لطالما وُصفت القضية الفلسطينية بقضية الفرص الضائعة، الآن لم تعد هناك فرص لتضيع، وبقيت لنا أحلام على وزن "وا أندلساه" "وا قدساه" لاستعادة مدن كانت لنا في يوم من الأيام، ووحدها الأحلام هي القادرة على استعادتها، تدخل الآن في المشهد الاستعادي والمستحيل هضبة الجولان السوري، والتي احتلتها إسرائيل في يونيو عام 1967، وقررت ضمها نهائيًا عام 1981.
القرارات الدولية.. نعم والشرعية والمجتمع الدولي والعرب والأمة الإسلامية والمسيحية لا يعترفون بضم الجولان، ولن يعترفوا علنًا في أي وقت.. ولكن ما الجدوى.. إسرائيل تسيطر مرتاحة ومستقرة على الجولان، والهضبة تبعد عن دمشق 60 كيلوا مترًا.. ولم تضرب سوريا رصاصة واحدة باتجاهها.. ولم تتفاوض لإعادتها.. وقال رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين ذات مرة، إذا أراد الرئيس حافظ الأسد أن نخرج من الجولان فليأتي ويقول لي إنه يريد الجولان، وأنا سأرد بالرفض، ومن هنا تبدأ المفاوضات.. إن صور أو ذكرياته وهو يستحم في بحرية طبرية أسفل الجولان الرئيس حافظ الأسد لم ولن تجدي شيئا.. هي أرض سورية، والعالم كله يقول بذلك، لكن الحق لا يعود وحده إلى البيت مهما تاه مستخدما الرائحة.
ثم جاء الثوريون السوريون من دون تقدير ليدمروا بلدهم التي دخل فيها كل جيش وكل عصابة وكل هاو ومحترف قتال وجهاد.. فلماذا لا تطمع فيها إسرائيل.. كل الأطراف في سوريا لم تقدر ما تفعله، وباعت نفسها لكل أنظمة الجوار، ونظرت للمصلحة الشخصية في إبقاء هذا أو إزاحة ذاك، من دون النظر أو اعتبار أن هناك وطنا يضيع وأراض تستباح.
لا أذكر واقعة رابين والأسد لألوم دمشق على عدم التطبيع، هذا خيارها، وهو خيار قومي عظيم، لكن هل المسألة هي تطبيع أو لا تطبيع، ونقف هنا عند هذا الحد، أليست هناك خيارات أخرى، مثل الحرب، لقد ظلت دمشق ترفض الحرب التي تحدد إسرائيل توقيتها ومداها، وأرادت هي أن تحدد متى تحارب، لكنها لم تفعل ذلك أبداً.. وبعد أن تم تخريب سوريا بمؤامرة دولية اتخذت من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذراعًا، ومن الثوريين السوريين قفازًا، ومن الغاضبين من بشار الأسد تمويلا، لن يكون بوسع سوريا أن تحارب في المدى المنظور.
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط هناك الذئاب في كل وقت حول مزارع الكروم، فكل مصيبة تحل بنا هي لفائدة إسرائيل..
ولا أعرف لماذا لم يستفد العرب من أي أزمة.. والآن يستكثر العرب وينتجون بغزارة تصريحات رافضة لتغريدة دونالد ترامب بضرورة الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري.. ولكنهم لا يتذكرون تصريحات شديدة اللهجة ضد ترامب عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقرر نقل السفارة الأمريكية إليها.
وإذ يدرس ترامب وإدارته رد الفعل على قرار القدس، ويجدونه هواءً، أو لا يساوي الحبر الذي كتب به، فله أن يتخذ أي قرار لصالح إسرائيل.. فلا عواقب تقريبًا، سوى العواقب اللفظية.. ترامب الذي يتحسب لأي عمل له ضد الصين أو كوريا الشمالية لا يعتني كثيرًا بتقدير العواقب لأي خطوة يقرر اتخاذها، وقد تكون مسببة لغضب العرب..
الكل غاضب من الحكام إلى السياسيين، من الجامعة العربية إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا النهج عرفه الغرب عنا، ويستلقون على "قفاهم" من الضحك، وتصريحات وتمر، وغضب وينقشع.. لا بأس.. فقليل من الغضب لن يضر أحدًا.
أما جامعة الدول العربية والتي ترتب حاليًا لقمة تونس، فإنها تبدو مع كل قمة في مواجهة أزمة طاحنة، وفي القمة الأخيرة في السعودية، وردًا على قرار ترامب بنقل السفارة تحولت القمة إلى قمة القدس.. وربما تتحول قمة تونس إلى قمة الجولان.. وهي قطعًا ستؤكد رفض المحاولات الأمريكية التي لن تقرر واقعًا في الجولان التي هي أرض محتلة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية.
أما الرد الحقيقي فهو صعب ويكاد يكون مستحيلاً، ويقتضي الصدام العربي الموحد مع واشنطن، واتخاذ موقف مزدوج وقوي لصالح القدس والجولان، وربما مزارع شبعا اللبنانية التي ستكون الفصل الثالث، وموعدها قريب.. موقف يوجع الولايات المتحدة ويجعل الإدارة في واشنطن تراجع خطواتها، وتعاملنا بشيء من الرفق بدل هذه الغطرسة التي تفقأ أعيننا وتدمي ضمائرنا وتغرقنا في الهوان.
أما الأحلام فقد تراكمت علينا ولنا قدرات كبيرة في تذكرها، جميعها، وهي تصلح للسمر التاريخي.. إما نتخذ موقفًا حقيقيًا أو نخطط بجدية لليوم الذي يمكننا فيه اتخاذ هذا الموقف؛ لأن التخلف الحضاري والاقتصادي والتعليمي لن يجعلنا مؤهلين كعرب في يوم من الأيام لاسترجاع حقوقنا، هو فقط يسمح لإسرائيل بالاستقرار النهائي والشامل، وأن تكون حقيقة ماثلة للأعين، ودولة وجدت لتعيش، وقد يطوف رئيس وزرائها بأدب جم على عواصم إفريقية وعربية وآسيوية، ليقول للجميع إنه بات لاعبًا أساسيًا، وأن إسرائيل مستعدة لمساعدة هذه الدول وتدريب كوادرها.
ومن دون مصادرة على قمة تونس الوشيكة فإن الشارع العربي من المحيط إلى الخليج في انتظار قمة توقظنا من الأحلام وتهيئ لعمل عربي مشترك ينهي مهزلة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبسيادة إسرائيل على الجولان