Close ad

تجديد الخطاب الديني وتطوير الإعلامي

21-11-2018 | 23:09

تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي في ذكرى مولد الرسول، عليه الصلاة والسلام، عن الإسلام وقيمه، مؤكدًا أننا ابتعدنا عنهما كثيرًا في الآونة الأخيرة، كما أكد أهمية تجديد الخطاب الديني كضرورة من ضرورات الحياة.

وأتوقف عند جملة قالها الرئيس؛ أراها في غاية الأهمية وهي أننا نحتاج إلى أن يمتلك رجال الدين عقلية "جامعة"، بمعنى أن تتسع مداركهم لعلوم أخرى، منها القانونية والاقتصادية والسياسية والثقافية.. إلخ.

لأنك لو تحدثت مع القانوني، سيدور الحديث في هذا الجانب فقط، وقد تراه ضليعًا فيه، وهكذا الأمر في باقي الجوانب الاقتصادية والسياسية. إلخ، أما رجل الدين أيضا الحديث معه  سينحصر في علوم الدين فقط؛ ولكن مع التطور الكبير المطرد، في كل نواحي الحياة، فقد أضحى دراسة رجل الدين لبقية العلوم أمرًا غاية في الأهمية؛ لأن الدين يتعامل مع الحياة بكل ما فيها وبكل علومها وأُطرها وآفاقها؛ لذا يجب على رجل الدين أن يتسع أفقه لكثير من العلوم.

حتى يستطيع أن يعطي رأيًا فقهيًا سليمًا فيما يُعرض عليه؛ لأنه كلما ازدادت معرفته، كان رأيه أقرب للصواب، ومن هنا، تظهر أهمية ما قاله الرئيس؛ ولى هنا ملاحظتان:

الأولى: تتعلق بمضمون العقلية الجامعة، وأعتقد أن الأزهر الشريف بتاريخه وجامعته أحد أقدم جامعات العالم على الإطلاق، قادر - وبحرفية أثق في كفاءتها - أن يُعمل هذا المضمون، وفق توازنات علمية ودينية، تسهم بفعالية في تطوير الخطاب الديني؛ لاسيما أنني كنت في زيارة لجامعة جلاسجو باسكتلندا عام 1996، وفى أحد الحوارات مع المستضيفين لفت اهتمامي إشادتهم البالغة بجامعة الأزهر الشريف؛ باعتبارها أحد أعرق جامعات العالم؛ هذه نظرة العالم للأزهر ولجامعته، وأتمنى أن نعي جميعًا قيمته الثرية، وأن يتم التعامل معه من هذا المنظور.

الثانية: ما سمعته في إحدى نشرات الراديو؛ بعد حديث الرئيس، حيث قالت المذيعة نصًا، إن الرئيس يطالب بأن يمتلك رجال الدين عقلية "جامعية"؛ وأكرر "جامعية"؛ وهو ما لم يقله الرئيس إطلاقًا؛ وفارق كبير جدًا جدًا بين الكلمتين الجامعة والجامعية، وبعد أن سمعت ما قالته، تأكدت أن إعلامنا يقبع في غيبوبة مؤلمة.

كيف يمر هذا الخطأ بهذا الشكل على فريق الإعداد، ثم على المذيعة قارئة الأخبار؛ ألم تستمع لحديث الرئيس؛ لتعرف أنه قال عقلية "جامعة" وليست "جامعية"!

وهذا أحد أدلة أن إعلامنا يعاني، وبالتبعية تنعكس معاناته علينا جميعًا؛ إما بتغييب العقول، ومن ثم الاستغناء عنه والذهاب لآخر أكثر مهنية وحرفية، وإما ببث معلومات خاطئة من شأنها تضليل الناس؛ ولذلك لا يمكن السعي نحو تجديد الخطاب الديني دون ربطه بتطوير المنظومة الإعلامية، فهي أهم وسائل التوعية؛ بل المثلى في تعضيد مفهوم تجديد الخطاب الديني.

ويجب تأكيد أن التجديد لا يعني تحريم الحلال أو تحليل الحرام، فثوابت الدين لا يجرؤ أحد على المساس بها؛ فكما قال شيخ الأزهر؛ العالم الجليل د. أحمد الطيب، إن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، فلولاها لما تعلمنا الصلاة، الركن الثاني من أركان الإسلام.

ولكن التجديد يرتبط دائما بروح العصر؛ فمع التطور الكبير، أمسى كل يوم هناك جديد، لاسيما مع عدد كبير من الاختراعات التى ظهرت لتخدم البشرية، لم تكن موجودة من 14 قرنًا، يوم أن بعث الله رسوله الكريم؛ ليكون رحمة للعالمين.

التعامل مع هذا الكم من التطور يحتاج إلى عقول "جامعة" - كما قال الرئيس - تستوعب وتفكر، فعلى سبيل المثال لم تظهر الطائرات إلا قريبًا، فأحكام الصيام وأيضًا الصلاة أثناء ركوبها والتنقل بها من دولة لأخرى؛ أمر جديد؛ قد لا نجد في السنة النبوية ما يعالج هذه الأمور بوضوح تام.

مثال آخر، في بعض المساجد الكبيرة يحتاج الإمام للإمساك بالميكروفون خلال صلاته؛ حتى يصل صوته للمصلين خلفه، لم يكن في قديم الزمان يمسك الإمام ميكروفونًا؛ وهناك أمثلة أخرى كثيرة؛ تبين أن هناك ضرورة ملحة لتجديد الخطاب الديني.

ولكن أكرر أن نجاح تجديد الخطاب الديني يرتبط بشكل كبير بتطوير المنظومة الإعلامية؛ باعتبارها الأداة الأهم لتوعية الناس بأهميته، وكأحد عناصر نجاح التجديد.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الرحمة

أيام قلائل ويهل علينا شهر رمضان المبارك؛ وأجد أنه من المناسب أن أتحدث عن عبادة من أفضل العبادات تقربًا لله عز وجل؛ لاسيما أننا خٌلقنا لنعبده؛ وعلينا التقرب لله بتحري ما يرضيه والبعد عن ما يغضبه.

الأكثر قراءة