أرقام مفزعة كشفت عنها تقرير مركز معلومات رئاسة الوزراء، خلال عام 2018، حيث وصلت حالات الطلاق إلى مليون حالة بواقع حالة واحدة كل دقيقتَين ونصف، وقد وصلت نسبة العنوسة بين الشباب والفتيات إلى 15 مليون حالة، وهذا يعنى أن حالات الطلاق، تتعدى في اليوم الواحد 2500 حالة، فيما يقدر عدد المطلقات بأكثر من 5.6 مليون على يد مأذون، ونتج عن ذلك تشريد ما يقرب من 7 ملايين طفل.
موضوعات مقترحة
250 ألف حالة خلع
بحسب إحصاءات واردة من محاكم الأحوال الشخصية، فقد تخطت حالات الخلع 250 ألف حالة، أي بزيادة 89 ألف حالة بالمقارنة بـ 2017، وطبقًا للأبحاث والدراسات تواجه المرأة المطلقة تحديات عدة بعد طلاقها بتحملها مسئوليات أولادها وحدها، لهروب الأب من تحمل المسئولية.
حول أسباب ارتفاع نسب الطلاق، وانخفاض نسب الزواج، أشارت عدة أبحاث إلى أن الأزمات الاقتصادية وانخفاض الرواتب، أدت إلى ارتفاع معدلات الطلاق، خاصة بين المتزوجين حديثًا، وقد شملت أيضًا حالات الطلاق القرى والأرياف، التي كادت تنعدم فيها مثل هذه الحالات خلال السنوات الماضية التزامًا بالعادات والتقاليد.
"بوابة الأهرام" تكشف عن أسباب ارتفاع نسب معدلات الطلاق والعزوف عن الزواج في هذا التحقيق....
قانون الخلع
يرجع المستشار رجب عزوز، المحامى بالنقض والخبير في شئون الأسرة، ارتفاع معدلات الطلاق بالمحاكم إلى أن "قانون الخلع"، قد يسر على الزوجة اللجوء إلى المحاكم للتطليق فازدادت معدلات حالات الطلاق لدي محاكم الأسرة وأحوال الشخصية لطلب التطليق، خاصة التطليق خلعًا، وبالتالي أصبح أغلب القضايا المرفوعة من الزوجات ضد الأزواج بالتطليق خلعًا تنتهي بالطلاق.
وأضاف، على الرغم من أن المشرع أوجب على القاضي أن يتدخل بالصلح بين الطرفين وبذل المساعي اللازمة في هذا الخصوص، إلا أن القضاء لا يلتزم بهذا الواجب ويكتفي بعبارة "عرضت المحكمة الصلح على الزوجة المدعية ورفضت"، الأمر الذي يعد ما هو إلا تأدية والتزامًا بما أوجبه المشرع، ولو تدخلت المحكمة طبقًا للواجب والحكمة التي توخاها المشرع لاستطاعت أن تنهي عشرات آلاف القضايا صلحًا بين الزوجين.
تراجع الأسرة
وأضاف أن تفشي ظاهرة الخلافات بين الزوجين، خاصة في أعمار الشباب والتي تصل إلى 80% من قضايا الطلاق المطروحة بالمحاكم تكون بين الأزواج الشباب، ويرجع ذلك إلى الظروف الاقتصادية للزوجين، وعدم تحمل الزوج واجبات الحياة الزوجية جديد العهد بها، هذا بالإضافة إلى أن الزوجة تعيش ظروفًا اقتصادية اجتماعية أدنى بكثير مما كانت تحلم به أو كانت تعيشه حينما كانت تعيش مع والديها، لافتًا إلى أن ازدياد فرص عمل المرأة أو خروج المرأة للعمل واستقلالها اقتصاديًا عن الاعتماد على الزوج في النفقة، فإذا حدث أدنى خلاف تلجأ إلى المحاكم، بالإضافة إلى تراجع دور الأسرة من الطرفين "الزوج والزوجة" في التدخل والسعي للصلح بين الزوجين المتخاصمين بدلًا من تأجيج الخلاف بينهما.
مفهوم خاطئ
من جانبها توضح انتصار السعيد، مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أن نسب الطلاق في مصر ارتفعت في السنوات الماضية حتى أصبحنا من بين أعلى دول العالم في معدلات الطلاق، وهذا يرجع لأسباب كثيرة منها الأسباب الاقتصادية والاجتماعية.
ولفتت إلى أنه ينبغي دراسة هذه الظاهرة من جانب المختصين والوقوف على أسباب ارتفاع تلك النسبة سواء المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أو المنظمات النسائية، لأن الثقافة في المجتمع المصري ترسخ فيها الفكر الخاطئ لمفهوم الزواج، فالزواج هو مؤسسة اجتماعية لبناء أسرة متماسكة، مشيرة إلى أن المجتمع غاب عنه فن الاختيار السليم، كذلك الضغوط الاقتصادية فهناك حالات للطلاق للغرض من الحصول على معاش الأب أو معاش الضمان الاجتماعي.
وعن ارتفاع نسب تأخر سن الزواج أرجعت انتصار السعيد السبب إلى المغالاة في طلبات الزواج بشكل كبير وازدياد تكاليف المعيشة، حيث كان في الماضي بساطة أكثر بكثير مما وصلنا عليه في يومنا هذا.
غياب الرؤية
من الناحية النفسية والاجتماعية، يوضح الدكتور وائل وفاء استشاري العلاقات الإنسانية وتنمية المهارات، أن هناك عدة أسباب وراء ارتفاع نسب الطلاق بهذا الشكل إلى عدم قيام كل طرف بدوره، وكذلك غياب الرؤية الواضحة بين الرجل والمرأة، فكل طرف ينادي بحقوقه وينسى واجباته.
بالإضافة إلى غياب التواصل بين الطرفين " أطراف المشكلة"، كذلك أيضًا الضغوط من الناحية الاقتصادية، ولكنها ليست معيارًا أساسيًا يؤدي إلى الطلاق، مشيرًا إلى أننا أصبحنا نعاني أعراض اكتئاب وبالتبعية عدم التنفيس عن هذه الضغوط ليس هناك المهارات للتغلب علي مثل تلك المشاكل.
عن ارتفاع معدلات العنوسة وتأخر الزواج يري استشاري العلاقات الإنسانية وتنمية المهارات، أن عزوف الشباب عن الزواج وتصدير فكر غياب الثقة في الرجل وكذلك عدم الثقة في المرأة، مع ارتفاع تكاليف الزواج والمهور مما يثقل كاهل الشباب، هذا بالإضافة إلى غياب دور مجتمعات المجتمع المدني والدين وتحقيق الهدف الأسمى من الزواج، وتمرير التكنولوجيا الحديثة "كالسوشيال ميديا" قبول العلاقات غير السوية.
التسويق السيئ
تتفق الدكتورة رحاب العوض، أستاذة علم النفس السلوكي، مع الدكتور وائل وفاء، فى أن الظروف الاقتصادية والثقافة الاستهلاكية تقف وراء العزوف وتأخر الزواج، وكذلك ارتفاع معدلات الطلاق لتصل إلى هذا الحد، هذا بالإضافة إلى تسهيل الحرام الذي أصبح منتشرًا والتسويق السيئ للزواج في برامج التوك شو والمنابر الإعلامية، مما أدى إلى تصدير قدوة سيئة للشباب وتشجيعهم على الانفصال، لافتة إلى عدم وجود وعي بقيمة الأسرة والانتماء للزوج والزوجة، كذلك غياب المعالجة منذ الصغر بأهمية الروابط الأسرية.
ثقافة السيد
في السياق ذاته تضيف الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر وعضوة مجلس النواب، والعضوة بالمجلس القومي للمرأة، أن ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع المصري هو أمر غريب على مجتمعنا وعلى الثقافة الموروثة في الصبر، حيث إن الفتيات لم تعد "الست أمينة"، فلقد تمردت وأصبحت تعمل ولها دخل مادي وكينونة لم يدركها الشاب أو الرجل، فالشاب أو الرجل ليس لديه مساحة عند الفتاة لـ"سي السيد"، لذلك أطالب بضرورة معرفة الرجل والشاب لثقافة "بنت العصر" الذي لم تعد تحلم بأن الرجل ظله مثل ظل الحائط، فلا تجد العقلية لدى الفتاة التي تنظر إلى الرجل ظله بكل ما فيه من قسوة بعض الشىء، لافتة إلى ترسيخ مفهوم الاعتماد على النفس والنضوج، كذلك عدم اعتراف الرجل أو الشاب بهذه المستجدات على ثقافة الفتاة والعصر، وظل يتعامل معها بثقافة "سي السيد"، ومن هنا يحدث الاحتكاك الذي يفقد مقومات الصبر على الفتاة والاستمرار في ظل "سي السيد"، أدى ذلك إلى زيادة النسبة لما وصلنا إليه، فلا نجد آذانًا مصغية ولا تغييرًا للثقافة.
أبناء الشقاق
ترى أستاذة العقيدة والفلسفة أن من أسباب انتشار وارتفاع معدلات التأخر عن الزواج هو نتيجة طبيعية لما أشرت إليه مسبقًا، فلم تعد ثقافة اليوم لدى الفتيات كما في الماضي مثلما عرفنا، كذلك عدم استيعاب ثقافة "سي السيد" المعاصر أدى إلى عدم استقرار الأسرة، الأمر الذي يشكل خطورة بالغة لأن استقرار الوطن من استقرار الأسرة، فلو افتقدنا استقرار الأسرة وجدنا أمامنا "أبناء الشقاق في بيت الطلاق" وبهذا نمد الأسرة والمجتمع بأبناء وبنات مرضى حصاد هذه البيوت المهتزة.