قالوا منذ ألف سنة، كان العلم ينطق بالعربية، وتبوأت المراكز العلمية والمكتبات الإسلامية ريادة المعرفة في العالم، وتمركزت في عواصم الحضارة الإسلامية، وتمثلت في دمشق وحلب وبغداد والقاهرة ومراكش وقرطبة، وكادت أن تكون نسبة الأمية معدومة في عصور الحضارة الإسلامية، بينما رصد مؤرخون، أن الأمية في أوروبا بلغت وقتها إلي 95%، وكان إلزاميا على الجميع تعلم القرآن الكريم وحفظه وتعلم سنة رسول الله، وكان من شروط التعلم قراءة وكتابة القرآن الكريم.
وانتشرت المكتبات الضخمة في مدن الخلافة الإسلامية، وكانت ملحقة بالجامعات الإسلامية وبالمساجد الكبرى، وكان الاطلاع على الكتب ميسرًا لأي قارئ، ويحق له استعارتها، وكان الشباب يتبارون في مسائل العلم والرياضيات، وأثبت ذلك المستشرق "آدم متز" في كتابه "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري"، أنه كانت أغلب بيوت المسلمين بها مكتبة، وأوضح أن هناك تجارًا مسلمين تكلفوا مشقة السفر إلي أقصى بقاع الأرض، لكي يحصلوا على نسخة من مخطوطات نادرة أو حتى حديثة، وذكر المستشرق "متز"، أنه في حينها لم يكن في أوروبا سوى عدد محدود من المكتبات التابعة للأديرة.
وكانت لا تخلو مجالس الخلفاء المسلمين من العلماء والأدباء والشعراء، ويجسد التاريخ صورة مجلس هارون الرشيد والعلماء من حوله، لحرصه علي تشجيع الفقهاء والأدباء والعلماء، وكان يختبر قدراتهم العلمية والأدبية من وقت لآخر، وأسس بيت الحكمة في بغداد التي تعد أشهر مكتبة في العالم الإسلامي، وجمعت شتات العلماء ومنحت لهم الرواتب، وأكملها من بعده ابنه المأمون، وكان لبيت الحكمة الأثر البالغ في نشر دور العلم والمكتبات العامة في معظم أقطار المسلمين، ويذكر التاريخ أنه في عصر الدولة الإسلامية تم إنشاء "بيت الطلبة" لتعليم الطلبة النابغين، وهذا على غرار مدارس المتفوقين حاليًا.
ويعد من أسباب تمكين الدولة الإسلامية في العصور الوسطي، رعايتها للعلم والعلماء الذين أثروا في نهضتها وقوتها، وأوضح الباحثون، أن جميع علماء الدولة الإسلامية كانت ركيزتهم نحو النبوغ هو تعلمهم للدين في بداية حياتهم، فمنهم من تفرغ في دراسة علوم الدين والفقه، ومنهم تخصص في العلوم التطبيقية، وكانت اللغة العربية أداة وكتابة أبحاثهم ومؤلفاتهم، سواء كان هؤلاء العلماء عربًا أو غير عرب، بسبب تعلمهم القرآن الكريم وعلومه، فالبيروني لم يكن عربيًا، وكذلك ابن الطفيل والجاحظ، وذكر الدكتور مصطفي الشكعة، أن سدس آيات القرآن نزلت في العلم وتمجيده، ورصد 18 آية لمادة وفكر، و94 آية في مادة عقل، و20 آية في مادة قرأ وغيرها.
والدلالة علي تزاوج الدين بالعلم لدى علماء المسلمين، ظهور ذلك جليًا في أقوالهم، فمن حكم ابن النفيس الشهيرة "وأما نصرة الحق وإعلاء مناره وخذلان الباطل وطمس آثاره المدمرة قد التزمناه في كل فن"، وهو من اكتشف الدورة الدموية التي نسبها الغرب لهارفي، وأشهر مؤلفاته الدينية رسالة الكاملين في السيرة النبوية، وأشهر كتبه العلمية شرح تشريح القانون، ومن أقوال ابن الهيثم الشهيرة "وآمنت أنه لكي أتقرب إلى الله ضرورة البحث عن المعرفة والحقيقة"، ويعد أول من اكتشف انعكاس الضوء على العين ورصد عدد من الكواكب وحدد مسارها، ومن بلاغة ابن سينا "نصرة الحق شرف ونصرة الباطل سرف"، ولقبه الغرب بأمير الأطباء، ومن مأثورات أبو بكر الرازي "أن يكون الطبيب مخلصًا لله"، وهو صاحب موسوعة الحاوي الطبية التي تتألف من ثلاثين مجلدًا، وهو مكتشف خيوط الجراحة، ويجدر بنا الاعتزاز والفخر بأن أمتنا الإسلامية امتلكت ناصية العلم وتفردت به على العالم حينئذ، وقريبًا سيصعد منحنى ريادتها، فأبناؤها في العصر الحديث ينسب إليهم السبق في العديد من الاكتشافات في دول الغرب، وأمثالهم من الأجيال القادمة سيقدمونها لنهضة أمتهم دون غيرها.
EMAIL:[email protected]