Close ad
15-4-2019 | 22:08

مازالت أمنية أطفال مصر أن يكون لهم عام للاهتمام بهم وبقضاياهم؛ وقطعًا هم يستحقون؛ لأنهم نواة المستقبل؛ حيث هناك نحو 40٪ من سكان مصر أطفال أقل من 18 سنة، حسب تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في نوفمبر 2018.

وبرغم المجهودات المبذولة في المبادرات التي أطلقها الرئيس لمواجهة المشكلات المتراكمة في جميع القطاعات ولجميع الفئات، ونجاح هذه المبادرات في مواجهة بعض المشكلات، فإنَّ هناك مشكلات لا تزال دون حل؛ بل تتفاقم وتزداد آثارها السلبية يومًا بعد يوم على المجتمع.

وفي مقدمة هذه المشكلات؛ بل وأخطرها والتي تحولت إلى ناقوس خطر ينذر بعواقب وخيمة؛ ظاهرة "أطفال الشوارع" وهي ظاهرة عالمية قبل أن تكون محلية؛ حيث يطلق على "أطفال الشوارع" مسميات مختلفة في بعض الدول، وإن كانت كلها متشابهة، وتدور حول إحدى صفات أو خصائص أطفال الشوارع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي كولومبيا يطلقون عليهم "المتشردين"، وفي السلفادور يطلقون عليهم "المنبوذين"، وفي البرازيل يطلقون عليهم "الأطفال المُهمَلين"، وفي بوليفيا يطلقون عليهم "الفئران"، وفي زائير يطلقون عليهم "العصافير"، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا يطلقون عليهم "أطفال الشوارع"، أو "شباب الشوارع"..

وفي السودان يطلقون عليهم "الشماسة" (بمعنى أبناء الشمس)، وفي مصر يُطلق عليهم "أطفال الشوارع"، و"الأطفال بلا مأوى"، و"الأطفال الهامشيين"، و"الأطفال المعرضين للانحراف"،  و"الأطفال المعرضين للخطر"، والأطفال "بلا أسر"، ويطلق "أطفال الشوارع" على أنفسهم مسمى "أطفال السوس"، على اعتبار أنهم لا جدوى منهم ولا يريدهم أحد.

ويمكن أن نقسم هذه المسميات إلى قسمين: القسم الأول: ينظر إلى "أطفال الشوارع" نظرة متعاطفة، حيث ينظر إليهم على أنهم لا ذنب لهم في الوضع الذي هم عليه، وأنهم ضحايا لظروف أسرية ومجتمعية خارجة عن إرادتهم، بينما القسم الثاني: ينظر إلى "أطفال الشوارع" نظرة غير متعاطفة؛ حيث ينظر إليهم على أنهم سبب لمشكلات لا يرضى عنها المجتمع، مثل العمل غير الرسمي، والتشرد، والتسول، والنهب والسرقة.

وتطورت ظاهرة "أطفال الشوارع"، وبدأ المجتمع الدولي والمحلي يهتم بقضايا الطفولة بشكل مكثف في منتصف القرن العشرين، والبحث عن العوامل المسببة لها، والحد من استمرارية استغلالهم وتعرضهم للخطر، فبدأت المنظمات الدولية والمحلية والدول المتقدمة، تضع قضايا الطفولة ضمن أولويات اهتماماتها، فعقدت المؤتمرات، ورصدت الإحصاءات، ووضعت الاتفاقيات والتشريعات المنظمة لحقوق الطفل، التي تحميه من التعرض للخطر والاستغلال من الكبار، وبرغم هذا الاهتمام الدولي؛ فإن مشكلة "أطفال الشوارع" مازالت منتشرة بشكل يمثل خطورة كبيرة على المجتمع بأسره.

أما عن حجم ظاهرة "أطفال الشوارع" على المستوى الدولي، فلا يوجد تقدير دقيق لعدد الأطفال المعرضين للخطر، وقد انتقلت التقديرات وتباينت، ولكن الذي يلاحظ الظاهرة عن كثب يجد أن هناك نموًا مذهلًا في العدد والانتشار، وذكر أحد التقارير، أن عدد الأطفال المعرضين للخطر على مستوى العالم يزيد على نحو 300 مليون طفل، ومن الملاحظ أن ظاهرة "أطفال الشوارع" تزداد بأعداد كبيرة جدًا في كل عام عن العام السابق له.

أما عن حجم مشكلة "أطفال الشوارع" في بعض البلدان، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي إفريقيا؛ وهي أكثر القارات الريفية منذ عهد بعيد، ظهر "أطفال الشوارع" فيها مؤخرًا، ولا شك أن أعدادهم في ارتفاع، بسبب الانتقالات السكانية الضخمة والتحضر السريع، ومع ذلك ففي أجزاء من منطقة الساحل، حيث يؤثر الجفاف والمجاعة والعنف المسلح تأثيرًا كبيرًا في ازدياد أعداد "أطفال الشوارع"، ففي مدينة الخرطوم مثلًا - حيث كانت هذه الظاهرة غير معروفة تقريبًا - يوجد الآن ما يقدّر بنحو 120 ألف طفل من الأطفال المعرضين للخطر.

