Close ad

"بوابة الأهرام" تقضي 3 ساعات في عربة إنقاذ المشردين.. وراء كل حالة قصة مأساوية انتهت بـ"حياة كريمة"| فيديو

22-1-2019 | 22:01
بوابة الأهرام تقضي  ساعات في عربة إنقاذ المشردين وراء كل حالة قصة مأساوية انتهت بـحياة كريمة| فيديوجانب من تعامل فرق وزارة التضامن لانقاذ المشردين ضمن مبادرة حياة كريمة
داليا عطية

قامت "بوابة الأهرام" بمرافقة وحدات برنامج "مواطنين بلا مأوي" ونقلهم من الشوارع إلي "حياة كريمة " في رحلة استغرقت ثلاث ساعات، وكانت البداية من ميدان التحرير حيث نقطة تمركز الوحدة .. ففي تمام السابعة والنصف مساءً، بدأت رحلة البحث عن مواطنيين مصريين اضطرتهم  ظروف الحياة إلى اتخاذ الشارع مقرا لإقامتهم.

موضوعات مقترحة

كل حالة منهم تقف خلفها قصة مأساوية ورواية تدين مجتمع بأكمله، إلا أن مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى وتكليفه للحكومة بضرورة توفير الرعاية الكاملة لهؤلاء فتح أبوب الأمل أمامهم في "حياة كريمة" تعوضوهم سنوات الحرمان والمعاناة التى قضوها فى الشوارع، ففي قلب القاهرة الساهرة كانت رحلة البحث عن المشردين.

صدمة البداية 
فى البداية بدأ هشام طه منسق الوحدة المتنقلة، يوضح خط سير الوحدة، قائلًا : "هنعمل مسح لمنطقة وسط البلد".. تحركت العربة بالفعل مخترقة شوارع وسط البلد، إلا أن نظرات المارة لا تخلو من الدهشة والاستغراب رغم أن العربة مكتوب عليها أنها تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي وعليها رقم 16439 للإبلاغ عن المواطنين بلا مأوي أو المشردين لكنهم يبدون وكأنهم لا يصدقون ما يجري في شوارع البلد، وأن الحكومة تبحث عن أولئك الذين ضاقت بهم ظروفهم المادية أو الاجتماعية أو الصحية، وانتهت بهم إلي أن يسكنوا الشارع لتنتشلهم من هذا العالم القاسي وغير الآمن بالمرة وتنقلهم إلي حياة كريمة.

بوابة الأهرام تتابع جانب من تعامل فرق وزارة التضامن لانقاذ المشردين ضمن مبادرة حياة كريمة

نظرات شاب ثلاثيني مشرد
ظلت نظرات المواطنين للعربة التي تسير بسرعة لاتتجاوز 10 كيلومترات، كما هي نظرة دهشة، حتي دخلت العربة شارع شريف، في تمام السابعة والنصف وتوقفت بعد أن لاحظ شباب فريق الإنقاذ شابًا مشردًا وأخذ الحديث يدور بينهم.

فى البداية حاول الفريق إقناعه بأنه سيكون في مكان أفضل إذا وافق على الذهاب معهم  إلا أن الشاب تبدو عليه علامات عدم تصديق ما يقوله الفريق، ويتساءل عن ضمانات حقيقة ما يقولون؟ وأخذ يردد غير مصدق : "أنتو حكومة ؟ أنتو حكومة ؟ " في إشارة إلى أنه يخشي إيداعه في قسم الشرطة لكن فريق الإنقاذ حاول طمأنته  قائلًا :"مش حكومة .. متخافش .. تعالي معانا وهنوفرلك حياة كريمة".

استمرت محاولات فريق الإنقاذ إقناع الشاب بمغادرة الشارع، وفي المقابل  يريد الشاب الذهاب معهم لكنه غير مطمئن وفي محاولة مني لطمأنة الشاب صعدت  إلي العربة، ودخلت الكابينة حيث بها عشرات الأطباق لوجبات أعدها بنك الطعام، كمساهمة لدعم الحملة  وقدمت له وجبة  قائلة :"خد دي تلاقيك جعان وبعدين كمل كلامك".

وحين رأى الشاب الوجبه رد على الفور: "أنتو كده خلاص مش حكومة"، وعندما سألناه :"اشمعنا" أجاب والضحكة قد ملأت وجهه المُجهد قائلًا :"الحكومة مبتمسكش أكل في إيديها".


جانب من تعامل فرق وزارة التضامن لانقاذ المشردين ضمن مبادرة حياة كريمة

10 سنوات في الشارع
بعد أن نجح الفريق في إقناع الشاب، ودخل العربة، تواصلت رحلة البحث عن المشردين في قلب القاهرة، وخلال هذه الرحلة كان لا بد من الحوار مع  الشاب الذي يدعي محمد أحمد ويبلغ من العمر 31 عامًا، الذى روى أسباب وجوده في الشارع : قائلا : "إن الموت حرمه من والديه.. ولديه إخوة  من الأب لكن العلاقات بينهم ليست جيدة"، ثم  يتوقف محمد عن الحديث ثواني معدودة وكأن شيئًا يمر على ذاكرته ثم يتابع الحديث قائلًا :" أقولك أنا جيت معاكم ليه ؟ "علشان ارتاح من الشقى .. أنا أسكن الشارع  منذ 10 سنوات .. كفاية".


جانب من تعامل فرق وزارة التضامن لانقاذ المشردين ضمن مبادرة حياة كريمة

مبدأ الشارع
"كنت بتصرف إزاي علي نفسك ؟" سؤال طرحته "بوابة الأهرام" على محمد ليجيب وبدون تردد قائلًا : "بنتعامل في الشارع بمبدأ لو عندك مصلحه في مكان اسقط عليه"، لكنه في الوقت ذاته تساءل عن العربة قائلًا : "تبع إيه الاتوبيس ده" ليجيب عليه هشام طه منسق الوحدة بأننا تابعون لوزارة التضامن الاجتماعي.

فتساءل أيضًا :" بس أنا أول مرة أشوفكم" ليجيب أحمد كمال أخصائي اجتماعي أن العربة كانت مختصة بنقل الأطفال المشردين من الشارع إلي دور رعاية لحمايتهم، وذلك طبقًا لبرنامج أطفال بلا مأوي، وبعد مبادرة "حياة كريمة" التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي أصبحوا ينقلون الأطفال والشباب والمسنين، فيحدق الشاب النظر في جميع الحاضرين وينقل عينيه بينهم في دهشه وتعجب ويندفع بحرارة قائلًا بلغته الشعبية البسيطة : "عليا النعمة الراجل ده بيفهم " في إشارة إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي .


جانب من تعامل فرق وزارة التضامن لانقاذ المشردين ضمن مبادرة حياة كريمة

الطرق إلى حياة جديدة

مازالت العربة تواصل سيرها بشارع شريف، بحثًا عن المواطنين المشردين وفريق الإنقاذ يأتي بالوجبات من الكابينه، ويضعها نحو الباب ليسرع بها نحو هؤلاء المواطنين فور رؤيتهم، وبينما هم مشغولون في بحثهم، سألنا الشاب بصوت خافت يخشي أن يسمعه المحيطون قائلًا : "بقولك إيه .. هو فيه هنا ميه سخنه ؟" فسألته عما إذا كان يريد أن يشرب  فجاء رده بمفاجأة "لا أنا لا أريد  مشروبًا وإنما أريد الاستحمام"، فأخبرته أنه بعد ساعتين ستنتهي الرحلة وتستقبله دار الرعاية ويتمكن من الاستحمام والطعام والنوم علي سرير بمفرده وبداية حياة جديدة تليق به ليرد قائلًا :" الله أكبر".


جانب من تعامل فرق وزارة التضامن لانقاذ المشردين ضمن مبادرة حياة كريمة

أم وطفلين
دخلت العربة شارع 26 يوليو، بعد أن انتهت من المسح الكامل لشارع شريف، بينما كان الحديث يتواصل مع الشاب الثلاثيني، وفي تمام الساعة الثامنة توقفت العربة وإذ بفريق الإنقاذ ينزل إلى الشارع، ويعود بفتاة  تبدو في الثلاثين من عمرها وتجر كرسيا متحركا عليه طفلان "ولد وبنت" ودموعها تسبقها إلى عربة وزارة التضامن الاجتماعي، وشباب فريق الإنقاذ يرددون: "متخافيش يا ماما مش هتشوفي تعب تاني".


جانب من تعامل فرق وزارة التضامن لانقاذ المشردين ضمن مبادرة حياة كريمة

قسوة الشارع
تصرخ السيدة، من الألم فاقتربنا منها ظنًا أن هناك جرحًا في جسدها، وربما اصطدم في باب العربة أثناء صعودها لكن تبين أن الجرح معنوي إذ تعاني هذه السيدة قسوة الشارع والحاجة والتشرد هي وأبناؤها، ولم تصدق أن هذا العذاب سينتهي وبينما هي منهمره في البكاء يحدثها الشاب الثلاثيني قائلًا : "متخافيش .. الناس دي كويسة" لترد السيدة بنبرة ضاعت بين اليأس والأمل قائلة : "مهما يكونوا مين .. أكيد هيبقوا أحن علينا من قسم الأزبكية".


مشهد قاس
يتحرك الشاب المُشرد ببطء نحو الكابينه ويأتي بوجبة ويقدمها للسيدة في صمت دون تحدث فتأخذها علي الفور بنفس الصمت، لكن المشهد يحمل أحاديث ومشاعر لا حد لها وخاصة عندما تناولت الوجبة إذ تقاسمتها مع صغارها، وأخذت تتناول الطعام بيد وتمسح دموعها باليد الأخرى خافضة رأسها إلي الأسفل، وأمامها  طفلاها علي كرسي متحرك، بينما دموعها لا تنقطع حتي بعد أن غادرت الشارع مما أثار استغراب ودهشة الحضور.

حيث تساءل البعض، هل تلك دموع الموقف؟ أم انها كانت لا ترغب في أن تكون في مثل هذا الوضع، أم هي دموع المفاجأة بسيارة إنقاذ المشردين التي انتشلتها من قسوة الشارع أم دموع الأمل في غد أفضل، أم دموع الضيق والفقر، أم أن مشاعرها التي تجمدت من برد الشتاء، وهواء يناير القارس سالت فور مغادرة الشارع والصعود إلي عربة الوزارة التي تحملها لدار تأويها، لعلها استشعرت دفء الحياة الكريمة التي تنتظرها.

بينما الأم تصارع مشاعرها المتضاربة بين ألم الحاجة، وأمل الاكتفاء يمسك أحد صغارها بعبوات مناديل، وعيناه تحملا ابتسامة لا أدري هل هي براءة الأطفال التي عرفناها أم أنها ابتسامة صغير لحياة جديدة ترحمه من برد الشتاء وضجيج الشارع وتلوثه وقسوة الرصيف وعناء أمه .

جانب من تعامل فرق وزارة التضامن لانقاذ المشردين ضمن مبادرة حياة كريمة


مُسن يتمسك بالشارع
انتهت السيارة من شارع 26 يوليو، ودخلت شارع طلعت حرب ما زالت رحلتها في البحث عن المشردين مستمرة وكالعادة شباب فريق الإنقاذ يسرع إلي الكابينة لحمل وجبات ثم تتوقف السيارة، وينزل الأخصائي الاجتماعي مسرعًا ويلحق به منسق الوحدة، ويقول سائق السيارة وشهرته جلال :" خلوا بالكم فيه راجل كبير قاعد تحت كابينة الكهربا".

نراقب المشهد من فتحة عربة الوزارة، فنجد رجلًا مُسنا يجلس على الرصيف على بعد حوالي 15 مترًا من الشارع الرئيسي، يعطيه الأخصائي الاجتماعي وجبة طعام، بينما كان منسق الوحدة مشغولًا مع سيدة مُسنة تتسلم وجبتها التي اعتادوا توزيعها.


ألف صحة وهنا
يغادر الأخصائي الاجتماعي، العجوز الجالس، تحت كابينة الكهرباء تاركه منكمشًا على نفسه لا ندري سبب انكماشه هذا، هل يقرصه البرد أو الوحدة أو خوف الشارع غير الآمن، أم أنه يبكي دون أن يلفت نظر المارة حوله، ربما يناجي ربه في خصوصية تامة وربما أيضًا يحنو بهذا الانكماش علي معدته التي قد يكون الجوع قرصها، لكن الأكيد أن هذا العجوز رفض الذهاب مع فريق الإنقاذ وتمسك بوجوده في الشارع، فطبطب عليه الأخصائي الاجتماعي بعد أن سلمه الوجبة، وودعه قائلًا " ألف صحة وهنا علي قلبك يابويا".

جانب من تعامل فرق وزارة التضامن لانقاذ المشردين ضمن مبادرة حياة كريمة

يتيم و أمه
قبل أن يصعد فريق الإنقاذ إلي السيارة تحدثت معه سيدة، ومعها طفل لا يتخطي الخامسة عشرة عامًا، وأخذت تسرد معاناة اجتماعية تعيشها بعد وفاة زوجها في سبيل توفير حياة كريمة لطفلها اليتيم، لتطبطب يد الأخصائي الاجتماعي علي ظهر الطفل، ويجمع بيانات السيدة حتى تتبني وزارة التضامن الاجتماعي، حالتهما من خلال برامج الرعاية الاجتماعية.

نهاية وبداية
انتهت جولة وزارة التضامن في نقل المشردين بمنطقة وسط البلد إلي دار مأوي، بعد أن قامت بعملية مسح كامل بدأت بشارع قصر النيل ثم شارع شريف مرورًا بشارع 26 يوليو، وأخيرًا شارع طلعت حرب، وانطلقت بعد ذلك إلي حلوان حيث دار "أم كلثوم" التي استقبلت الحالات، وكانت الساعة الحادية عشرة مساء.

انتهت رحلة "بوابة الأهرام" مع نهاية جولة فريق إنقاذ المشردين، وانتهي اليوم لكن هُناك "حياة كريمة" بدأت لهؤلاء المواطنين وأمل في غد أفضل ينتظرهم.

مسئول بالوزارة

من جانبه يقول حازم الملاح المتحدث الإعلامي لبرنامج حماية الأطفال بلا مأوي لـ"بوابة الأهرام" إن هذه الوحدات المتنقلة خاصة ببرنامج حماية الأطفال بلا مأوي ولكن بعد مبادرة حياة كريمة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لتوفير الرعاية للمواطنين الأكثر احتياجًا، أصبحت الوحدات تنقل الأطفال والشباب وأيضا كبار السن كما أن الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي أصدرت توجيهات بنقل المشردين بجميع الفئات العمرية الي دور رعاية تابعة للوزارة لحمايتهم من البرد القارس .

ويضيف " الملاح" أن الحالات التي ترفض الذهاب مع فرق الإنقاذ وتتمسك ببقائها في الشارع، تقوم الفرق بإعطائها بطانية ووجبة طعام ساخنة يسهم بتوفيرها بنك الطعام.

ويؤكد الملاح ، أن فرق إنقاذ المشردين تعمل جميع أيام الأسبوع حتي تتمكن من إنقاذ جميع المشردين، سواء من الأطفال أو الشباب أو كبار السن وإسدال الستار علي حياة الشارع لتبدأ حياة كريمة لكل منهم.

ملاحظات
قبل إسدال ستار النهاية علي رحلة "بوابة الأهرام" داخل عربة فرق إنقاذ المرشدين، تجدر الإشارة إلي أن الخط الساخن 16439 المخصص للإبلاغ عن المواطنين المشردين اشتكي منه بعض المواطنين الذين التقو بفريق الإنقاذ، فقال أحمد نسيم 34 عامًا، إنه اتصل مرارًا وتكرارًا ولم يتمكن من التواصل.

وقال محسن عبيد 56 عامًا، إنه يريد الإبلاغ عن حالات كثيرة لمشردين يشاهدهم في الشارع متسائلًا :"هو الرقم ده بياخد كتير من الرصيد ؟" ويبدو أنه يريد الخير والمشاركة في توفير حياة كريمة لمن لا مأوى لهم لكنه في الوقت ذاته يعاني ضغطًا ماديًا.

وسائل إضافية للتواصل

وهنا تُخاطب "بوابة الأهرام" وزارة التضامن الاجتماعي بتوفير، أرقام أرضية أو موبايل لسهولة الإبلاغ عن المواطنين المشردين، وعدم الاقتصار علي الخط الساخن فقط لسهولة التواصل ومن ثَم التمكن من نقل جميع المشردين إلى دور مأوي .  

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة