بقلبه إلى ربه وقال: اللهم تقبله مني في مرضاتك يا الله فأوحى الله: "يا إبراهيم لم يكن المراد ذبح ولدك، وإنما المراد أن ترد إلينا قلبك فلما رددت قلبك كلية إلينا رددنا ولدك إليك.
• عندما تولى عمر بن الخطاب الخلافة استشاره الصحابة رضي الله عنهم في أجرعمله، فقال له علي بن أبي طالب: لك غداء وعشاء، فأخذ عمر بذلك، وعندما سئل عن حقه في بيت المال قال: ما أصلحني وأصلح عيالي بالمعروف، ففرضوا له حلة للشتاء وحلة للصيف! وراحلة للحج والعمرة، ودابة يقضي بها حوائجه ويستخدمها في جهاده، ولما علم عمر يوما أن غلامه سقاه لبن ناقة من مال المسلمين الذي هو مال الله سبحانه وتعالى، انزعج كثيرا وقال: ويحك لقد سقيتني نارا.