أما المكسيك، فقد أشار المسئولون بمدينة مكسيكو سيتي، التي يزيد عدد سكانها يوميًا بما يربو على ألف نازح من المناطق الريفية، إلى أن هناك 200 ألف طفل يتسكعون في شوارع العاصمة، وفي نيويورك وجد نحو 20 ألف طفل في شوارعها، ينام بعضهم على أرصفة محطات مترو الأنفاق، وفي البرازيل يعيش أكثر من 30 مليون طفل في الشارع.

ومن الغريب أن أجهزة الأمن البرازيلية قامت في التسعينيات باتخاذ قرار بالغ القسوة والفظاعة لمواجهة ظاهرة أطفال الشوارع؛ تمثل في شن حملات موسعة لاصطياد وإعدام الآلاف منهم بنفس الطريقة التي يجري بها إعدام الكلاب الضالة توقيًا للأخطار والأضرار المتوقعة منها!! واعتبرت جميع قوى المجتمع البرازيلي وقتها أن ما قامت به الشرطة هو جريمة مكتملة الأركان، وأن هؤلاء الأطفال هم في حقيقة الأمر ضحايا لا جناة، وأن من البشاعة بمكان أن يعدموا بهذه الطريقة، وكان من الأولى إعادة تأهيلهم.

أما عن حجم مشكلة "أطفال الشوارع" على المستوى المحلي: فإن معظم التعدادات الخاصة بالسكان لا تتضمن حصرًا لمثل هذه التجمعات الهامشية من الأطفال، ونظرًا لصعوبة رصد هذه الظاهرة من الشارع مباشرة، فإننا نعتمد على بعض التقارير واجتهادات الباحثين التي تعطي مؤشرات تقديرية وليست إحصاءات دقيقة؛ حيث تشير الأدلة البصرية إلى أن ظاهرة الأطفال الذين يعملون أو يعيشون في الشوارع، قد أصبحت شائعة في المدن الرئيسية في مصر، وهناك توافق عام في الآراء بأن عدد هؤلاء الأطفال آخذ في التزايد، إلا أنه من الصعب للغاية التوصل إلى تقديرات دقيقة لأعدادهم؛ وذلك بسبب الطبيعة المعقدة والهلامية لظاهرة "أطفال الشوارع"؛ وذلك لأنهم لا يشكلون مجموعة متجانسة.

ولكن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أوضح أن عدد الأطفال المعرضين للفقر الذين يعيشون بين خطي الفقر الأعلى والأدنى في مصر يبلغ نحو 7.5 مليون طفل خلال عامي 2012 و2013، يعيش نحو 36% من هؤلاء الأطفال في المناطق الريفية بمحافظات الوجه البحري، في حين تتوزع باقي النسبة بين المحافظات الحضرية، والمناطق الحضرية بمحافظات الوجه البحري، والمناطق الحضرية والريفية بصعيد مصر.

ومن خلال العرض السابق لحجم مشكلة "أطفال الشوارع" على المستوى الدولي والمحلي، يتضح أن هذه الظاهرة في زيادة مستمرة على جميع المستويات، وأنها تستحق العديد من الدراسات والأبحاث من قبل الباحثين والمهتمين لخطورة هذه الظاهرة، ويجب الاهتمام من قبل المسئولين في الدول بعمل الإحصاءات الرسمية لمعرفة حجم الظاهرة بالتحديد للقدرة على مواجهتها؛ كما يجب الاستعانة بتجارب الدول الأخرى للتعامل مع هذه الظاهرة؛ لأن الأطفال هم أغلى ما تمتلكه الأوطان، وهم مرآة صادقة للحاضر والمستقبل، الذي سيكون أفضل بإذن الله.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
د. إسلام عوض يكتب: تجسس الأزواج

مع وجود الاختلاط في المدارس والجامعات والعمل، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتدني الأخلاق، كثير من الأزواج أو المخطوبين يتشككون في سلوكيات بعض

د. إسلام عوض يكتب: فاصبر على ما لم تُحط به خُبرا (2 - 3)

إن الله إذا أحب عبدًا امتحنه، وليس هناك امتحان للعبد أبلغ من الحزن، فعند الابتلاء تنكشف للعبد عدة حقائق؛ أولاها قوة إيمانه وصبره وتحمله، وثانيتها حقيقة كل من حوله ومدى إخلاصهم أو نفاقهم

الأكثر قراءة