Close ad

هلا فهمنا معنى الهوية.. والعولمة

26-10-2018 | 00:09

هل نفهم معنى الهوية ؟ كتابات كثيرة ومؤتمرات تناولت قضية الهوية ولكن ما زال المفهوم مستعصيًا على الوضوح، فكم من حروب اندلعت بسببها، كذلك التعبئة للعدوان أو الدفاع تنبني عليها إنها نقطة ضعف المجتمعات البشرية التي يمكن أن يقاد بها إلى أي طريق.

يعدها الكثيرون أخطر قضية وأكبر لغز أنصفتها الكتابات الغربية تدقيقًا وقتلتها بحثًا، ولكن ما زال الاحتياج إلى البحث في هذه القضية ملحًا، فما يهمنا معرفته هو كيف يمكن استغلال منافعها وتجنب مخاطرها وكيفية أن نتعامل مع التربية الهوياتية بحكمة تدرأ الأضرار، وتحقق المصالح والأمن القومي وتبتعد بنا عن العدمية.

إنها بحق من أهم الدراسات الفكرية فالهوية كالبصمة التي تميز الإنسان عن غيره، وهي بمثابة الشفرة التي يستطيع معرفة نفسه عبرها داخل الجماعة المنتمي إليها، وكذا يتعرفون عليه عبرها.

والهوية في علم النفس النمائي تشكل المرحلة الخامسة من تطور الشخصية الإنسانية،وتظهر مع المراهقة، ويلزم تطوير الهوية لاكتشاف ذواتنا تحقق الهوية، وذلك بتحقق التكامل للشخصية ونموها وتطورها في هذه المرحلة، باستكشاف الفرد للبدائل محققًا نوعًا من الالتزام المحدد، يليه تعليق الهوية: أي حبس النشاط وتأجيله، لمرور الفرد بفترة استكشاف في مرحلة ما قبل تحقق الهوية.

ثم إعاقة الهوية: حيث يقصد بها عدم مقدرة الفرد على الاستكشاف ولو بقدر، لغلبة قيم الطفولة ومعاييرها عليه، أما تشتت الهوية فيشير إلى أقل مستويات نمو الشخصية في تلك المرحلة، دون التزام بأي اتجاه محدد حدث له؛ سواء تم استكشافه للبدائل من عدمه، وتعد الهوية الثقافية الرمز أو القاسم المشترك والنمط المميز لفرد أو مجموعة من الأفراد أو شعب عن غيره من الشعوب.

والهوية لغويًَا مأخوذة من ”هُوَ .. هُوَ“ بمعنى أنها جوهر الشيء، وحقيقته، وثوابته التي تتجدد لا تتغير، تتجلى مفصحة عن ذاتها، دون أن تخلي مكانها لنقيضها، وتتشكل هوية أي أمة من مجموع صفاتها التي تميزها عمَا عداها تعبيرًا عن شخصيتها الحضارية.

وتنطوي على ثلاثة عناصر: العقيدة ، واللغة والموروث الثقافي التاريخي، ويعد الدين أهمها على الإطلاق؛ حيث في الحروب تذوب الهويات المتعددة العناصر، وتصبح الهوية الأكثر معنى بالنسبة للصراع هي السائدة، وهذا ما أدركه الأعداء اليوم فيرون أن استعادة المسلمين هويتهم الإسلامية وانتماءهم القرآني هو أكبر الأخطار، ومن ثم فإن كل قوى التغريب والغزو الثقافي ستطلق في هذا الاتجاه، متكئين على الاستشراق .

والغربيون أحرص ما يكونون على هوياتهم، وعلى ذوبان المسلمين المهاجرين في مجتمعاتهم، بل إن هناك مؤسسات ووزارات خاصة للاندماج وتذويب الهويات، وأوروبا ترفض تركيا بسبب الهوية ليس إلا، وكما قال الرئيس أوزال في سنة 1992م: سجل تركيا بالنسبة لحقوق الإنسان سبب ملفق لعدم قبول طلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، السبب الرئيس هو اختلاف الديانة، فالقوى الأوروبية تعلنها مدوية أنهم لا يريدون دولة إسلامية (تركيا) في الاتحاد الأوروبي، ولا يرحبون بوجود دولة إسلامية أخرى (البوسنة)،إذن، إنهم يعلنونها حرب "هويات "!

لم توجد العولمة في السابق مع سيطرة أمم عسكرياً واقتصادياً كالحضارة اليونانية والرومانية والإسلامية وبريطانيا، ولكن في الوقت الحاضر اجتمع سيطرة القطب الواحد مع التقدم المذهل في الاتصالات والمواصلات.

تختلف تعاريف العولمة بين المفكرين؛ حيث يركز كثير من الكتاب على الجانب الاقتصادي وينبه على خطورتها من هذا الجانب بزيادة الفقر وتكدس الأموال وخدمة الشركات الكبيرة واضمحلال الصغرى أو إيجابيتها من انفتاح الأسواق وزوال الحواجز عن الأيدي العاملة، ومنهم من يبشر بها باعتبارها تحررًا من الدول المغلقة وانطلاق نحو العالمية والتقدم، ومنهم من يركز على الجانب الثقافي وأضراره، ومنهم من يأخذها بمفهومها الشامل، وهذا الاختلاف بسبب ذكر كل واحد جانبًا من الموضوع وهو يذكرنا بمثل العميان حين دخلوا على الفيل في غرفة مظلمة فكل منهم عرفه بما لمسه منه.

