Close ad

سلام على أبطال أكتوبر ٧٣

29-10-2018 | 23:55

ليس فقط لأن الندوة كانت عن نصر أكتوبر العظيم.. وليس فقط لأن الحالة المجتمعية صار ت أكثر احتياجًا لاستلهام الروح الأكتوبرية..

بل أيضًا لأن الذين تحدثوا في الجلسة هم من أبطال حرب أكتوبر.. شهادات حية وذاتية.. ومشاهد محفورة في الوجدان.. وشواهد مطرزة بالبطولات.. ضباط.. قادة كتائب.. قادة فرق.. كلهم مقاتلون.. 

لم تكن ندوة الصالون الثقافي رقم (٢٠) الذي يقدمه الدكتور أحمد جمال الدين شهريا.. وكان الموضوع: «حرب أكتوبر - ذكريات حية لمعاصريها من أعضاء الصالون».. مجرد استدعاء لذكريات.. ولا استعراض لوحات معلقة على جدار القلب.. لم يعرضوا صورًا شاهدناها من قبل.. لم يسترجعوا شواهد إلا التي توحدوا في صنعها بجدارة ومهارة..

كل منهم كان شاهدا وشهيدا معا.. على ما رأى ومارس القتال.. وقاتل.. وشهد من قُتل وتحرك في جبال سيناء وحرك المقاتلين.. وعبر ورفع العلم.. وشارك في الصيحة المدوية (الله أكبر).. واخترق خطوط العدو.. ولم يحترق وهو على عمق مائة كيلو متر داخل خفايا العدو الصهيوني..

الصدق والمصداقية كانا العنوان أو (المانشيت) الذي هيمن على عملية السرد والأبطال يستعيدون ذكر ما جرى.. معايشة فعالة.. وممارسة خلاقة.. خطط وتخطيط.. تمويه وخداع للعدو.. تدريبات شاقة.. أدمغة علمية.. فكر عسكري.. ثقافة عسكرية.. حيوية وحياة.. رؤية وأداة.. تصورات وتصديقات..

وكان القاسم المشترك الأعظم في أحاديث هؤلاء الأبطال، هو السلاح الأخطر الذي استخدمه كل من كان في ميادين القتال.. هو الروح المعنوية التي تفجرت في كل مقاتل على أرض المعركة العظيمة.. ففي الأدبيات العسكرية أن الكفاءة العالية لأية مؤسسة عسكرية ليس فقط حيازة نظام تسليح متطور، ولكن تدريب القوات على استخدام الأسلحة بكفاءة ومن هنا تتجلى أهمية القدرة الذاتية والروح المعنوية الكامنة في هذه القدرة تلك التي لا تتحقق فقط بامتلاك أفضل الأسلحة، وأفضل النظم الدفاعية وأكثرها تقدمًا، وإنما تتحقق القدرة الذاتية بمدى استيعاب هذه الأسلحة وقدراتها.. نعم يمكن أن يصل الإنفاق على التسليح والدفاع حدودًا خيالية، ويمكن أن تكون المخازن مكدسة، والسوق العالمية مفتوحة على مصراعيها، ولكن ذلك لا يعني أن هذا الإنفاق قد ترجم نفسه في زيادة فاعلية القدرة الذاتية..

لو رأيتم تجليات الروح.. لو رأيتم ذبذبات الحديث منهم.. لو رأيتم نبض الكلمات.. لو رأيتم إشارات الأيادي.. لو سمعتم خفقان القلوب... كأنهم يحدثوننا من ميادين القتال.. من قلب أحداث الساعة الثانية وخمس دقائق يوم السادس من أكتوبر ١٩٧٣ ظهر يوم العاشر من رمضان.. من شاطئ قناة السويس.. من بين المدرعات والمشاة والجبال والرمال ولهيب المعارك.. من قلب الجيش الثاني.. والجيش الثالث.. من الدفرسوار تلك الثغرة التليفزيونية التي نجحوا في تصحيح الفهم المغلوط لها. من كباري وجسور العبور.. من الدشم والتحصينات.. من المخابئ والسواتر.. وأمواج القناة..من صهيل المقاتلين.. من عنفوان الضربات الجوية المتلاحقة.. من.. من.. من.. من أشلاء الأكاذيب الصهيونية التي تغطرست حتى حد الأسطورة التي لاتقهر.. وإذا بها تنسحق تحت سنابك العنفوان المصري.. !.

لو رأيتم.. لو سمعتم.. لو تابعتم.. كانوا يتحدثون ويستعيدون ويسترجعون.. ويخاطبون الأجيال المتحركة على الساحة.. ويقلعون بهم نحو المستقبل..

والذي لمسته من تجليات الروح الوثابة لدى المتحدثين - وقد بلغوا من العمر ما بلغوا - أنهم يريدون بث روح السادس من أكتوبر ١٩٧٣ في نفوس الأجيال الراهنة والقادمة.. الآنية والآتية، ولديهم من الأدوات المعرفية ما تمكنهم من التمحيص لما تتداوله (الميديا) خاصة التي يروج فيها أبناء الصهاينة المنهزمين ويختلقون المبررات ويقلبون الحقائق.. كعادتهم قديمًا وحديثًا ومستقبلًا أيضًا...

إن في حرب أكتوبر الكثير والخطير الذي لا يزال قادرًا على العطاء السياسي والعسكري والفكري والمجتمعي..

وهو ما تحسسته من أبطال جلسة الصالون الثقافي.. وهو ما أحسه دائمًا عبر حواراتي مع أصدقاء من رجالات العسكرية المصرية الذين شاركوا في نصر أكتوبر العظيم.. ودائمًا نتطارح هذه البطولات، ولا أنسى ما حييت نبض جلساتي مع الضابط الذي أسر القائد الصهيوني (عساف ياجوري) وحوله إلى ذليل في مشهد مهين للعسكرية الصهيونية تتناقله صفحات التاريخ المعاصر..

كم من بطولات أكتوبرية.. كم من أسرار.. كم من صفحات.. كم من أسفار.. كم من تحديات ومواجهات.. تعتز بها ذاكرة التاريخ الحديث وتحتفظ بها وستسردها الأيام والتحولات..

وكم هي عظيمة تلك التجارب الذاتية والشخصية التي ننهل منها ونفخر بها.. وكل شهادة منها هي عندي أفضل ألف مرة من ألوف تحليلات الساسة على اختلاف مآربهم وتباين مشاربهم..

سلام على أبطال أكتوبر.. الأشهاد منهم والشهداء.. الأحياء منهم والراحلون..

سلام على كل من خطط ونفذ.. وقاتل وقتل.. وقرر وقاد..

وسلام على العسكرية المصرية النابضة بالحياة.. والتي تشعرنا بوجودنا المصري والإنساني..

وستظل إلى الأبد..

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: