Close ad

100 مليون أهلين بسوريا

7-1-2019 | 14:57

زرت سوريا مرتين، أولاهما منذ 35 عاما، والثانية في صيف سنة 2000.

الزيارتان غرستا في الوجدان أثرا عميقا بالأخوة والاعتزاز والفخر لا يمحوه الزمن.

لن أنسى كيف استقبلني بترحاب ضابط الجوازات السوري في مطار دمشق، عندما زرت الشام، لأول مرة، في أواخر ديسمبر عام 1984.

وقتها، كانت القطيعة السياسية على أشدها، بين القاهرة ودمشق، وبالرغم من ذلك كانت أبواب سوريا مفتوحة، بلا تأشيرة دخول للمصريين، في حين، كان يتردد على مسامعي، معاملات مصرية، رديئة، في استقبال الزائرين السوريين.

لذلك، فقد كنت قلقا وحذرا، من احتمال معاملة رسمية سورية لى بالمثل، لدى الوصول إلى مطار دمشق الدولي، بالذات، بسبب ما أحمله من هوية صحفية.

باغتتني مفاجأة سارة من ضابط الجوازات السوري، في مطار دمشق، عندما ابتسم في وجهي قائلا : "مصري.. ميت أهلين فيك أخي كمال.. اتفضل".

 المعاملة السورية الكريمة، نفسها، وحفاوة الضيافة والاستقبال، تلقيتها أنا وأسرتي، عند وصولنا على متن باخرة، إلى ميناء بانياس، على شاطئ البحر المتوسط، ضمن فوج سياحي مصري زائر، في شهر أغسطس عام 2000.

على هامش أعمال ملتقى الإعلام العربي، الذي استضافته الكويت، في شهر إبريل عام 2009، رويت للفنان السوري الكبير دريد لحام ما حظيت به – شخصيا- من حفاوة وكرم ضيافة في زيارتي للشام، ووجدته، هو الآخر، ذائبًا في حب مصر.

خلال حفل تكريمه بالدورة الثالثة لمونديال الإذاعة والتليفزيون، بالقاهرة، في أواخر عام 2014، قرأ دريد لحام فقرات من مقال، كتبه في الأهرام، الزميل الدكتور محمد حسين أبوالحسن، عن الضابط العربي السوري، جول جمال، وكيف ضحى بروحه فداء لمصر، إبان العدوان الثلاثي عام 1956.

قال الفنان السوري الكبير، أمام الحفل، نصا: "نعم .. جول جمال أسطورة سورية في حب مصر.. نحن السوريين كلنا أساطير في حب مصر".

تلك الكلمات المؤثرة للفنان دريد لحام، ذكرتني بما قاله السفير السوري خلال تقديم أوراق اعتماده للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، سفيرًا لبلاده في مصر، بعد عودة العلاقات بين الدولتين، في عام 1966.

قال السفير سامي الدروبي: إذا كان يسعدني ويشرفني أن أقف أمامكم، مستشرفاً معاني الرجولة والبطولة، فإنه ليحز في نفسي أن تكون وقفتي هذه كوقفة أجنبي، كأنني ما كنت في يومٍ مجيدٍ من أيام الشموخ، مواطناً في جمهورية أنت رئيسها، إلى أن استطاع الاستعمار- متحالفاً مع الرجعية - أن يفصم عرى الوحدة الرائدة، في صباح كالح من أصباح خريف حزين، يقال له 28 أيلول، صباح هو في تاريخ أمتنا لطخة عارٍ ستمحى.

أضاف السفير الدروبي: لكن عزائي عن هذه الوقفة، التي تطعن قلبي- يا سيادة الرئيس - والتي كان يمكن أن تشعرني بالخزي حتى الموت، إنك وأنت تطل على التاريخ، فترى سيرته رؤية نبي وتصنعه صنع الأبطال، قد ارتضيت لي هذه الوقفة، خطوة نحو لقاء مثمر بين قوى تقدمية ثورية، يضع أمتنا في طريقها إلى وحدة تمتد جذورها عميقة في الأرض فلا انتكاس، وتشمخ راسخة كالطود فلا تزعجها رياح .

ذلك عزائي- يا سيادة الرئيس- وذلك شفيعي عندك، وشفيعي عند جماهير أمتنا العربية، التي لا تعترف بالانفصال إلا جريمة، وشفيع من ندبوني لهذه الوقفة ثواراً شجعاناً، يقفون في معركة النضال العربي الواحد على خط النار، ويؤمنون بلقاء القوى الثورية العربية، لا بديلاً للوحدة، بل خطوة نحوها.

رد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر :
يسعدني أن أستقبلكم في الجمهورية العربية المتحدة لا كأجنبي، ولكنني أستقبلكم كابن من أبناء الأمة العربية، التي هي أمة واحدة، فتلك حقيقة تاريخية واقعة،
إن الشعب العربي في مصر يكن دائماً الاعتزاز والتقدير للشعب العربي في سورية، والشعوب في نضالها نحو أمانيها، قد تنتصر مرة، وقد تصيبها النكسة مرة، لكن إصرارها على تحقيق رغبتها يحرز دائماً الانتصار في النهاية، وإن الأفراد مآلهم إلى الزوال دائماً، أما الشعوب فهي الباقية على نضالها لتحقيق أمانيها وأهدافها.

...... ...

اليوم، وأمام كل هذه المعاني النبيلة من الأخوة والمحبة، أضم صوتي إلى أصوات ملايين المواطنين العرب- والمصريون في القلب منهم - المبتهجين باندحار التآمر الخسيس، وانقشاع الغمة، عن سماء الشقيقة العظيمة سوريا، وهزيمة الأعداء والخونة المتربصين بها، وعودة الشام سالمة غانمة، عربية موحدة، إلى أحضان الأمة، التي لم تغب عن بالها دمشق لحظة واحدة.

أيضا، التحية واجبة للشعب العربي السوري البطل، ولجيشه الباسل، الذي تصدى وتحمل - بكرامة وعزة وإباء - عدوانا وتآمرا، لا مثيل لهما في التاريخ العربي المعاصر، وانتصر لقوميته وعروبته ووحدته، وألحق هزيمة مدوية بأعدائه.

أكرر ما قولته، وما كتبته يوما في "الأهرام" للفنان دريد لحام، بتاريخ 5 ديسمبر 2014، وما أقوله - دائما - للأشقاء السوريين، 100 مليون أهلين بكم في مصر.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة