أكتب إليك منتشيًا - مثلك - بـ "الأوفر" الرائع الذي صنعه مو صلاح لساديو مانيه، فانتهى آخر حلم لبايرن بالعودة في مباراته مع ليفربول بعد إحراز الهدف الثالث ضمن دوري أبطال أوروبا.
وعلى إيقاع عاصفة ترابية تصنع شبكة برتقالية في سماء القاهرة، تكتمل عناصر المؤثرات الخارجية التي تليق بالكتابة، سريعًا ومبدئيًا، عن اثنتين من أجمل المجموعات القصصية الصادرة مؤخرًا لمحمد عبد النبي "كان ياما كان" و"مسيح باب زويلة".
الكتابان الأنيقان شكلاً ومضمونًا صادران عن دار "العين" برغم تباعد أجوائهما، إلا أنهما يشتركان في سمات أساسية أبرزها الرغبة في التجديد، ومحاولة صنع إضافة حقيقية للسردية المصرية دون تنازل عن متعة القراءة ولذة النص التي طالما قرأنا عنها ونادرًا ما اقتحمتنا مثل نشوة عقلية غامرة .
مصطفى، ابن التسعينيات وما بعدها، المنذور للمغامرة والقلق، عرفته مدهشًا في "ما لا يعرفه أمين" ثم فاجأنا برائعته الاستثنائية "عفاريت الأسمنت" لنعرف أن نفوذه الإبداعي يمتد ليضرب بقوة شواطئ السينما، في مجموعته الجديدة يتحول كعادته الجميلة إلى كاميرا ترصد بحساسية وبطء ظاهر وباطن شخصياته، جمل هادئة لكنها مشحونة بتوتر كامن تحت السطح: صاحبة الوشاح التي لا تقول لا بل "توء"، والمصور الذي يجذب ضحاياه إلى حتفهم بحنو، والمشلول الشهواني بعنف، والمدينة التي ترحل لكنها تترك شارعًا لاحتواء أرواح ضائعة، وذلك الرجل، نعم هو بشحمه ولحمه، الذي يتحول ليلاً لطائر بلا اسم.
أما نيبو، حدوتة السرد الجديد، فيشكل مع أسماء أخرى كنجلاء علام، وطارق إمام، وشريف صالح، ونهى محمود، وحسن عبدالموجود، أحد رهاناتنا على استعادة مجد القصة المصرية القصيرة، "لا يمنع هذا أنهم ربما يجلسون في بيوتهم حين تصدر قصص العبدلله: الحزن طفل نائم". يرد عبدالنبي الاعتبار لفكرة أحبها للغاية في المجموعات القصصية وهى فكرة "التيمة" أو الفكرة الأساسية التي تنتظم حولها بقية النصوص؛ مثل تنويعات موسيقية على لحن واحد، يشتغل نيبو على إرثنا من قصص الأطفال، العبوات الناسفة التي انفجرت قديمًا في مخيلتنا، الجمر الذي اشتعل قديما ولم ينطفئ بعد.
هنا ستجد - على سبيل المثال لا الحصر - أصداء لحكايات رحلات جاليفر، وحواديت الكاتب الدنماركي هانز كرستيان اندرسن، فضلاً عن صوت أبلة فضيلة في "غنوة وحدوتة "، فضلًا عن مصادر غنائية ودرامية عديدة، يستلهم نيبو خيطًا ما، من الحدوتة ثم يعيد غزله ليخلق منه خرافته الجديدة التي تمسك مثل عصب عارٍ بطفولتك الهاربة ونضجك الكاذب.
هذه ليست قراءة نقدية بالطبع، فأنا رجل على باب الله، ثم إن النقد لا يليق ببرج الحمل، لكنها تحية أولية لكاتبين موهوبين تعاونا مع خيالنا المتعطش لدفقة إبداعية، فكان الشكر واجبًا.