داخل قاعات وأروقة منتدى شباب العالم في شرم الشيخ، رأيت وجوهًا يافعة لأناس تمتلئ نفوسهم وعقولهم بالأمل والتفاؤل والتسامح، ووحدتهم على قلب رجل واحد مجموعة من القيم الإنسانية النبيلة الراقية، مثل إحلال السلام والوئام، ورفع المعاناة عن كاهل البشرية، ونشر المحبة والقضاء على مسببات الكراهية، وتلك قيم تحض عليها كل الأديان السماوية، والكثير من الديانات الوضعية.
في شرم الشيخ رأيت شبابًا من شتى بقاع الأرض تشابكت أياديهم من أجل زيادة مساحات التقارب والتلاقي، وحماسهم جارف للبناء والتعمير، وبفضل هذا الحماس أضحى المنتدى أقرب لمنارة يهتدي بها كل باحث عن طاقات ومصادر النور والتنوير، التي يسعى الظلاميون الحاقدون لإخمادها بكل السبل، حتى يواصلوا مسيرة الإفساد والتخريب والترهيب، لكن خاب مسعاهم؛ ﻷن ما شاهدته على مدى اليومين الماضيين جعلني أطلق على ما يجري في مدينة السلام اسم "منتدى قهر الظلاميين".
نعم يا سادة منتدى قهر الظلاميين؛ ﻷن كل بند من بنود أجندة عمل منتدى شباب العالم في نسخته الثانية كان بمثابة رصاصة نافذة تطلق في صدور الإرهابيين ومثبطي الهمم، والداعين للكراهية والتمييز على أساس الدين والعرق والانتماء الحضاري والثقافي، ويتعاملون مع محيطهم وخارجه من منطلق الاستعلاء، وأنهم الفرقة الناجية، وليس على الآخرين سوى إطاعتهم بدون نقاش ولا تفكير، وإلا سيكون مصيرهم القتل والتدمير، وتقويض ركائز الدولة الوطنية، مثلما فعل ويفعل تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا وأفغانستان.
المشاركون في المنتدى كانوا يناقشون ويتفقون على خطوات بناء مستقبل واعد يلبي تطلعات وأحلام الشعوب، ويحافظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها، ويفتح الآفاق الرحبة للإبداع والتنمية، وإعداد قيادات وطنية شابة قادرة على تحمل المسئوليات، وأن تأخذ فرصتها كاملة في الظهور على الساحة، وبمختلف المواقع استنادًا إلى كفاءاتهم ومهاراتهم وأفكارهم الخلاقة.
فالتفكير والتركيز اتجه كلية للبناء، وتهيئة المناخ لمنحه قوة الدفع اللازمة، أما أهل الظلام، فلا هم لهم سوى القتل وتجهيز السيارات الملغومة، وإقامة أسواق السبايا والجواري في اﻷلفية الثالثة، ففكرهم شديد الرجعية، ويخاصمون أبجديات وأدوات العصر الحديث.
والفارق شاسع بين من يفتحون أبواب اﻷمل، ومن لا يفكرون إلا في إشاعة الخوف والإرهاب باسم الدين الذي يدعو لمكارم الأخلاق، والمحافظة على النفس البشرية وقت الحروب؛ فما بالكم في وقت السلم، وأن المولى عز وجل حدد الغاية للبشر على وجه اﻷرض بالعمل على تعميرها، ونشر الخير والسلام, وليس على تدميرها.
وكعادته كان الرئيس عبدالفتاح السيسي موفقًا بإشارته - في إحدى كلماته بالمنتدى - إلى أمرين مفصليين، الأول هو حرية العبادة، والثاني أن واجبنا جميعًا مقاومة الإرهاب والتطرف؛ فالدين الحنيف كفل حرية العبادة للجميع دون استثناء، وأنه لا يحق لشخص كائنًا من كان منح نفسه صلاحية ورخصة تحديد من المؤمن ومن الكافر، وأن يصدر أحكامًا فاسدة تجيز قتل المخالفين في الدين، واستباحة دور عبادتهم، فهؤلاء جعلوا من أنفسهم قضاة وجلادين، ويتجاهلون أن رب العرش العظيم خلق الكون على مبدأ التنوع والاختلاف.
ويتجاهلون أيضًا أن الشر لا يمكنه الانتصار، مثلما قال الرئيس السيسي للشابة الإيزيدية نادية، ووجه الرئيس بأن تكون من أوائل توصيات المنتدى دعوة المجتمع الدولي للاعتراف بجريمة "الدواعش" في حق الإيزيديات واستباحة أعراضهم، وذلك رفضًا لمختلف أشكال التمييز والعنصرية.
وفى هذا السياق فإن الرئيس السيسي يشدد دائمًا عند حدوث عملية إرهابية ضد مصريين من الأقباط على أن من تم استهدافهم هم مصريون، وأنه لابد من تصويب الخطاب الديني، وأن تكون نظرتنا للأمور شاملة وليست جزئية.
لقد كانت رسالة التجمع الدولي للآلاف من الشباب في شرم الشيخ جلية لأبعد حد يمكننا تصوره، وهي أن مصر بلد آمن ومستقر، وأن الذين حاولوا إخافة شباب العالم، وجعله يحجم عن الحضور والمشاركة بفعالية قد أخفقوا في تحقيق هدفهم، وأن الحالمين والمتفائلين يصنعون المستقبل عبر بوابات التسامح والوئام، وأن الظلاميين لا مكان لهم، فهم لا يجيدون سوى نسف الجسور، وسياسة الأرض المحروقة، وتكوين شخصيات مشوهة فكريًا ونفسيًا وعقليًا.
فتحية لمنظمي منتدى شباب العالم في شرم الشيخ الذي تحول لبوابة ينصهر فيها أحلى ما لدى الشعوب؛ وهم شبابها الناهض صانع الأمل.