ومع اختلاف تعريفات العولمة إلا أنها تأخذ عدة ظواهر:

- التقدم الهائل في وسائل الاتصال، لا سيما ظهور الإنترنت والقنوات الفضائية.

- الهيمنة الغربية لا سيما أمريكا وسقوط المعسكر الشرقي، وتأخذ هذه الهيمنة أبعادًا عسكرية واقتصادية وثقافية وسياسية.

- بروز المؤتمرات والمؤسسات الدولية والشركات متعددة الجنسيات.

وهذه التعريفات تتباين في درجة قبولها وخطورتها؛ حيث نجد أن أكثر المفكرين المسلمين ينبه على خطورتها مع التركيز على الجانب الاقتصادي، وإذا كان البحث عن الأسواق والسعي للتسويق مطلبًا إنسانيًا قديمًا وحيويًا ومشروعًا، فإن ما يحدث هنا يختلف في أنه بحث يمارس منافسة غير متكافئة وربما غير شريفة من ناحية، ويؤدي من ناحية أخرى إلى إضعاف كل ما قد يقف في طريقه من قيم وممارسات اقتصادية وثقافية..

ومهما يكن من أمر، فالعولمة: "ليست ظاهرة جديدة ولا هي وليدة الوقت الحاضر، إنها ظاهرة نشأت مع ظهور الإمبراطوريات في القرون الماضية، ففيما مضى حاولت الإمبراطوريات مثل الإمبراطورية الرومانية والفارسية أن تصبغ الشعوب التي تبسط نفوذها عليها بثقافتها، وتسعى لترسيخ هذه الثقافة في مختلف جوانب حياة هذه الشعوب، كما عملت هذه الإمبراطوريات على توجيه فهم هذه الشعوب وتقاليدها وفق أنماط الحياة التي تريدها، فكانت هذه الخطوة الأولى نحو العولمة.

وظهور العولمة - بحسب رأي عدد من الباحثين - يرجع إلى القرن الخامس عشر (عصر النهضة الأوروبية الحديثة)؛ حيث التقدم العلمي في مجال الاتصال والتجارة، ويدلل أصحاب هذا الرأي على رأيهم بأن العناصر الرئيسية في فكرة العولمة تكمن في ازدياد العلاقات المتبادلة بين الأمم، المتمثلة في تبادل السلع والخدمات، أو في انتقال رءوس الأموال أو في انتشار المعلومات والأفكار، أو في تأثر أمة بقيم وعادات غيرها من الأمم".

وهذا يعني بحسب تقييمنا لتأثير العولمة على حياة الشباب ومساراتهم الفكرية والعقائدية والمعرفية لخدمة مجتمعاتهم النامية، أنه لن تتأتى إلا باستخدام العلم في مجالات الحياة كافة، ثم بالتدريج المنطقي القيام بتضفير الحداثة ومخرجات التكنولوجيا الحديثة، والاستفادة من ظهور الثورة المعلوماتية على صفحات التواصل الاجتماعي، وسهولة الضغط على "زر" لتشاهد وتسمع وترى وتقرأ، ثم يكون لك الاختيار لما هو أنفع وأجدى للمجتمع ، مع الحرص على تنمية وتشجيع النزعة الإنسانية لصالح البشرية؛ وليس باستخدام المسارات التي لاتعود إلا بالأضرار المادية والمعنوية على الفرد والمجتمع.

ومن هذا التحليل الأقرب إلى جادة الصواب؛ نستطيع القول بأن الشباب العربي لم يحظ بالتأثير الكامل والواجب ؛ في تنمية ثقافته وثقافة مجتمعاته بالقدر الواجب، ولم يحصل إلا على القدر الضئيل من الثقافة المعرفية المتداولة في بلاد الغرب ، وكان جُل اهتمامه بالثقافة الاستهلاكية التي تُعد عبئًا على مجتمعاته الفقيرة نسبيًا؛ بالمقارنة بالمجتمعات الغربية التي قفزت قفزات هائلة بالتكنولوجيا المتقدمة، التي لم يواكبها على التوازي تكنولوجيا عربية تزاحمها في دروب الثقافة الحقيقية التي تنهض بالمجتمع العربي النهضة المأمولة والواجبة.

وعلي هذا .. فإننا نقول إن العولمة أسهمت في تفتح بعض المدارك والطرق لدى غالبية الشباب العربي، ولكنها لم تحقق الطفرة المأمولة في هذا الاتجاه؛ ربما لقلة الإمكانات المتاحة أو غياب الطموح لدى البعض، مما ساعدعلى زيادة الفجوة وتعميقها بين شرقنا العربي والمجتمع الغربي.

فمتى نسارع باستدراك ما فاتنا لنلحق بماراثون العالم المتقدم على كل الأصعدة؟! ولنتمثل مقولة أمل دنقل: ربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة ليمر النور للأجيال.. مرة!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة