Close ad

جاسيندا على خطى بشار بن برد

28-3-2019 | 21:56

العقل والمنطق والتاريخ يجعلنا نرحب بقرار جاسيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا بحجب اسم وصورة السفاح الإرهابي الذي ارتكب مجزرة ضد المسلمين في صلاة الجمعة.

العقل والمنطق يقولان إن الإرهاب يعتمد، بالدرجة الأولى، على نشر الرعب والخوف وإشاعة اليأس والهزيمة، في العقول والقلوب.

وفي العصر الحديث هو يُهيئ كل شيء قبل مغامرته.. ويستخدم الوسائل المتقدمة، الكاميرات والمصورين ومهندسي الإضاءة والإنترنت، وحتى حسابات التواصل الاجتماعي.

وهو ما طبقه القاتل، بث حي للمجزرة.. عبر استخدام الكاميرات الحديثة والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي؛ يريد أن ينشر الخوف والفزع والرعب قبل أن يصل هو إلى مبتغاه، تمامًا كما قال لنا التاريخ عن التتار.. كانوا يكسبون بالرعب أكثر مما كسبوا بالقتال والمبارزة.

ولأن التاريخ أيضًا شاهد على مُحبي الشهرة، حتى لو ذكرهم بكل نقيصة، وأعطاهم كل رذيلة.. وعاب عليهم كل خطأ.. فلا يهم عندهم!! ..  المهم عندهم أن يذكرهم التاريخ باسمهم.

ولذلك كان الكبار والأذكياء عبر التاريخ يُميتون تلك الأسماء مُبكرًا.. فلا تسمع لهم اسمًا ولا وزنًا.. تمامًا مثلما فعلت جاسيندا!

إماتة الباطل بعدم ذكره أمر فعله بشار بن برد؛ حينما جاءه شاعر هاجيًا له، يكيل إليه الشتائم في قصيدة كبيرة أمام الناس، فعندما سمعها بشار، ترك الشاب والناس وانصرف إلى حال سبيله.. ولما سُئل بشار عن فعلته قال لا أحب أن يَذيع اسم هذا الشاب.. ولما سُئل الشاب الشاعر لما فعلت ذلك قال: وددت لو ذكرني بشار في سطر من قصائده حتى لو بالهجاء.. بقى بشار ومات الشاب الذي لا نعرف اسمه.

الصحابة أماتوا الباطل فلم يصلنا أي شعر من هجاء الشعراء للنبي "صلى الله عليه وسلم" برغم أن الشعراء كانوا كُثرًا في عصره.. ولم يصل إلينا أي تلميح أو تصريح أو بيت شعر وحيد.. لأن العقل طغى على الجهل والحقد والهجاء.

روى الإمام ابن الجوزي حادثة مشابهة وقعت خلال الحج في زمانه، إذ بينما الحجاج يطوفون بالكعبة، قام أعرابي فحسر عن ثوبه، ثم بال في بئر زمزم، وأمسكه الحرس وذهبوا به إلى والي مكة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟ قال الأعرابي: حتى يعرفني الناس، يقولون: هذا فلان الذي بال في بئر زمزم!!

إلى هذه الدرجة يرغب الجُهلاء بالشهرة.. والحاقدون ببث الرعب؟! .. نعم بلا شك

لذلك كلنا يعيب على قنوات فضائية خصوصًا على "الجزيرة" إعطاء الكاميرا والميكرفون، وتخصيص ساعات كثيرة لرجل مثل الإرهابي "البغدادي"؛ حينما أعلن قيام دولته "داعش".. كأننا نكافئه ونزيد له في العطاء.

كذلك في فيديوهات إحراق الطيار الأردني حيًا في قفص حديدي.. وقتل المسيحيين المصريين على شواطئ ليبيا.. وحوادث القتل والدهس في أوروبا وأمريكا.

قس على ذلك ما نقدم من الذهب والفضة بأيدينا إلى "أفيجاي أدرعي" ليشرح وجهة نظره على الشاشات، ويحشي آذاننا بالسم، ويُدخل في عقولنا الكذب.. برغم أن الرد عليه في شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك، أمر يحبه هو.. ولا يليق بنا أن نفعله.

العقلية الإرهابية عندها أسلحة كبيرة وكثيرة.. من بينها المال، والفكر والدعاية.. في الدعاية يمكننا الانتصار؛ كما فعلت جاسيندا وخطفت الكاميرات والأضواء من القاتل الجزار، أصبحت هي البطل في ثياب حداد، وشعبها حولها رجاله يلتفون حول خطبة جمعة المسلمين.. ونساؤه يعتمرن الحجاب تضامنًا مع ضحايا المسجدين.

يجب ألا نساوي بين الضحية والجلاد في النشرات الإخبارية.. لا يحق أن نعطي دقيقة للقاتل المغتصب، في مواجهة دقيقة للشعب المحتل، بحجة المهنية وتعادل حق الظهور دقيقة بدقيقة.

هؤلاء لا يستحقون ثانية واحدة.. لا من عمرنا ولا من ذكر التاريخ

تويتر: @tantawipress

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
أحمد سعيد طنطاوي يكتب: بيت السحيمي والدراما

أثارت الكاتبة الكويتية دلع المفتي، عليّ المواجع، عندما طرحت سؤالا على حسابها الشخصي في تويتر.. عن البيت الرائع الذي يظهر في مسلسل راجعين يا هوى بطولة الفنان خالد النبوي.. وهل مفتوح للزيارة

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: "مصر أرض المجددين"

في رمضان هذا العام، لا يفوتني برنامج مصر أرض المجددين ، فهو وجبة دسمة فى التاريخ والدين والتراث والمواقف والمآثر عن عظماء مروا على أرض الكنانة، أثروا

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: تدبر آيتين من سورة البقرة

مع دخول شهر رمضان، أسارع أنا وغيري بالإمساك بالمصحف ونبدأ بقراءة القرآن، الكل يحاول أن يجتهد على قدر استطاعته، فمنا من يختمه قبل انتهاء الشهر، ومنا من

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: زراعة اللؤلؤ في الإمارات

على بعد نحو 200 متر من شاطئ خور الرمس في رأس الخيمة، استمعت ومجموعة من الصحفيين لمحب وهو يحكي عن حبيبته، والحكي عن المحبوبة يضفي على القول لمسة الصدق فتجعل الكلام يصل بسهولة ويسر إلى القلوب

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: التزييف العميق ووعي المواطن

في مارس 2021 ، أثارت مقاطع فيديو على تطبيق تيك توك ضجيجًا عالميًا حين ظهر النجم الأمريكي المحبوب توم كروز ، وهو يؤدي خدعة سحرية بعملة معدنية

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: رسالة للدكتور خالد عبدالغفار

أمر رائع أن يخرج علينا الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالي والقائم بمهام وزير الصحة، ليوجه بالاستجابة لصرخات المعاقين بشأن عدة نقاط طلبوها أكثر من مرة

أحمد سعيد طنطاوي يكتب: تعذيب المعاقين .. من المسئول؟!

غريب ما تقوم الإدارة المسئولة عن موقع المجالس الطبية المتخصصة، وخاصة فيما يخص تسجيل المعاقين لتحديد موعد للكشف الطبي للحصول على سيارة مجهزة طبيًا