Close ad

حصاد السلام والأعمدة السبعة للشخصية المصرية

30-11-2018 | 00:40

البذرة الجيدة.. إذا ما غُرست بكل الأمانة والمصداقية؛ والسقيا بماء الحُب في الأرض الطيبة؛ فإنها حتمًا ستأتي بالثمار الطيبة، وتكون البهجة والفرح هي سمات لحظة الحصاد لمنتدى شباب العالم الذي أقيم في شرم الشيخ، والذي تمحور هذا العام على ثلاثة محاور رئيسية هي: السلام والإبداع والتنمية.

هذه الكلمات.. ترجمة صادقة وحيادية؛ لما عبَّر عنه الشاب الريادي الهندي "باوان كومار" من مدينة نيودلهي، وحرص كل الحرص على توثيق زيارته إلى مصر وحضوره منتدى شباب العالم 2018، الذي حضره ما يقرب من 5 آلاف شاب وشابة من مختلف الثقافات والحضارات، بهدف التحاور حول أهم القضايا والمشكلات التي تهم الشباب من 160 دولة حول العالم؛ حين قال:

"لأننا صغار، فنحن نتمزق بين كلمات الكراهية وكلمات الأحلام التي نتمنى تحقيقها، وفى هذا الطريق سنتعرض للخسارة؛ لكننا بالتأكيد سنربح يومًا ما، لدينا الكثير لنحارب من أجله، ونسير في طريق التغير نحو الأفضل، وهذا ما برز في منتدى شباب العالم هذا العام".

ولا عجب أن تأتي هذه الكلمات الصادقة في هذا المنتدى؛ على لسان حفيد من أحفاد الزعيم الروحي للهند "المهاتما غاندي"؛ وهو الزعيم الوطني الذي قاد مظاهرة امتدت إلى 400 كيلو متر ضد الاحتلال البريطاني، حتى تم تحرير الهند، وبالتأكيد هي خير تعبير عما رآه واستشعره في الطفرة الهائلة التي حدثت ما بين منتدى العام الفائت ومنتدى هذا العام؛ وتُعد شهادة صادقة في أننا نسير قدُمًا نحو الأفضل؛ لتحقيق وتعزيز وتفعيل الحوار الخلاَّق بين مختلف الثقافات، لينصهر الجميع عن قناعة في بوتقة التسامح الإنساني؛ والبعد عن المصالح والصراعات والمطالب العِرْقية القبَلية الضيقة.

ولنا أن نلقي نظرة خاطفة أو بالأحرى محاولة مقارنة سريعة على أحداث المؤتمرين الأول والثاني، للوقوف على الرسم البياني الصاعد لإنجازات الشباب، بالتضافر مع القائمين والمشرفين على تنفيذ فعالياته بهذا الشكل الرائع، ففي المؤتمر الأول كان التركيز على: مناقشة قضايا الإرهاب ودور الشباب في مواجهتها، وكيفية إسهام الشباب في بناء وحفظ ‏السلام في مناطق الصراع، توظيف الطاقات الشابة من أجل التنمية، الإضاءة على الاستفادة من محور التنمية المستدامة والتكنولوجيا، محور الحضارات والثقافات الخاصة بالفنون والآداب والهوية الثقافية، ومن ثم التركيز على محور صناعة قادة المستقبل بالتدريب والتأهيل لقيادة الأوطان في المستقبل، وحضر المؤتمر آنذاك حوالي ثلاثة آلاف شاب وشابة من 60 دولة حول العالم.

وجاء المؤتمر هذا العام بكل روعة وجمال الإنجاز الذي تفخر به مصر المحروسة، وعلى رأسها الرئيس السيسي، فتبدأ ورش العمل بالاستعانة بذوي الاحتياجات الخاصة في تنفيذ اللافتات والإعلانات والخرائط، والدلائل الإرشادية لمواعيد وأماكن اللقاءات والمحاضرات والفعاليات، ليبدأ المؤتمر بمفاجأة رائعة؛ هي قمة الفرح لمصر والمصريين جنبًا إلى جنب مع بقية ورش العمل بإقرار تبنِّي رؤية مستوحاة من كتاب "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية"؛ للكاتب المصري المعجون بتراب الوطن د.ميلاد حنا، وهو أحد أبرز الكتاب السياسيين في مصر، والذي كرَّس حياته وقلمه لإقرار مبادئ التسامح وقبول الآخر تحت ظلال الوطن وبين جوانحه.

والكتاب رائع.. وأوصى بضرورة طباعته في طبعة شعبية منخفضة الثمن، حتى يتمكن الجميع من الوقوف على رؤية هذا الكاتب المصري حتى النخاع وأهدافه السامية، والمجال والمساحة للأسف لا تتسع للعرض الشامل لهذا الكتاب الذي استوحى "منتدى شباب العالم" رؤاه لسير فعالياته.

ولكنني سأحاول جاهدة تلخيص فحواه، وأبدأ بتوجيه الشكر للسيد الرئيس الذي أقر هذا المبحث في فعاليات المنتدى الثاني هذا العام؛ لقيام الكتاب بتصرف بشرح كُنه ومكونات الشخصية المصرية وامتداد جذورها في تربة التاريخ مذ وُجد:

يعد الانتماء الفرعوني أول الأعمدة التي تقوم عليها الشخصية المصرية، ويتمثل العمود الثاني في الانتماء للعصر اليوناني والروماني، فقد أثَّرت حضارة اليونان في مصر ونقل اليونانيون الكثير عن الحضارة الفرعونية، واستفادت مصر من الأبجدية الإغريقية واندمجت مع اللغة المصرية القديمة لتظهر بعد ذلك اللغة القبطية، والعمود الثالث هو الانتماء القبطي، والذي تميز بوجود المدرسة اللاهوتية العريقة بالإسكندرية، حيث لعبت الكنيسة المصرية دورًا في تأكيد استقلال الكنيسة وابتعادها عن السياسة؛ فهي كما يقول الكتاب كنيسة مناضلة لا تبغي السلطة، ويقوم العمود الرابع على الانتماء للإسلام كدين وثقافة وكيف حدث المزج الرائع والتداخل بين المسيحيين والمسلمين في مصر، فلا غرابة لمن أطلق عليها اسم "مصر المحروسة"، ثم يأتي التأكيد الأمثل للشخصية المصرية العاشقة للمة الشمل العربي، وهو انتماء مصر العربي، فالاتصال لم ينقطع منذ فجر التاريخ وسكان الجزيرة العربية، منذ زمن يسبق عصر قيام الأسر الفرعونية، ثم يأتي استعراض العمود السادس.. وهو البعد الجغرافي الذي يرتبط بانتماء مصر الأصيل للبحر المتوسط، فمن هناك جاءت أغلب الحضارات التي مرت على مصر، وهي علاقة جدلية تأصلت في العصور الحديثة بعد الحملة الفرنسية وتوثيق العلماء الفرنسيين لكل معالم الحضارات التي مرت على مصر منذ القدم، أما العمود السابع للشخصية المصرية فهو روعة الانتماء جغرافيًا وحضاريًا لإفريقيا عبر نهر النيل، واستقبال التيارات الوافدة وتفاعلاتها الخلاقة مع البشر حول شريط نهر النيل.

ولا يفوتني أن أختتم حديثي كما بدأت بالدلالة على وحدة لُحمة نسيج البشر على أرض مصر المحروسة؛ فنجد "الإنجيل" جنبًا إلى جنب مع "القرآن"، وكلمة "إنجيل" جاءت من الـ"نُجُل" وهو النبات العشبي الرطب الذي يفترش الأرض ويمنح الراحة والطمأنينة لزارعيه، ويقول المولى في كتابه العزيز:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24 سورة إبراهيم)

من هذه الجماليات والمكتسبات؛ التي انبثقت عن انعقاد منتديات شباب العالم؛ حاولت قدر الإمكان أن أضع الإضاءة الواجبة على ما تسعى مصر إلى بعثه في النفوس من أجل غرس بذور التسامح ونشر الحب والنقاء بين قلوب بني البشر والإنسانية جمعاء، لنجني الثمار النديَّة الطيبة، وكلي أمل لن يخيب بإذن الله وبالقلوب المؤمنة في مصر القادمة على طريق المستقبل، لننعم بلحظات الفرح والبهجة وقت الحصاد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة