داليا زيادة مدير المركز المصري للدراسات الديمقراطية الحرة لـ"بوابة الأهرام":
موضوعات مقترحة
- بريطانيا يجب أن تتحمل مسئوليتها أمام العالم بشأن كل الأعمال الإرهابية التي مارسها الإخوان
- مصربدأت تستعيد قوتها بعد فترة عصيبة مرت بها.. وقطعنا شوطا كبيرا في التطور الديمقراطي
- حادث نيوزيلندا الإرهابي نتيجة خطابات الكراهية لليمين المتطرف في الغرب
- هناك أوجه تشابه بين حادث نيوزيلندا والروضة الإرهابي .. والجريمتان وقعتا بطريقة "الذئاب المنفردة"
- علاقتنا بأمريكا أكبر من أخطاء بعض موظفي سفارتها.. وهناك تقارب بين قادة البلدين على المستوى السياسي والعسكري
- الانحيازات السياسية أضرت بمصداقية وتاريخ "بي بي سي".. والعائدون من داعش يشكلون خطورة على مجتمعاتهم
- 49 منظمة تعمل في بريطانيا تابعة بشكل مباشر للجماعة وتعمل باسمها دون محاسبة أو مراقبة
قالت داليا زيادة، مدير المركز المصري للدراسات الديمقراطية الحرة، إن مصر بدأت تستعيد قوتها وأصبحت الدولة أكثر استقرارًا، مشيرة إلى أن حادث نيوزيلندا الإرهابي يكشف مدى الدرجة التي وصلت إليها خطابات الكراهية التي يتبناها اليمين المتطرف في الغرب، موضحة أن بريطانيا ترتكب جريمة في حق العالم كل يوم بسبب استمرارها في استضافة ورعاية جماعة الإخوان المسلمين.
وأضافت زيادة، في حوار لـ"بوابة الأهرام"، أن هناك شبكة لجماعة الإخوان الإرهابية في بريطانيا تتألف من منظمات حقوقية وخيرية وأفراد تابعة بشكل مباشر للجماعة وتعمل باسمها دون محاسبة أو مراقبة، يصل عددها إلى 49 منظمة.. وإلى نص الحوار.
- بداية.. نريد أن نتعرف على رؤيتك للمشهد السياسي الراهن؟
أرى أن مصر بدأت بالفعل تقف من جديد وتستعيد قوتها بعد فترة عصيبة مررنا بها خلال السنوات الماضية، فعلى المستوى السياسي والأمني، أصبحت البلاد أكثر استقرارًا وأصبح لدينا هيكل مؤسسي يحكم الدولة ويدير شئونها، واستعادت مصر رونقها كلاعب إقليمي مهم في العلاقات الدولية على كل الأصعدة، مقارنة بالسنوات الخمس الماضية التي كنا نتمنى بالكاد الحفاظ على الدولة والإبقاء على الوطن، فنحن بالفعل قطعنا شوطاً كبيراً في مجال التطور الديمقراطي لكن ما زال المشوار طويلاً، لهذا يجب ألا ننسى أن جزءا كبيرا من هذا النجاح كان سببه تكاتف الشعب وسموه فوق الاختلافات ووقوفه وراء القيادة السياسية وثقته فيها، ولو حافظنا على هذه الروح سنتمكن من مواصلة المشوار حتى نصل بمصر إلى الصورة التي نطمح إليها، من حيث إن تكون دولة آمنة مستقرة ينعم فيها المواطن بحياة كريمة ويمارس حقوقه بحرية كاملة.
- كيف تنظرين إلى حادث نيوزيلندا الإرهابي؟
نيوزيلندا دولة مسالمة وهادئة جدًا، لهذا وقوع مثل هذا الحادث الإرهابي فيها أمر مفزع، وينبهنا إلى الدرجة البشعة التي وصلت إليها خطابات الكراهية التي يتبناها اليمين المتطرف في الغرب.
- هل ترين أن هناك تشابها بين حادث نيوزيلندا وحادث الروضة الإرهابي؟
لو قارنت بين حادث مقتل المصلين في مسجد نيوزيلندا وحادث مقتل المصلين في مسجد الروضة قبل عامين، ستكتشف حجم التشابه الكبير بين الواقعتين، فكلاهما تم تنفيذه بطريقة "الذئاب المنفردة" بمعنى أن منفذ العملية مارس جريمته دون أن يكون منتميًا إلى تنظيم معين، ولكنه تأثر بخطاب الكراهية المنتشر بقوة في الغرب ضد المسلمين، سواء على لسان وسائل إعلامية أو رجال سياسة، مدفوعًا بهذه الكراهية فكر هذا الإرهابي وخطط ونفذ الهجوم معتقداً أنه يقوم بفعل سيشكره الله عليه، مثله في ذلك مثل العناصر التي يجندها داعش عبر الانترنت وتمارس القتل باسم الدين.
- من وجهة نظرك كيف يمكن مواجهة خطاب الكراهية الذي ظهر بصورة واضحة في الآونة الأخيرة؟
للأسف المنصات المفتوحة على الإنترنت، أجاد الأشرار، من كل حدب وصوب، استخدامها حتى أصبحت مسألة تجنيد الأشخاص لتنفيذ أعمال إرهاب وعنف بالنيابة عنهم أمر في منتهى السهولة. ولهذا يجب أن ينتبه العالم لأن انتشار خطاب الكراهية هو أصل المشكلة، ويجب التصدي له، وأول نقطة يجب العمل عليها هو الخطاب الذي يتبناه اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا، لأن الإرهاب الذي يمارس باسم الإسلام في منطقتنا هناك من يتصدى له بالفعل، العالم كله يحارب الإرهاب المنسوب للإسلام ويرفض داعش، لكن ليس كل العالم ينظر إلى إرهاب اليمين المتطرف في الغرب بنفس الطريقة، بل أحياناً يعطون له مبررات على أنه رد فعل على التطرف الإسلامي، وهو أمرغير صحيح بالمرة.
-إلى أي مدى ترين وجود ارتباط بين دور جماعة الإخوان ونشر الشائعات والأكاذيب ضد الدولة المصرية؟
لعبة نشر الشائعات وتضخيمها لإحراز أهداف سياسية معينة، هي لعبة قديمة يمارسها الإخوان باحترافية شديدة منذ عقود، ولعل أقرب نموذج لنا كان الكم الهائل من الأكاذيب التي روجوها ضد المجلس العسكري في فترة ما بعد ثورة يناير، وكم الأكاذيب الضخم الذي روجوه عن أداء قوات الأمن في أحداث رابعة، فبينما اشتبكوا مع الأمن بالأسلحة روجوا للعالم كله وباحتراف شديد أكذوبة أنهم كانوا غير مسلحين وأن قوات الأمن قتلتهم! والإخوان مثل كل الأشرار في عالمنا، عندما ظهرت مواقع السوشيال ميديا وجدوا فيها ضالتهم، فهي منصات مفتوحة لا حسيب ولا رقيب عليها، واسعة الانتشار والتأثير، لهذا استغلوها لنشر أكاذيب تزعزع العلاقة المتينة بين المواطنين والقيادة السياسية، واستهدفت هز ثقة المصريين في الرئيس السيسي الذي اختاروه وترجوه ليقود البلاد بعد أن انقذها من براثن الإخوان، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر واكتشف الناس أكاذيبهم المنتشرة في العالم الافتراضي، وأظن أن أغلب المواطنين اليوم لديهم درجة من النضج السياسي تسمح لهم بتمييز ما يقرأونه على مواقع السوشيال ميديا، وهذا هو المهم، فالوعي هو أقوى سلاح ضد الشائعات أياً كان مصدرها.
- كيف تنظرين إلى استضافة بريطانيا عناصر من جماعة الإخوان الإرهابية؟
بريطانيا ترتكب جريمة في حق العالم كل يوم، بسبب استمرارها في استضافة ورعاية جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، رغم السجل الإجرامي للجماعة، فبريطانيا هي الدولة الوحيدة في العالم اليوم التي يعيش فيها الإخوان بمنتهى الحرية، ولهم حق اللجوء السياسي بمجرد إعلان أنهم ينتمون للجماعة، ويمارسون عملهم دون أي محاسبة أو مراقبة، بل تستعين بهم أكبر أجهزة الدولة بما في ذلك المخابرات والبرلمان، وعلى بريطانيا أن تتحمل مسئوليتها أمام العالم بشأن كل الأعمال الإرهابية التي مارستها الجماعة في ظل هذه الحماية السياسية والمالية التي توفرها لهم، فقد وثقنا قيام الإخوان بما يزيد على ثلاثة آلاف جريمة عنف داخل مصر فقط بين يونيو 2013 وديسمبر 2015، ولا يمكن أبداً أن يدعي أحد أن القيادات الإخوانية التي تعيش مُنّعمة الآن في بريطانيا بريئة من هذه الأعمال الإرهابية التي قام بها قواعدهم التنظيمية في مصر، فهم من وفر لهم التمويل والغطاء السياسي ودافع عنهم في وسائل الإعلام.
- كم عدد المنظمات التابعة للإخوان في بريطانيا والتي تتلقى تمويلات وتستهدف تشويه سمعة مصر دوليا؟
هناك شبكة لجماعة الإخوان في بريطانيا تتألف من منظمات حقوقية وخيرية وأفراد تابعة بشكل مباشر للجماعة وتعمل باسمها دون محاسبة أو مراقبة، يصل عددها إلى 49 منظمة، وقد أصدرنا دراسة تناولت بالتوثيق تورط تنظيم الإخوان في بريطانيا في تمويل وممارسة والتحريض على أعمال العنف التي شهدها الشرق الأوسط وأوروبا في السنوات الأخيرة، لا سيما أن بريطانيا أصبحت هى المركز الرئيسي لأنشطة الإخوان والقيادات العليا للجماعة يعيشون هناك ويمارسون أنشطتهم التخريبية بحرية كاملة، في ظل التودد غير المنطقي الذي تظهره بريطانيا، على مستوى الحكومة والمخابرات والبرلمان، تجاه الإخوان، خصوصاً منذ أن تولت تيريزا ماي رئاسة الحكومة في 2016.
-كيف تنظرين إلى معالجة الـ"بي بي سي" للقضايا المصرية؟ وهل تنظرين إليها باعتبارها بعيدة عن الانحيازات السياسية؟
للأسف الانحيازات السياسية أضرت بمصداقية وتاريخ بي بي سي، ومثيلاتها من المنصات الإعلامية الكبيرة، التي انحازت لدعم الإخوان وتصيد الأخطاء لمصر في السنوات الأخيرة، مدفوعة إما بأوامر سياسية عليا أو بتمويلات مالية، أذكر أنني في عام 2017 طلب مني إجراء مقابلة على بي بي سي وورلد الناطقة بالإنجليزية، وأثناء وجودي في الأستديو، وبسبب أنني كنت أتحدث بشكل إيجابي عن الاستقرار الأمني في مصر وخطط التنمية الطموح للرئيس السيسي، تم قطع الإرسال عني وأنهي المحاور اللقاء بشكل غريب جداً، وهذا مجرد مثال واحد لحالات مماثلة أنا متأكدة أنها حدثت مع غيري أيضاَ، "بي بي سي" من المفترض أن تعمل بمهنية وتكون مصدرا موثوقا فيه لما تقدمه من أخبار ومعلومات، لكن للأسف عندما تولى إدارتها بعض الأشخاص الذين لديهم انحيازات سياسية أفشلت المؤسسة البريطانية وأضرت بتاريخها.
- هل ترين أن اقتصاد بريطانيا يعتمد على وجود جماعة الإخوان الإرهابية فقط، ولكن هناك حسابات أخرى بين لندن والجماعة؟
بالطبع لا، المسألة ليست اقتصادية كما يروج البعض، لكنها علاقة سياسية ومخابراتية تلك التي تجبر بريطانيا على هذا الالتزام المشين بحماية الإخوان، فجماعة الإخوان الإرهابية لها علاقات وثيقة مع لندن كون أن الأخيرة لها دور رئيسي في تأسيسها، والاستخبارات البريطانية تستعمل جماعة الإخوان كوسيلة ضغط على الدول المناوئة لها، بينما مصلحة الجماعة هو البقاء وهذا ما توفره بريطانيا بعدما لفظتهم الدول الأخرى، كما أن بعض السياسيين في الأحزاب البريطانية الكبرى يعتمدون على الإخوان وانتشارهم الكبير في المساجد هناك للعمل لحسابهم في تجنيد الجاليات المسلمة لمنحهم أصوات في الانتخابات، خصوصاً مع التنامي الكبير في عدد المسلمين في بريطانيا، خصوصاً المهاجرين من شرق وجنوب أسيا.
- هل ترين أن العائدين من داعش يشكلون خطورة حقيقية على مجتمعاتهم؟
بكل تأكيد، هؤلاء كانوا مواطنين يعيشون في أمان واستقرار داخل دولهم التي تمنحهم الحياة الكريمة والحرية وكل شيء، لكنهم اختاروا بكامل إرادتهم السفر إلى داعش والانضمام لها، ومارسوا العنف والقتل بدم بارد، لهذا فإن عودتهم الآن هو تهديد صريح على أمن تلك البلاد التي كانوا ينتمون إليها، فبمقدور كل منهم أن يكون نواة لجماعة داعشية صغيرة داخل بلده، خصوصاً أن القوانين المعمول بها في هذه الدول والطبيعة المنفتحة جداً للمجتمعات هناك، ستجعل مسألة معاقبة أو قتل هؤلاء العائدين أمرًا في منتهى التعقيد، ومن ثم سيكون من الصعب السيطرة عليهم، لهذا اتفهم جيداً موقف أمريكا وأوروبا من عودة مواطنيها الذين انضموا لداعش إليها الآن.
- وماذا عن الدراسة التحليلية التي أعدها المركز المصري لدراسات الديمقراطية الحرة بشأن "التعديلات الدستورية المقترحة وأثرها على التطور الديمقراطي في مصر"؟ وهل ترين أن مرونة مبدأ تعديل الدستور للتكيف مع المتغيرات السياسية أمر ضروري حاليا؟
لن أفعل مثلما فعل غيري وأكرر عليكم أسماء دول في أوروبا قامت بتعديل دساتيرها عشرات المرات على مدار تاريخها، ولن أتحدث عن جبروت أردوغان في تركيا وتعديله للدستور لزيادة صلاحياته مقابل صلاحيات البرلمان، فأنا أرى أن المقارنة هنا ظالمة لأبعد حد، فمصر ليست دولة أوروبية، والرئيس السيسي أرفع وأسمى من أن يقارن بهذا الأردوغان، أولاً، علينا أن نعترف بأن الدول الأوروبية التي يقارنون دستور مصر بدستورها الآن هي دول طاعنة في الديمقراطية، مستقرة أمنياً وسياسياً، وأن أغلب الدساتير الحاكمة في هذه الدول لا يحتوي إلا على عدد محدود جداً من المباديء العليا التي تنظم حالة الحقوق والحريات في هذه البلاد وتقر بالتزام النظام الحاكم بها، على عكس دستور مصر الحالي والذي يضم 247 بنداً، وهو عدد مهول، نظراً لأن اللجنة التي وضعت الدستور كانت حريصة بشكل مبالغ فيه على تناول كل تفصيلة سياسية واجتماعية وحقوقية، وقد أثبت التطبيق العملي فيما بعد أن هذا التفصيل المبالغ فيه لنصوص الدستور قد قيد عمل المشرعين في البرلمان إلى حد كبير أثناء صياغة القوانين المختلفة.
ولا يخفى على أحد أن أغلب الدول الأوروبية التي يشيرون إليها في المقارنة مع مصر، قد مرت هي الأخرى بثورات وحروب ومراحل انتقالية تشبه تلك التي مرت بها مصر بعد ثورة يناير، لكن أيا من هذه الدول لم يكتب دستوره في وسط المرحلة الانتقالية مثلما فعلنا نحن على عجلة من أمرنا، بل إن هذه الدول استغرقت عشرات السنوات لتستقر في الشكل الديمقراطي التي نراها عليه الآن، الولايات المتحدة الأمريكية، رائدة المذهب الديمقراطي الليبرالي في العالم، غاصت ما يقرب من المائة عام في حروب أهلية ضارية قبل أن تستقر في النهاية على كتابة دستور وبناء دولتها الديمقراطية الليبرالية المستقرة التي نراها اليوم.
كما أن المدقق في السياسة الداخلية لكل دولة من هذه الدول، ويتابع تفاصيل توزيع نظام الحكم بين مؤسساتها وطرق تداول السلطة وحاكمية الدستور في كل منها، سيكتشف أن لكل منها نظامها الخاص، ولم تتفق جميعها على شكل واحد أمثل لإدارة الحياة السياسية فيها بطريقة "مقاس واحد يناسب الجميع"، فنجد أن بعض هذه الدول يطبق النظام الرئاسي في إدارة شئون الحكم، بينما بعضها يعتمد على النظام البرلماني، وبعضها الآخر تحكمها هيئة استشارية، وبعضها ما زال يحتفظ بالنظام الملكي مع إعطاء صلاحيات أوسع لرئيس الوزراء، إلى آخره. فكل دولة من الدول الديمقراطية الليبرالية في العالم اليوم، قد صممت نظامها السياسي الخاص على مدار سنوات من الإخفاق والإصلاح، حتى استقروا في النهاية على شكل لنظام الحكم يضمن تحقيق المناخ السياسي الملائم للمواطنين لممارسة حقوقهم المدنية والسياسية في إطار حياة آدمية كريمة، وهذا بالضبط هو ما نسميه الديمقراطية الليبرالية، أي الديمقراطية التي تتجاوز حدود صندوق الانتخابات، ولا تأخذه معياراً على التقدم السياسي أو الاجتماعي، بل تهتم أساساً بتوفير الحقوق والحريات للمواطنين بغض النظر عن النظام السياسي الذي تختاره الدولة وفقاً لإرثها الثقافي والتاريخي وتعقيداتها الاجتماعية والسياسية.
ومن أبرز ملامح الدولة الديمقراطية الليبرالية في إطار هذا التعريف، أن تكون لها ثلاثة أركان، أولها دستور حاكم يمثل السيادة المطلقة للقانون على الجميع، وثانيها مؤسسات فاعلة ذات أدوار متكاملة لا متداخلة، وثالثها مجتمع مدني قوي بشقيه الخيري والحقوقي، ويكون دور الدستور هو إقرار المباديء العليا التي تضمن الحقوق والحريات ويكون بمثابة المرجع الذي يعود إليه كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمواطن العادي في إدارة تفاصيل التفاعلات السياسية والاجتماعية فيما بينهم. ولكي يتمكن جميع الأطراف من الالتزام بمبادئ الدستور والاحتكام إليه، يجب أن يتمتع هذا الحاكم الأعلى – أي الدستور – بدرجة من المرونة تيسر على الجميع الاحتكام إلى مبادئه والالتزام بها والسعي لتنفيذها، ومن ملامح هذه المرونة أن يسهل تعديل الدستور وفقاً لتغير الظروف السياسية في البلاد بما يضمن مزيد من الحقوق والحريات والتطور باتجاه الدولة الديمقراطية.
ومن ملامح المرونة أيضاً عدم تناول الدستور لأدق أدق التفاصيل واعتماده على المبادئ العليا في ضمان الحقوق والحريات وشكل الدولة، ومن ملامح المرونة أيضاً ألا يضم الدستور نصاً كتلك المادة الموجودة في دستورنا الحالي (مادة 226) التي تحرم إجراء تعديل على مواد بعينها في الدستور، حيث إن هذا الجمود في حد ذاته هو ضد مبدأ الدولة الديمقراطية أصلاً، فالممارسة الديمقراطية متغير دائم، السياسة نفسها متغير دائم، ولا يمكن إدارة مناخ سياسي سليم تحت دستور عصي على التعديل أو التكيف مع المتغيرات، ونحن في مصر، ما زلنا نرسم ملامح النظام السياسي الأكثر ملائمة لطبيعة وتاريخ وتعقيدات الدولة المصرية، ومن بين ذلك قد نضطر للدخول في إجراءات مثل عمل تعديلات دستورية من وقت لآخر حتى نصل لحالة الاستقرار السياسي النهائي التي وصلت لها دول أخرى، فعملية بناء دولة ديمقراطية هي عملية متواصلة ومستمرة ولن تنقضي بين يوم وليلة أو بمجرد كتابة نص دستوري أو إجراء انتخابات بين حين وآخر، كل هذه مجرد خطوات صغيرة في اتجاه الهدف الأسمى وهو أن تكون مصر وطن يتمتع فيه المواطن بحقوقه وحرياته.
- وما تعقيبك على ما ورد بالقسم الخاص بمصر بالتقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان فى العالم لعام 2018؟
أظن أن هذا التقرير، هو نتيجة لخطأ وقع من بعض الموظفين بالمكتب السياسي بالسفارة الأمريكية هنا في القاهرة، فهم للأسف انتقائيون جداً في المعلومات التي يستخدمونها، بحيث يعتمدون فقط على المنظمات الحقوقية التي تحمل موقف عدائي صريح ضد الدولة المصرية، بما يجعلها حتماً متحيزة وغير منطقية في تقديم رأيها بشأن تطور حقوق الإنسان في مصر، ناهيك طبعاً عن كون هذه المنظمات تعمل خارج إطار القانون وليس لها شرعية للتحدث عن حالة حقوق الإنسان في مصر أصلاً، وهذا خطأ كبير عليهم تداركه، لأن هذا يعطي صورة خاطئة تماماً عن الأوضاع الحقوقية في مصر، بما يضر بعلاقاتنا الدولية بشكل عام وعلاقتنا مع أمريكا بشكل خاص، كما أن هذا التقصير من جانب المكتب السياسي بالسفارة يضر أيضاً بالعمل المتميز الذي يقوم به القائم بأعمال السفير والقيادات الأخرى في السفارة الذين يبذلون مجهودات ناجحة جداً لتحسين العلاقات بين القاهرة وواشنطن، فضلاً عن التقارب الواضح على مستوى القيادة السياسية والعسكرية بين مصر وأمريكا في السنتين الأخيرتين، لهذا أعتقد أن علاقات مصر وأمريكا ستظل أكبر وأهم من أخطاء بعض الموظفين وأدعوهم أن يصلحوا من أدائهم الفترة القادمة.